|
| الريـاضيـة
كان عالم الاجتماع الالماني ماكس فبر Max Weber اهم وابرز من ربط علاقة تطور الرأسمالية الحديثة وتأثرها بإحدى طوائف الديانة المسيحية, ففي كتابه The Protestant Ethic and The Spirit Of Capitalism اخلاقيات البروتستانت وروح الرأسمالية حلل فيبر عدة حقائق احصائية قام بجمعها ووصل الى نتيجة مفادها ان رجال الاعمال ومالكي المال وممتهني المهن الرفيعة والمدربين بدرجة فنية وتجارية عالية والذين يديرون الاموال ويتحكمون بها في اوروبا منذ العصور الوسطى كانوا من افراد طائفة البروتستانت، ولم يكتف فيبر بهذه الاحصائية وهذه الحقائق ليصل الى نتائجه بل انه قام بربط بعض تعاليم تلك الطائفة وبشكل كبير بفعل تأثير تعاليم الطائفة الكالفنسية Calvinism والتي تشدد على ضرورة جمع المال وان الناس سينظر اليهم في الآخرة بحسب ما كان لديهم عند الممات وهو التوجه الذي تناقضه التعاليم الكاثوليكية والتي ترى ان الناس سينظر اليهم حسب اعمالهم وليس اموالهم، ومن هذا المنطلق نرى ان غالبية الدول الفقيرة تتبع الكنيسة الكاثوليكية بينما تتبع غالبية الدول الغنية الكنيسة البروتستنتنية، وهذا الطرح لا يلغي حقيقة واضحة وهي ان غالبية اباطرة المال والرأسماليين في وقتنا الحاضر هم من اليهود.
وخلال العقود الاخيرة انتج تطور الرأسمالية عدة جوانب سلبية حتى اصبح الفرق بين الدول الفقيرة والغنية يتسع يوما بعد يوم، وعلى الرغم من ظهور عدة ايديولوجيات مناهضة ومضادة للرأسمالية وتوجهها إلا ان تلك الايديولوجيات لم يكتب لها النجاح لاسباب كثيرة.
واذا القينا نظرة فاحصة على الشريعة الإسلامية نرى انها شرعت حرية التملك والتجارة وجمع الاموال من خلال الطرق المشروعة منذ اكثر من الف واربعمائة وعشرين سنة، وفي نفس الوقت نرى ان الإسلام لم يغفل الجوانب الاخرى فلقد اهتم بالرعاية الاجتماعية وبالصدقات وفرض الزكاة، كما ان الإسلام فرض نظام توزيع الميراث وهو النظام الذي يساعد على توزيع الاموال وتفكيك تركيزها ففي الغرب من الممكن حصر الارث على شخص واحد بل في بعض الاحيان يحصل ان يكون الارث خاصا لحيوان ككلب او قط او غير ذلك تبعا للوصية.
على اية حال، لقد اوردنا هذه المقدمة كجرعة ثقافية سريعة كمدخل لموضوع اليوم والذي يتناول الفرق الشاسع بين بعض الاندية الرياضية العالمية ونظيراتها في البلدان الاخرى ونادي مانشستر يونايتد يمثل احد اغنى الاندية ان لم يكن اغناها على الاطلاق، ومانشستر يجب ان ينتقل الى الولايات المتحدة لم يكن عنوانا اتخذناه عبثا او رغبة في لفت انتباه القراء، فلقد استعرنا هذا العنوان من كتاب صدر مؤخرا في هذا الشأن.
فالولايات المتحدة الامريكية وكما هو معروف للجميع تعتبر بلد التجارة والمال وموطن الشركات الكبرى التي اصبحت تدير وتتحكم بالتجارة العالمية والاقتصاد الدولي، وفي الجهة المقابلة فنادي مانشستر يونايتد اصبح اليوم من اغنى اندية العالم الرياضية ويدار بطرق واساليب انطلقت من روح وتعاليم الرأسمالية الجديد او المطورة .
ولمعرفة مكانة نادي مانشستر الحقيقية حاول كثير من النقاد المقارنة بينه وبين نادي دالس كاوبوي لكرة القدم الامريكية، فكثير من المهتمين والمتابعين يرى التقاء الناديين في كثير من نقاط واوجه الشبه، فالناديان حازا على عدة بطولات وهما يعتبران اشهر واكبر اندية بلديهما، كما انه بالقدر الذي يتمتعان به من جماهيرية الا انهما في المقابل يملكان الاعداء والجماهير التي تكرههما.
غير ان ما يهمنا هنا هو وجه الشبه المالي والإداري فالناديان يعتبران افضل ناديين من الممكن ان يشتريهما المال في الوقت الحاضر، كما انهما وحسب المعيار الدولي للاندية الرياضية يعتبران من اغنى الاندية التي تتخذ وتنتهج التوجه التجاري البحت، ومن اوجه الشبه كذلك انهما حصلا على البطولات ليس فقط لأنهما الافضل لعبا ومستوى ولكن لأنهما يملكان المال اكثر من غيرهما، ولذلك فإن الكثير بدأ ينظر الى نادي مانشستر يونايتد ودالس كاوبوي كنموذج لكرة القدم الجديدة التي يأتي بها اهمية المال اولا ثم يأتي بعد ذلك مستوى الكرة.
وفي شهر يناير من كل سنة ميلادية تنشر صحيفة الفايننشل تايمز قائمة بأكبر خمسمائة شركة ومؤسسة مالية في البورصة وتبادل الاسهم وكذلك للشركات البريطانية البديلة في سوق الاستثمار وذلك حسب قيمتها السوقية، وفي آخر اصدار يناير 2000 احتل نادي مانشستر مكانا يقارب منتصف القائمة برأسمال مال قيمته اكثر من 500 الف مليون جنيه استرليني، وعلى الرغم من ان هذا الرقم يقع بعيدا عن موقع الشركات المتصدرة للقائمة كمدلند بانك ب60 بليون جنيه او شركة الزيت BP ب55 بليون جنيه الا ان موقع مانشستر التجاري في سوق الاسهم يتقدم وينطلق بعيدا عن الاندية الاخرى، وفي الحقيقة لم يدخل قائمة ال500 الا ناديان آخران وهما تشلسي فلج Chelsea Village ونيوكاسل يونايتد Newcastle United والناديان يقعان في مؤخرة القائمة بل ان مجموع استثمارهما في سوق الاسهم سويا يقل كثيرا عن استثمارات مانشستر لوحده، وإذا نظرنا في الجهة المقابلة فإننا سنكتشف ان فريق دالس كاوبوي يملكه جيري جونز Jerry Jones المغامر التجاري والمالي وصاحب المكانة العالية في صناعة الزيت والغاز والذي اشترى النادي بمبلغ 150 مليون دولار في عام 1989م وبلغت فاتورة الرواتب لديه في العام الماضي ما يقارب الثمانين مليون دولار، ولكن لا تستغربوا فجيري جونز يحصل على ما يقارب الستين مليون دولار من ريع ومداخيل ملعب النادي فقط.
وفي الحقيقة فإن مانشستر يونايتد اخذ خلال السنوات الاخيرة يتطور بشكل غير طبيعي في مجال الاستثمار وإدارة المال ولكن ليس في مجال تطوير كرة القدم فتفكير إدارة النادي منصب على الاستثمار في النقل والتلفزيون وفي سوق المراهنات وفي سوق الاسهم التجارية وفي حقوق استغلال الاسم واعادة الانتاج Replica Kit Market وفي مجال الملابس الرياضية والمطاعم والمحلات والفنادق وغير ذلك، ان من اهم الدروس التي يمكن ان نستفيد منها من خلال استعراض اعمال ومهام نادي مانشستر يونايتد ان النادي لا يعتبر اكبر ناد لكرة القدم في بريطانيا فحسب بل انه من اكبر الشركات التجارية التي تنمو بسرعة البرق في بريطانيا.
ان الهدف من استعراض تلك المفارقات بالاضافة الى مشاركة القراء ببعض المعلومات في هذا المجال التشديد كذلك انه ليس كل توجه استثماري هو في صالح الرياضة واللعبة، فإذا كان هناك بعض النقاط الايجابية والتي يمكن الاستفادة منها من تجربة نادي مانشستر الاستثمارية وهي بلاشك كثيرة، فإنه يوجد كذلك بعض الجوانب السلبية، بل اكثر من ذلك فلكل ناد شخصيته ومكانته الخاصة من حيث اختلاف البلد وعاداته وتقاليده ومن حيث اختلاف الموقع والفرص وفوق ذلك اختلاف الإدارة وتوجهها، ان نادي مانشستر لا يختلف عن انديتنا فقط بل هو كذلك يختلف عن الاندية الاوروبية الاخرى بل انه يختلف عن الاندية الانجليزية الاخرى تماما كما يراه الآخرون هناك وهو الموضوع الذي سنتحدث عنه بشيء من التفصيل قريبا ان شاء الله.
والحق فإن نادي مانشستر يونايتد شيء مختلف ومميز فهل يتفق القراء الكرام معنا في ذلك؟ إذا كان كذلك فلنتفق جميعا مع من يقول بأن نادي مانشستر يجب ان يتم نقله الى اتلانتا في الولايات المتحدة مع مقر شركة كوكاكولا ومقر الCNN خاصة اذا عرفنا ان تد تيرنز Ted Turner الامبراطور الإعلامي وصاحب شركة CNN متحمس جدا لشراء ناد لكرة القدم.
Kbahouhth@ Yahoo.com
|
|
|
|
|
