أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 6th July,2000العدد:10143الطبعةالاولـيالخميس 4 ,ربيع الثاني 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
التماس إلى صاحب السيادة!
ريمة مبارك
الذي لا شك فيه أن أجهزة الإعلام ومؤسساته، قد استحوذت لنفسها على دور هام وبالغ الخطورة كان في السابق ضمن واجبات اجهزة التعليم ومؤسساته، يتمثل ذلك الدور في العمل على نشر الوعي وحفز الفعالية الثقافية بمختلف الوسائل، وعبر تعدد الوسائط والأدوات، وهو تحول طبيعي جاء نتيجة ما يملكه الإعلام من إمكانيات خرجت بالأعداد المحدوة والمنتقاة وفق شروط القبول في التعليم، إلى إطلاق الجمع الشامل لمختلف الفئات والأعمار بلا قيد أو شرط، وفي كل الظروف ومختلف الأوقات,, هذه ظاهرة عالمية لا يختص بها الإعلام العربي دون غيره بطبيعة الحال، ومن ثم فالحديث هنا له صفة التعميم وإطلاق الأحكام,.
كذا يجابهنا السؤال الصعب: هل تنهض أجهزة الإعلام في العالم حقيقة بهذا الدور الخطير بما يتناسب وما يتوفر لها من إمكانيات ومقدرة؟، وهو سؤال لا يحتاج أقل تردد لإجابة نافية تلقي بنا في غمار الدهشة والحيرة: لأي الأسباب عجز الإعلام عن النهوض بدور متميز في هذا الصدد؟ بل قد تتسع الدهشة إلى حد اتهام الإعلام بفرض شعارات لهذا العصر من شأنها أن تقوّض جدية البحث ومنهجية التفكير ونزعات التأمل والتوفر على الدرس، من مثل عصر السرعة الذي أدى إلى عجلة التناول وسطحية المعالجة، وفرض نموذج الاختزال في الأعمال الإبداعية (قصة الفقرة وهكذا) وبات في قضايا الفن والأدب الجوهرية التساؤل عن موت الشاعر وانتحار الفنان وغير ذلك,,!، على أن شعاراً كعصر السرعة لا تعوزه المصداقية، ليس بسبب سرعة الحركة والانتقال في وسائل المواصلات وأدوات الاتصال، وإنما في ذلك اللهثات وراء متابعة الكم الطاغي لما تضخة أجهزة الإعلام العالمية، إذ بعملية حسابية بسيطة قد يحتاج المرء إلى ثلاث ساعات أو أكثر لاستعراض فيض فضائي، ما أن يقع اختياره على مادة منه حتى تكون قد انتهت في محاولة الاستعراض، فكيف يستقطع من هذا اللهثات عدة أيام لقراءة رواية، أو ساعات لتأمل قصيدة أو قصة؟ والمؤسف حقاً أن هذا الإحساس بالسرعة والعجلة قد أصبح ضمن التركيب المزاجي والنفسي لإنسان هذا العصر، فلا مفر، وأكثر مدعاة للأسف ما تتميز به المادة الإعلامية الفضائية في معظمها، والتي يلهث خلفها ويحاصر بها المتابع، من سطحية وفجاجة مكرستين نحو تغييب الوعي لا تحفيزه، وتسطيح المعرفة لا تعميقها!
بعض الذين توفروا على دراسة هذا الوضع الجديد لتسلّط المادة الإعلامية في مستوياتها المتدنية يرجعون الأمر إلى أن القائمين على إدارة هذه المادة لا يدركون دورهم الإنساني التاريخي، وهو اتهام يريح الدماغ من عناء البحث، خاصة أنه يكتسب وجاهته من تأمل ما أصبحت تتصف به واجهات التقدم (ولاسيما مقدمات البرامج) من خواء الرأس وتفاهة النفس,, أليست مقدمة البرنامج نجمة عالمية تتنافس على مواهب التسيب وقدرات الاجتذاب للغارقين في بحار الفراغ؟,, وبعضهم يرجع الأمر إلى تغير حقيقي في طبيعة العصر، فلم يعد ليل الشاعر ليلاً موصولاً بليل متبوع بليل كامرئ القيس، ولم يعد الشاعر بحاجة إلى حدو الإبل في مقعده الوثير على متن طائرة، وهو رأي يجد إحدى الراحتين في انهزامية التسليم واليأس,,!
يقيني أن كلا الرأيين يجانبهما الصواب إلى حد كبير، وان هناك عاملاً هو الأهم، وهو صاحب السيادة الحقيقية في حسم الأمر، اعني الإعلان التجاري ، فالمعلن من مصلحته أن يتخير النافذة الأكثر انتشاراً، والنافذة الأكثر انتشاراً هي دائماً تلك القادرة على اجتذاب العدد الأكبر عبر مخاطبة الحواس وتملق التفاهة في قاعدة عريضة، تقدم لهم الأسئلة التافهة للمسابقات الثقافية بخيارات الإجابة التي لا تحتاجها، مشفوعة برغبة المساعدة على ألا تتجاوز أهمية الموضوع لاعبي الكرة ومتسابقي السيارات! وليس يهم كثيرا ان تكون الإجابات التي تقر صحتها مقدمة البرنامج خاطئة، فلا أحد يدقق او يكترث، مثلما لا احد يكترث أن أجيالاً ناشئة تتربى على هذه القواعد الجديدة! هذا ادعاء لا يحتاج التوثق منه الا الإجابة على سؤال بسيط: لماذا تتجشم بعض المؤسسات الخاصة أو الأفراد أموالاً طائلة في شراء القنوات الفضائية وفي نفقات تجهيزها وادارتها ورواتب العاملين فيها، وتتركها خدمة مجانية للمشاهد إلا أن يكون عائدها من الإعلان مخيفاً!
كأن الأمر الآن قد أصبحت مواجهته في حكم المحال، إذ ليس على الغيورين على ثقافة إنسان هذا العصر، والمنظرين والمفكرين والمخطيين أن يتقدموا بمطالبهم إلى الإدارات القيادية في الأجهزة الإعلامية، وإنما أن يتقدموا بالتماس ما إن أرادوا! إلى صاحب السيادة الإعلان!

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved