أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 7th July,2000العدد:10144الطبعةالاولـيالجمعة 5 ,ربيع الثاني 1421

شرفات

شخصيات قلقة
سكوت فيتزجيرالد 1896 - 1940م
أسوأ عاشق في العالم
لكل إنسان عُقدة قد يظهرها أو يداريها، وعُقدة فيتزجيرالد كانت الفقر، وكأنه يقول: لوكان الفقر رجلاً لقتلته, لقد عاش طفولة شقية ورأى اباه وهو في العاشرة من عمره يعيش في فشل وضياع بعد فصله من العمل، لقد تركت ملامح أبيه المفصول أثراً غائراً في اعماق نفسه، ولولا ثراء إحدى خالاته لما استطاع أن يتم دراسته الثانوية.
لم ينجح ابداً طوال سنوات الدراسة أن يكون محبوباً من زملائه، ويفسر ذلك بأنه كان صبياً فقيراً في مدارس خصصت لأبناء الاثرياء, وفي إحدى العطلات الجامعية تعرف فيتزجيرالد على فتاة جميلة تدعى جنيفر اكنج اعتبرها فتاة الأحلام، وظل حتى آخر أيامه يتذكرها والدموع تطفر من عينيه،إذ ينتابه حنين جارف إليها, رغم أنها رفضته زوجاً وكانت سبباً في انقطاعه عن الدراسة وهو بالسنة النهائية بجامعة برنستون.
ربما كان سبب رفضها أنه مصاب بلعنة الفقر، وثارت روح الشاب اليافع تريد أن تحرق وتحترق، فانضم للخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى، رغم أنه كان ثائراً علىهمجية الحرب,, بلاحماس,, بلاوطنية,, وإنما لمجرد أن ينسى حب جنيفر,, لمجرد أن يعمل عملاً,, وقضى خدمته في المعسكرات بعيداً عن ميدان القتال كأسوأ ملازم ثان في العالم.
وخلال الخدمة كتب روايته الأناني الرومانسي فرفضها الناشر, وعلم أن جنيفر قد تزوجت، وكأن الصدمات تأتي تباعاً, كان لايزال في القلب مكان للحب سمح لفتاة أخرى تدعى زيلدا سابر أن تبادله نفس المشاعر,, أن تبني معه قصوراً من كلام وترسم المستقبل حلماً جميلاً, كان على فيتزجيرالد أن يصدق، أو لعله حاول أن يصدق، إذ سافر إلى نيويورك بعد انتهاء خدمته بحثاً عن فرصة عمل في الصحافة مهنة البحث عن المتاعب, وبعد أن فصلته سبع صحف عمل بها تباعاً قبل أن يعمل كمحرر بشركة إعلانات، بمرتب ضئيل.
لابأس هناك الأمسيات الطويلة، يمكنه خلالها أن يكتب القصص والروايات التي ستدر عليه مالاً وفيراً, راح يكتب دون انقطاع، وبدون انقطاع أيضاً وصله مائة واثنان وعشرون خطاباً يعتذر فيها رؤساء التحرير عن نشر قصصه.
فيض هائل من الخطابات التي ترفض قصصه في مقابل ندرة وشح في خطابات حبيبته الجديدة زيلدا أهو فتور أم أنها قررت أمراً ما؟ أنفق فيتزجيرالد كل مايملكه من نقود في شراء تذكرة ذهاب إلى مدينة حبيبته كي يسألها سؤالاً وحيدا عن حقيقة مشاعرها، ثم عادإلى نيويورك حزيناً بائساً لأنها رفضت الزواج منه رفضاً قاطعاً.
إن جنيفر وزيلدا لاتهربان منه وإنما تهربان من الفقر,,, لايهم,,, فقرر فيتزجيرالد أن يعود إلى مسقط رأسه كي يكتب عما حدث لفيتزجيرالد.
وكانت رائعته جانب الفردوس عن الجامعة والصحافة والحب الفاشل والايام التي قضاها ، وإذا بالرواية تصبح كتاب الشباب الأول، خاصة طلبة الجامعة، يقرأون فيها صورتهم وحياتهم القلقة المضطربة، الآمال والأزمات، وإفلاس البيوت المالية, إنها تعبر عن أزمة عصرهم,, عصر الجاز .
فجأة تنتبه الصحافة إلى فيتزجيرالد، فتشتري إحدى الصحف قصتين منه بألفي دولار،رغم أن بعض الصحف رفضت نشر هاتين القصتين من قبل!! لقد اصبح مشهوراً آمناً بعض الشيء من خطر الفقر, وهنا فحسب في تلك اللحظة وافقت زيلدا أن تصبح زوجاً له, لكن سعادة الزواج تشوبها كآبة غامضة، وندبة عميقة في روح الكاتب الشاب الذي أحس بعجز الفقر وقصر يده,, وبقوة المال التي تذلل كل شيء حتى قلوب النساء.
أحس بالعداء المطلق للطبقة الثرية، ليس عن عقيدة ثورية آمن بها، إنما هو حقد فلاح كظيم دأب المجتمع الطبقي دائماً أن يلفظه إلى عراء الشارع,, ولايزال يعيش هاجس الخوف من أن ينجح آخر أوفر مالاً في الاستيلاء على فتاته ذات يوم, ولأنه عاش محروماً فمن حقه أن يعوض مافات,, أن يبحث عن الأكثر بذخاً وإثارة,, أن يستأثر بقلب زيلدا بالحفلات والملابس وأجواء الطبقة الاستقراطية, بالمداعبات المستهترة التي تلفت الأنظار لغرابتها,, فمثلاً قفزا معاً بملابس السهرة في نافورة، ومرة أخرى خلعا معظم الملابس في حفلة صاخبة.
إسراف ولهو وحياة صاخبة بين عواصم أوروبا المختلفة, رغم هذا احست زيلدا بغمامة الملل ترين على القلب، فأنعشته بحب جديد لطيار شاب،وتركت فيتزجيرالد لمعاناته الصامتة وإحساسه الشديد بإهدار كرامته ورجولته، وأبداً لم يناقش الأمر مع زوجته وتركها تقطع علاقتها بصديقها الطيار، بينما كان هو مشغولاً بكتاباته، حيث نشر كل الشبان المحزونين و جاتسبى العظيم تلك الرواية الفاتنة التي تفضح الحياة الأمريكية اللامعة والتي وصفها إليوت بأنها أول خطوة خطتها الرواية الأمريكية بعد هنري جيمس.
لكن نجاح رواياته لم يعد كافياً لمصاريفه الباذخة، فالديون تراكمت على الكاتب المستهتر، وشبح الفقر أوشك أن يصيب حياته بالدمار والفشل التام، مما اضطره لان يعمل كاتباً للسيناريو في هوليود، التي ارادت أن تستثمر موهبته الأدبية,, لكن شتان الفارق بين حرفة السيناريو وكتابة عمل أدبي، فالروائي البارع وجد نفسه مجرد سينارست فاشل، دائم الشجار مع زوجته غريبة الأطوار.
لقد أصرت وهي في الثامنة والعشرين اثناء زيارتهما لباريس أن تحترف رقص الباليه، وهي التي لم تظهر اي تفوق سابق في الرقص، وحينما فشلت محاولاتها العديدة انهارت اعصابها، وتحولت الفرجة على مسارح باريس الى تردد دائم على أطباء الأمراض العصبية والنفسية، لتقضي بقية حياتها في إحدى المصحات العقلية ببالتيمور.
صدمة أقوى من أن يحتملها فيتزجيرالد المتوتر الخائف من الفقر والضياع، المرهق الأعصاب، وإذ بمؤلفاته تقابل بفتور واحيانا بعنف من قبل النقاد.
ومرة أخرى يبحث فيتزجيرالد عن بصيص أمل في هوليود إذ يعود إلى كتابة السيناريو بفيلم معبودي الخائن الذي يصور قصة حبه العنيفة مع الصحفية الإنجليزية شيلا جراهام وينجح في غمرة حبه الجديد لشيلا أن يقلل من الإدمان ، ورغم ذلك شعر أن عمله لايلقى الترحيب الكافي,.
وأنه لا أحد يحبه ويعطف عليه.
لقد عاش حياته آلاماً متصلة وفشلاً متكرراً وخوفاً من قهر الفقر له,, كتب يقول : أحس بأنني أقف وحيداً في غبشة الغسق في بقعة نائية مهجورة في يدي بندقية فارغة، وقد اختفت كل الأهداف من أمامي ,, ليست هناك مشكلات,,
وإنما صمت تام لايسمع خلاله سوى صوت تردد أنفاسي,, إنه انهيار الشخصية .
شريف صالح

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved