أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 9th July,2000العدد:10146الطبعةالاولـيالأحد 7 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

معهد الدويحس في (الزبير)
د, علي عبدالرحمن أبا حسين
لما كانت العلوم والآداب والفنون من مظاهر الحضارة سواء النقلية منها او العقلية، وانه بقدر ما تتقدم الامة علميا تبرز على البقية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا, ومثل ذلك فقد برزت بعض المدن عبر التاريخ تلك التي اشتهرت بعلمائها ومنها (مدينة اشيقر) في نجد و(مدينة الزبير) اولئك الذين التحقوا (بمدرسة او معهد الدويحس): وهو المعهد العلمي الواقع على بُعدٍ يسير من المسجد الجامع الكبير المسمى (بمسجد النجادة) وهو من اكبر مساجد مدينة الزبير, خطه النجديون الوافدون الى الزبير عبر مئات السنين, وسميت المدرسة نسبة الى مؤسسها (دويحس بن عبدالله بن شماس) واضاف البعض انه (دويحس البكري) ربما نسبة الى قبيلة بكر بن وائل التي ينتسب إليها مؤسسها, هذه المدرسة تأسست على الارجح في أوائل القرن الثاني عشر الهجري, ومن دراستنا لعلماء الزبير الذين درسوا في هذا المعهد لا نظن ان تأسيسه كما ذكر، بل قبل هذا التاريخ, وقد اوقف عليها مؤسسها وقفا من النخيل فاستقامت نحو ثلاثة قرون او يزيد حتى اغلقت ابوابها في عام 1378ه, ومن هذا المعهد تخرج طائفة من العلماء الذين ذاع صيتهم خاصة في العلوم الدينية واللغوية, فاذا كانت الجامعات تعرف بعلمائها وخريجيها, ثم بمناهج الدراسة فيها, وفي بحوثها, وانتاج اساتذتها, فان مشايخ وطلاب معهد الدويحس في الزبير خير دليل وشاهد على المكانة العلمية لهذا المعهد, وذلك بما قدم من فقهاء ومفتين وقضاة وعلماء درسوا الفقه الحنبلي وتدارسوا فقه المذاهب الاخرى, بعد ان حفظوا القرآن الكريم وتدارسوا علومه من التفسير والحديث واصوله والفرائض وعلوم اللغة والنحو والصرف والآداب لذا يحق لنا القول بأنها اشبه بمدرسة جامعية, فمن يدرس سيرة (الشيخ ابراهيم بن ناصر بن جديد) الزبيري المولد والمتوفى في 13 شعبان 1232ه وقبره قرب ضريح الزبير من العوام او على الارجح في مقبرة الحسن البصري في الزبير.
وقد قرأ على مشايخ وعلماء بلده، ثم ارتحل إلى الشام حيث درس على علمائها في المدرسة المرادية بدمشق مدة اربعة عشر عاما فأخذ عن (الشيخ احمد البعلي) مؤلف كتاب (الروض الندي) ثم رحل الى الاحساء فتتلمذ على (الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز) الذي أجاره عام 1195ه ليعود الى بلده الزبير فيتولى منصب القضاء فيها ايام الشيخ يحيى الزهير وذلك بعد ان طلب اهل البلدان ان يتولى القضاء في بلدهم, ثم اصبح مدرسا في معهد الدويحس بالزبير 1 , كما درس في جامعها, وذكر (الشيخ ابن حميد) في طبقاته ترجمة مطولة للشيخ ابراهيم بن ناصر بن جديد, وذكره (الشيخ عثمان بن سند) قائلاً: كان نادرة عصره, ومن تلامذته: (الشيخ محمد بن حمد الهديبي) و(الشيخ عبدالعزيز الشهوان) قاض في الزبير (الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن عبيد) وهو من مواليد جلاجل و(الشيخ سليمان بن جمهور العدواني) المتوفى عام 1361ه, ومن تلاميذ (الشيخ صالح بن محمد بن عوجان), ومن تلاميذ (الشيخ محمد بن عبدالله بن عوجان) كل من (الشيخ عبدالمحسن بن ابراهيم ابابطين) و(الشيخ ناصرالاحمد) و(الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن سند), و(الشيخ محمد بن حمد العسافي)و (الشيخ عبدالله بن جميعان) و(الشيخ احمد بن عثمان بن جامع) اما (الشيخ محمد الشهوان) فهو احد الاربعة شهود الذين شهدوا ووقعوا على وكالة بيع ملك البحرين وختم العقد بخاتم منفذ الاحكام في الزبير مؤرخ في 17 ربيع اول 1325ه.
وتحدثنا كتب التراجم عن (الشيخ ابراهيم بن ناصر بن جديد) الذي حفظ القرآن الكريم, وألفية الآداب, ومختصر المقنع, واخذ التفسير من اجلة العلماء, وعلم القراءات, والحديث, والفقه, والنحو, والاصلين واجازه علماء الشام والاحساء ثم مشايخ الزبير واصبح قاضيا ومفتيا واماما (لمسجد الزبير من العوام), وخطيبا وواعظا, ثم جلس للتدريس في المعهد العلمي, وهو (معهد دويحس) بالزبير يدرس العلوم الشرعية واللغة العربية, وقد اخذ عنه (الشيخ محمد الهديبي) التفسير والحديث والفقه والفرائض وبتسلسل عطاء الشيخ الهديبي لتلامذته فيأخذ الخلف عن السلف ثم ينتقل من اخذوا عن علماء الزبير الى الاحساء او الكويت او الزبارة او القصيم او الحرمين الشريفين ليعلموا العلوم الشرعية واللغوية, فأصبح لكل عالم من العلماء تلامذته الذين رافقوه اينما رحل ثم اجازهم فتسلموا مناصب القضاء والافتاء والوعظ والإمامة، وأخذوا ينشرون العلم, فاذا كان هذا هو المستوى العلمي لهذا المعهد فهو يرقى الى مستوى الجامعات خاصة اذا علمنا ان الدارس عليه حفظ القرآن الكريم ومختصر المقنع وألفية الآداب واقرب المسالك في الفقه والروض الندي وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني, وان هذه بعض الكتب المقررة والمساعدة لهذا يحق ان نعتبره جامعة علم, هذا اذا ما اضفنا له ان مدرسي هذا المعهد هم من القضاة والمفتين, ثم اصبح طلابهم يجلسون للقضاء لا في بلد الزبير فحسب، بل وفي مدن اخرى من البلاد المجاورة فيجيزون طلاب العلم ويفتون في بلادهم, فهم قد تخرجوا من معهد بمستوى متقدم بالنسبة للوقت الذي كان يسود فيه ظلام الجهل في اواخر العهد العثماني, واهل الزبير يمتازون بالتعاون والتكافل فيما بينهم فيحققون الكثير وخير مثال على ذلك المعاهد والمدارس الاهلية التي سعوا الى تأسيسها ومنها (مدرسة دويحس) و(مدرسة النجاة الاهلية) و(مدرسة البنات) فكان الاهالي يواصلون دعم المدرسة ماديا وادبيا اذ يقدمون إليها المال من زكاتهم التي يخرجونها كل عام, ومن مالهم لتشجيع نشر العلوم ومساعدة طلاب العلم الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب, ليعودوا الى بلادهم فينشروا العلم وهم يحملون اجازات كبار علماء الزبير, وقد عاش اولئك الطلاب في المدرسة التي هيأت لهم السكن والطعام والشراب, فقد امد اهالي بلدة الزبير المدرسة بكل ما يحتاج الطالب الوافد من بلدان (الاحساء ونجد والحرمين الشريفين والكويت) وغيرها من البلدان المجاورة, فاذا أولم احد الزبيريين وليمة في المناسبات الدينية او الاجتماعية لسبب زواج، او فرح، او دعوة من الحج، او في عيد رمضان، او الاضحى، او المولد النبوي، او غيره, فلا بد ان يرسل من رأس الوليمة ما يكفي لطلاب المدرسة, كما ترسل لهم ملابسهم بعد ان تغسل وتعطر بالعود والبخور لتكون مهيأة لهم يوم الجمعة ليذهبوا للصلاة وهم في احلى وانظف حلة يلبسونها, ويقوم بذلك الاسر الزبيرية حيث يتسارعون للقيام بهذه المهمة تشجيعاً لطلاب العلم الغرباء بصورة خاصة, وكان مشايخهم العلماء منهم من يتقاضى راتبا فيقدم شيئا من راتبه معونة لطلاب المعهد لسد حاجاتهم المدرسية, واذا ما حل العيد يتنافس التجار ووسطاء الحال على كسوة الطلاب وكثيرا ما يحضر مشايخهم مع الطلاب في المناسبات الدينية والاجتماعية حيث يخصص لهم مكان خاص يجلسون فيه تقديرا واحتراما لهم مما يشيع الفرحة في نفوس اهل الزبير بأن يكون في بلدهم طلاب علم على مستوى من العلم وقد وفد البعض الى معهدهم من الديار المجاورة, وتقيم المدرسة احتفالا سنويا يقدم فيه الطلاب الكلمات والقصائد التي تدل على تقدمهم ادبيا وعلميا.
وكثيرا ما يحضر هذه الاحتفالات بعض وجهاء البصرة وما حولها فيشاركون اهالي الزبير فرحتهم, كما يشاركونهم في دعم المعهد الدراسي ماديا وادبيا وهكذا تسير سفينة العلم فيأخذ الخلف عن السلف تلك سنة الحياة العلمية في مدينة الزبير.
وممن درس في معهد الدويحس العلمي (الشيخ حبيب بن قاسم اغا الكروي البغدادي)، و(الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الحمود)، و(الشيخ عبدالله العصيمي), وكان (الشيخ علي بن محمد الراشد) المولود في 1232ه قد رحل الى الزبير وقرأ على فقهائها وهو من ابرز تلاميذ (الشيخ عبدالمحسن البابطين), وكان ينيبه عنه في القضاء, ولما رحل الشيخ ابابطين من عنيزة 1270خ اشار على اهلها بتوليته (الشيخ علي بن محمد الراشد) القضاء فتولى قضاء عنيزة الى وفاته في 1303ه, وكان -رحمه الله- حريصا على اقتناء الكتب وذكر (الشيخ ابن حميد) قوله: وقد رأيت تملكه على كثير من الكتب المخطوطة, ولما توفي (الشيخ علي بن عبدالله بن عيسى بن عشري) أوقفت والدته كتبه وأوصت الشيخ علي عليها, واطلق الشيخ ابن حميد قوله: شيخنا العلامة الفقيه علي بن محمد الراشد 2,
وممن اخذ عن علماء الزبير الشيخ (عبدالرحمن بن محمد بن عبيد) من اهل جلاجل رحل إلى الزبير وكانت آهلة بعلماء الحنابلة فشرع في القراءة عليهم بالفقه والفرائض والحساب والنحو وكان يروح لبلدة ويعود للزبير, ومن مشايخه من علماء الزبير (الشيخ ابراهيم بن جديد) والفرضي الفقيه (الشيخ محمد بن سلوم) و(الشيخ احمد بن محمد بن صعب) الذي اجازه وغيرهم 3 .
ومن مدرسي معهد الدويحس العلمي (الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الحمود) وهو في الاصل من عنيزة وولادته ونشأته في الزبير ايام كانت مدينة الزبير وقتئذٍ حافلة بفقهاء الحنابلة فدرس عليهم كما درس في معهد دويحس العلمي وتخرج منها فقيها قرأ على (الشيخ ابراهيم القملاس) وعلى (الشيخ عبدالله بن جميعان) والمشايخ حبيب الكروي, وعبدالله بن نفيسه وصالح المبيض وكلهم قضاة وفقهاء الزبير وابن حمود هو الذي اقترح تأسيس مصلى العيد في عام 1317ه, الواقع غربي بلد الزبير جنوب ديم خزام والذي اشرف على بنائه سعد الخليوي 4,
والشيخ عبدالله الحمود واحد من الجماعة الذين جمعهم شيخ الزبير (محمد المشري) في بيته ونزل عن الشيخة لعبدالكريم المشري والجماعة هم: الشيخ محمد عبدالجبار والشيخ عبدالله الحمود، واحمد النصار، وسليمان القملاس, وموسى الفارس, ومحمد العماني وآخرون 5,
وكان الشيخ عبدالله الحمود مفتيا في الزبير اذ ختم صكا مؤخرا في 22 جمادي الاولى 1323ه لبيع ارض قرب صفوان وختمه بخاتمه الذي كتب فوقه مفتي الاحكام في الزبير, وفي يوم الاثنين الثامن من شهر ذي الحجة 1333ه عزل (الشيخ عبدالله بن حمود) عن القضاء بأمر من شيخ الزبير ابراهيم البراهيم الراشد ونصب مكانه (الشيخ عبدالمحسن بن ابراهيم أبابطين), فلما عزل الشيخ ابراهيم في 11 ذي القعدة 1339ه اعتزل الشيخ البابطين عن الامامة وعن القضاء وعاد ابن حمود مكانه قاضيا وإماماً وخطيباً في مسجد الزبير.
وفي رواية ان الشيخ ابن حمود تولى القضاء في الزبير الى سنة عزله في 1335ه ثم عين قاضيا للمرة الثانية الى ان ألغيت المشيخة عام 1342ه فانتهى منصب القضاء في الزبير, وفي قوله انه عزل عن القضاء عام 1342ه وبقي مدرسا في معهد دويحس العلمي يدرس بعض الطلبة القاصرين يدرسهم مجانا.
وفي شوال 1342ه كان (الشيخ عبدالله بن حمود) من المعارضين لفتح مدرسة لتعليم البنات في الزبير اذ عارض الشيخ محمد امين الشنقيطي والشيخ محمد عبدالرحمن السند وعبداللطيف المنديل الذين سعوا لفتح مدرسة للبنات ولكن تم افتتاح المدرسة في تلك السنة, ومن مدرسي مدرسة الدويحس الديني (الشيخ محمد بن حمد العسافي) المولود في الزبير في 1311ه وهو من تلامذة العالم ابو الثناء الالوسي, وبعد ان تعلم الخط والنحو والفقه والحديث سعى في اعادة فتح معهد الدويحس الديني بالزبير ودرّس فيه, ومن تلامذته من الاحساء (الشيخ يوسف بن راشد آل مبارك) الذي قال: سمعت عن الشيخ محمد العسافي الحديث فأجازني,
وحج الشيخ العسافي مع اخيه عبداللطيف ووالدتهما عام 1335ه وهو العام الذي صلى فيه الشيخ العسافي بالجماعة في مسجد النجادة الجامع وكان يؤم المصلين مجانا حين اعادة تأسيس جامع النداة وقضى أواخر حياته في بغداد وتوفي -رحمه الله- هناك.
ومن العلماء الذين تولوا منصب الامامة والخطابة في جامع النقيب وجامع مزعل باشا السعدون بالزبير الشيخ (محمد بن رابح المغربي) وقد درس في (مدرسة الدويحس) قبيل اغلاقها اذ هو آخر من درس فيها, ثم نقلت خدماته الى المعهد الديني في البصره مدرسا فيه الى السبعينات 6 والشيخ محمد الرابح هو الذي خطب في جمع غفير من الناس في الساعة الرابعة والربع نهارا من ضحى يوم السبت الثامن من شهر شعبان عام 1336ه حين حضر رئيس من طرف الحكومة وأثنى على فتح الحكومة مركزا صحيا في بيت عثمان التمار يعالجون فيه المرضى على حسابه مجانا وذكر انهم رفعوا كثيرا من المظالم والكلوفات التي كانت موضوعة سابقا على اهل البلاد ثم عطلت الدراسة في معهد الدويحس الا ان اهل الزبير سعوا لاعادة فتحها ومن بينهم (الشيخ عبدالله الرابح) والاستاذ (عبدالعزيز عمر العلي) والاستاذ (عبدالرزاق الصانع) فاستؤنفت الدراسة فيها وعين الشيخ محمد الحمد العسافي مدرسا كما عين الشيخ عبدالله بن محمد الرابح حتى نقلت الى البصرة فنقل معها الشيخ عبدالله بن محمد الرابح واستمرت حتى 1378ه/1958م.
1) ابن سند, سبائك العسجد, ص92, طبع في بمباي 1315ه, والدهلوي , فيض الملك المتعالي (مخطوط) ج1, ص 33, وعبدالله البسام, علماء نجد, ص 578, والرقراق, ص 81 و 82، ويوسف البسام ص 82 و75.
2) ابن حميد, السحب الوابلة على ضرايح الحنابلة, الجزء الاول, ص26.
3) علماء نجد, الجزء الثاني, ص409.
4) يوسف البسام، ص72.
5) القملاس، ص25.
6) البسام, ص91.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved