أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 9th July,2000العدد:10146الطبعةالاولـيالأحد 7 ,ربيع الثاني 1421

الاقتصادية

د, عبدالقادر السري لـ الجزيرة
إنسان اليوم يمارس على البيئة اعتداءات لا حصر لها
* أجرى الحوار : رياض العسافي
صادف قبل أسابيع قليلة اليوم العالمي للبيئة وقد أجرت الجزيرة حوارا بهذه المناسبة مع المشرف على معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور عبدالقادر بن محمد السري تحدث فيها عن البيئة وكيف تأثرت بالتطور التقني,, كما تحدث عن اهتمام المملكة بحماية البيئة منذ بداية نهضتها الشاملة وقطعت أشواطا كبيرة في هذا المضمار وغيرها من الأمور البيئية خلال الأسطر التالية:
* احتفل العالم قبل أسابيع باليوم العالمي للبيئة لذا نود ان نبتدئ حوارنا بسعادتكم بتعريف البيئة وماهي أقسامها؟
البيئة هي الاطار الذي يعيش بني البشر، وهو يتمثل بما فيه من تربة وهواء وماء وبما يحتويه كل منها من مكونات غير حية وكائنات تنبض بالحياة، وبما يسود هذا الاطار من مختلف المظاهر من ظروف الطقس وعوامل المناخ.
وحياة الانسان منذ ان هبط على الأرض ترتبط بالبيئة التي وجد فيها، ويرتبط تطوره العقلي والحضاري بارتقاء استغلاله لشتى امكانياتها وطاقاتها.
ومن وجهة نظر علمية فان العلماء يطلقون لفظ البيئة على مجموعة الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التي تقوم بها بينما يقصد بالنظام البيئي أية مساحة من الطبيعة وما تضمه من كائنات حية، مواد غير حية في تفاعلها مع بعضها البعض ومع الظروف البيئية، وما تولده من تبادل بين الاجزاء الحية وغير الحية، ومن امثلة الانظمة البيئية الغابة بكل ما تزخر به من أشجار وشجيرات وأعشاب وحيوانات وكائنات حية دقيقة وتربة وماء وهواء ومناخ، والانهار والبحيرات والبحار هي انظمة بيئية متباينة لها خصوصياتها التي تميزها عما سواها اذن فالنظام البيئي يشكل وحدة بيئية متكاملة تتكون من مكونات عضوية حية تتفاعل مع مكونات بيئتها غير الحية.
ويتوقف نجاح الانسان في الحياة على مدى تأقلمه مع مكونات بيئته وما فيها من مقومات، ومقدرته على استحداث ما يناسبه من تغيرات، فان أحسن استغلالها والتحكم في مصادرها قدر له البقاء ومواصلة الكفاح، وان أساء استعمالها أو أخفق في السيطرة عليها كان سوء النتيجة والمال,وعلم البيئة هو المجال التطبيقي لكل العلوم التي لها مساس بالحياة الطبيعية والتفاعل بينهما، ويمكن ان نعتبر هذا العلم مجهرا ضخما يستعمل لفحص وتشخيص كل ما يمس حياة الانسان والحيوان والنبات في تأثيرها وتأثرها بمجمل عناصر البيئة التي تحيط بها وضمن هذا المنظور يصبح الامتداد الزمني والمكاني للحياة البشرية، بمختلف تفاعلاتها وتداخلها مع عناصر الأنظمة البيئية من ارض وشمس وهواء وماء ونبات وحيوان ومناخ,, تحت مجهر علم البيئة.
صفوة القول ان البيئة متعددة الأبعاد وتحتاج لدراستها علميا الى تظافر جهود كل الاختصاصيين في العلوم الطبيعية والعلوم الانسانية اذ ان البيئة هي فضاء طبيعي ولكنها أيضا فضاء اقتصادي واجتماعي وثقافي وعمراني وصحي واعلامي.
أصحب التلوث واقعاً مسلماً به
* أصبحت مشكلة تلوث البيئة مشكلة عصرية تنظر اليها الدول بكثير من الأهمية، فكيف نحافظ على البيئة من التلوث وهل وضعت سياسة خاصة بالبيئة؟
تستقطب قضايا المحافظة على البيئة وصيانتها جل اهتمام العالم في عصرنا الراهن فالكثير من الدول أضحت تواجه مشاكل تردي وتناقص رصيدها ومخزونها الاستراتيجي من الموارد الطبيعية، فضلا عن مشاكل التلوث بمختلف أبعاده وخطر انقراض الأحياء وذلك في نفس الوقت الذي يزداد فيه بني البشر بمعدلات عالية تزيد من حدة الضغط على البيئة وتمعن في شدة بروز هذه المشاكل وتبلورها.
ان انسان اليوم يمارس على البيئة اعتداءات لا حصر لها تزيد من حيث طبيعتها ومداها عما كانت تمارس جميع الأجيال السابقة فقد أوجد نتيجة لما حققه من تقدم تكنولوجي بيئة جديدة غير ثابتة وغير مستقرة، فهي لا تفنا تتحول وتتبدل فتفرض نفسها عليه وتستوجب منه جهدا مستمرا من التغير والتكيف.
لقد باتت الأضرار البيئية، وفي مقدمتها التلوث واقعا مسلما به، وان آفاق المستقبل تنطوي على مخاطر متزايدة، لذلك فقد تعين على جميع الدول المتقدمة منها والنامية البحث عن حلول مناسبة للوصول الى تحقيق أهدافها الانمائية دون الحاق أي ضرر بالبيئة يتعذر تداركه، وقد بدئ باستيفاء هذه المهام على الصعيد المحلي والدولي من خلال دمج الاعتبارات البيئية والاقتصادية عند اتخاذ القرار، فصيانة البيئة والمحافظة عليها تعني ان لا نبالغ في تخطيط وتنفيذ مشروعات تنموية عملاقة بدون ان تكون مسبوقة بدراسات دقيقة لما قد ينجم عنها من اخطار وأضرار بيئية لا حصر لها كتلوث التربة والماء والهواء فضلا عن استنزاف الموارد الطبيعية، ان الحفاظ على البيئة هو بعد لا غنى عنه من أبعاد التنمية يجب اخذها بالحسبان في السياسات التنموية لتغدو تحت اسم السياسات التنموية البيئية .
ان أهم أهداف السياسات البيئية ان تعنى بتربية بيئة تهدف الى تنمية وعي المواطنين وفهمهم للبيئة ومعرفة علاقتهم بها، وتحملهم مسؤولية المحافظة عليها بهدف استمرار البقاء أو حتى تحقيق حياة أفضل وان تسعى الى اقتراح وتطوير برامج تربوية لتعليم صيانة البيئة في جميع المراحل التعليمية.
ولعله من الضرورة بمكان تقرير حد لكميات الملوثات الناجمة عن الانشطة البشرية التي نتقبل وجودها في الهواء والماء والتربة، مع العمل بعد ذلك على ايجاد الوسائل الكفيلة بعدم تجاوزها، مع الأخذ بالحسبان ان للمحيط الجوي دوراته الطبيعية القادرة على امتصاص الكثير من هذه المواد فضلا عن تلك الناجمة عن عوامل طبيعية.
هذا ومما يجدر ذكره انه انطلاقا من السياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة التي أقرها المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي السادس بقمة مسقط في سلطنة عمان عام 1995م فقد قامت الامانة العامة بالتعاون والتنسيق مع الدول الاعضاء بوضع النظام العام للبيئة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي بهدف تحديد الأسس والاجراءات اللازمة لحماية البيئة ومقوماتها في دول مجلس التعاون، ومما تم التأكيد عليه في القواعد الأساسية لهذا النظام وجوب مراعاة الاعتبارات البيئة واعطائها أولوياتها متقدمة ودمج هذه الاعتبارات في جميع مراحل ومستويات التخطيط وجعل التخطيط البيئي جزءا لا يتجزأ من التخطيط الشامل للتنمية في جميع المجالات الصناعية والزراعية والعمرانية وغيرها لتفادي السلبية التي تنجم عن اهمال هذه الاعتبارات.
التطور التقني أخل بالبيئة
* التوازن بين مكونات البيئة مطلوب,, سعادة الدكتور كيف ترون أهمية هذا التوازن وماهي مسببات التلوث البيئي؟
استمر التوازن بين مكونات البيئة وما ينجم من ملوثات مرتبطا بالأنظمة البيئية الطبيعية حتى قبيل الحرب العالمية الثانية، ثم شهد العالم بعدها تطورا علميا وتقنيا لم تعرف له البشرية من قبل مثيلا، وكان من نتائج هذا التطور اختلال طرأ على البيئة الطبيعية بما أدخله الانسان من ملوثات لا قبل للانظمة البيئية بها فيما مضى من الزمن، وأفضى تشكل هذه الملوثات الى اخلال التوازن الطبيعي لمكونات الأنظمة البيئية مما سبب في بعض الحالات انهيارها جزئيا او تداعيها كليا، وصاحب ذلك اختفاء كثير من انواع الأحياء التي كانت تعمر كوكب الأرض.
قد ينشأ التلوث عن مصادر طبيعية كالأبخرة والغازات التي تنفثها البراكين وما يصاحب ذلك من جزئيات الغبار التي تتصاعد الى طبقات الجو والحمم التي تطفح حول البراكين، وأكاسيد النتروجين المتشكلة في الهواء بفعل الانفراغ الكهربائي عند حدوث الرعد، وأكاسيد الكربون التي تنطلق الى الطبقة الهوائية المغلفة للأرض من حرائق الغابات والأدغال، وكذلك غاز الميتان الذي يتصاعد من المستنقعات التي تمثل موئلا لتخمرات المادة العضوية تخمرا لا هوائيا.
ولكن من اكثر مسببات التلوث البيئي أهمية الغازات والأبخرة والأدخنة المتصاعدة من المعامل والمصانع بمختلف أنواعها كالصناعات الكيميائية وصناعة الأسمدة وتقطير البترول وصناعة المطاط والتعدين واستخراج المعادن من خاماتها وصناعة الحديد والصلب والأسمنت والمحطات الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية فضلا عن وسائل النقل المختلفة والانشطة المنزلية.
ومن المسببات الهامة التي يجب ألا نغفلها الأسمدة والمبيدات التي طالما تجد بقاياها طريقها الى التربة والمياه الجوفية ومن ثم الى المسطحات المائية كالبحار والمحيطات,ناهيك عن الفضلات البلدية والصناعية والتجارية وما ينجم عنها من تلوث للبيئة,يضاف الى كل ذلك التلوث الصحي بالميكروبات والكائنات الحية الدقيقة والتلوث بالمواد المشعة,ولن يغيب عن البال لا سيما فيما يتعلق بشبه الجزيرة العربية ذكر العواصف والدوامات الهوائية التي تختلف في الجو ملوثات عالقة من الغبار والاتربة وهي ظاهرة طبيعية يصعب تفاديها مع الاشارة الى ان التصحر والذي تعزى جل أسبابه الى الأنشطة البشرية يساهم مساهمة قوية في زيادة وتيرة وفعالية هذه العواصف الترابية.
الجهل يضر البيئة الأرضية كثيراً
* هل تعتقد انه يمكن ان نسيطر على التلوث البيئي؟
لقد بلغنا مرحلة من التاريخ يتحتم علينا عندها ان نصوغ اعمالنا بمزيد من العناية والحذر لما قد يترتب عليها من آثار بيئية, فمن خلال الجهل او عدم الاكتراث يمكن ان نلحق ضررا بالغا لا رجعة فيه بالبيئة الأرضية التي تتوقف عليها حياتنا ورفاهنا وعلى عكس ذلك يمكننا من خلال معرفة اكمل وعمل اكثر حكمة ان نحقق لانفسنا ولأجيالنا المقبلة حياة أفضل في بيئة اكثر مسايرة للاحتياجات والامال البشرية، وهناك آفاق واسعة لتحسين نوعية البيئة وايجاد سبل الحياة الكريمة، ويتعين لاجل ذلك على الانسان ان يستغل المعرفة ويحسن ادارتها لكي يشيد بالتعاون مع الطبيعة بيئة افضل, ففي عصرنا هذا يمكن لقدرة الانسان ان تفلح في الحيلولة دون المزيد من التدهور في خصائص الوسط الذي يعيش فيه، لا بل وحتى اصلاح ما انتابه من تخريب وتردٍّ فيما اذا استخدمت هذه القدرة بحكمة, أما باستخدامها على نحو خاطئ او بدون مبالاة فانه يمكن ان يلحق بالبشرية والبيئة البشرية مزيدا من الاضرار التي لا حصر لها ونحن نشهد حولنا أدلة متزايدة على الأضرار التي يتسبب فيها الانسان في كثير من مناطق الأرض مثل تلوث المياه والجو والارض والكائنات الحية وتدمير استنفاذ الموارد الطبيعية التي لا يمكن تعويضها,لقد أصبح الدفاع عن البيئة البشرية وتحسينها من اجل الجيل الحالي والاجيال المقبلة هدفا أساسيا للبشر، هدفا ينبغي ان نسعى معا لتحقيقه في تناسق وانسجام مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأن من اهم واكثر السبل جدوى في تهيئة بيئة خالية من التلوث هو تبني سياسات بيئية توقعية ووقائية وذلك من خلال دراسة القضايا المتعلقة بالبيئة بوسائل تتسم بالمنهجية والشمول وضرورة توفير قاعدة معلومات دائمة التحديث لتعكس أي خلل بالبيئة حتى يمكن تداركه، وحتى توفر هذه المعلومات لصاحب القرار اتخاذ الاجراء الصحيح، فالمعرفة البيئية هي اداة جوهرية لحماية البيئة والموارد الطبيعية، ولقد اخفقت جهود كثيرة في حماية البيئة من التلوث، كما بددت مبالغ مالية طائلة وذلك لان معلومات المتغيرات البيئية لم تكن معروفة أو انه أهمل تطبيقها كما يجب واتخذ القرار على خلفية معلومات غير صحيحة.
فضلا عن ذلك فان حسن توجيه التشريع البيئي بشكل واقعي ومعاصر والدقة في صياغة نصوص القوانين المعنية بحماية البيئة تلعب دورا حاسما في التقليل من التلوث والحد من آثاره.
تعاون وثيق بين الجهات الحكومية
* ماهي العلاقة بين المؤسسات العاملة في مجال البيئة بالمملكة وكيف تقيم اهتمام المملكة بالبيئة؟
هناك نوع من التكامل الواضح في عمل واداء الجهات المعنية بالشؤون البيئية، فمنها ماهو متخصص في مجال الدراسات والأبحاث ومنها ما هو مسؤول عن التوعية والرصد والتطبيق والتنفيذ ومنها ما يضطلع بمسؤولية التشريع وسن القوانين ومنها ما يعتبر مصدرا للمعلومات والبيانات والاحصائيات.
بالرغم من حداثة عهد اغلب هذه الجهات المؤسساتية فان التعاون فيما بينها وثيق ومباشر ومتكامل فعلى سبيل المثال فان معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية يتولى تنفيذ العديد من الدراسات والبحوث بالتنسيق واحيانا بالاشتراك مع جهات مختلفة مثل مصلحة الارصاد وحماية البيئة والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها ووزارة الزراعة والمياه والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ومع أقسام مختلفة من كليات وجامعات المملكة.
ويمكننا تقييم اهتمام المملكة بالبيئة بانشائها اللجنة الوزارية للبيئة التي تتكون من عدد من المسؤولين في الدولة وبرئاسة رجل البيئة الاول في المملكة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظه الله.
لقد ادركت المملكة العربية السعودية أهمية حماية البيئة مع بداية النهضة الشاملة التي تحققت خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية وينعكس اهتمام الدولة في الحد من المشاكل البيئية المصاحبة لعمليات التنمية في انشاء العديد من الهيئات المسؤولة عن البيئة وحمايتها كمصلحة الارصاد وحماية البيئة والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها وضمن اهتمام الدولة بحماية البيئة وتنمية مواردها الطبيعية انشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئة، وكما تم انشاء بعض الأقسام في جامعات المملكة لدعم هذا التوجه فضلا عن ذلك فان العديد من الوزارات لها علاقة مباشرة بمواضيع الشأن البيئي وحماية البيئة كوزارة الزراعة والمياه ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة المعارف ووزارة المواصلات، ولن يغيب عن البال التوجيهات الرائدة التي تتبناها الهيئة الملكية للجبيل وينبع في دمجها للاعتبارات البيئية في عمليات بناء وتطوير مدينتي الجبيل وينبع للحد من مشاكل التلوث الناتج عن التصنيع.
ولا ننس مشروع التوعية البيئية التابع لوزارة الدفاع والطيران وقد قام بجهد متميز في توعية المواطنين والمقيمين بأهمية البيئة وكيفية المحافظة عليها.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved