أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 11th July,2000العدد:10148الطبعةالاولـيالثلاثاء 9 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

هموم الجميع
د, حمد المرزوقي
النظرة لدور القطاع الخاص، من حيث الوظيفة والغاية والأهمية، يشوبها في معظم الاحوال تحيز مسبق، ويضع هذه النظرة في الغالب موقف ايديولوجي محكوم بمنظور سياسي.
الموروث في فكر الطبقة العاملة يرى صور الاستغلال والجشع والطمع، واحتكار راس المال او الثروة، ومن ثم يجرد القطاع الخاص من كل الفضائل الانسانية او الدور الاقتصادي الوطني, ويعتقد ان العلاقة مع هذا القطاع هي علاقة صراع او معركة شرسة لا بد وان تنتهي عن طريق تصفية هذا القطاع لصالح الأغلبية، اما بالتأميم او الحصار او فرض القيود والقوانين الصارمة التي تكبح غرائزه ونزعاته العدوانية.
في المقابل فإن هناك نظرة اخرى تتسم بالايجابية وترفض المنطق السابق, فالقطاع الخاص كما يرى هؤلاء عماد نهضة الاقتصاد وركيزة الاستقرار والازدهار فمن ارباحه عبر الضرائب والرسوم تمول خزينة الدولة، وتوفر بذلك الخدمات العامة للجميع من طرق وتعليم، وانفاق عام، بل ان المصدر الرئيسي لميزانية الدولة في معظم الدول يأتي من مشاركة الدولة لارباح القطاع الخاص بواسطة الضرائب, كما أن القطاع الخاص في نموه يوفر فرص عمل، وسيولة، وحركة في المصارف، وقوة للعملة، وارتفاع للناتج المحلي والقوة الشرائية للناس، وبصفة عامة تؤكد هذه النظرة على انه ومن خلال نمو مشروعات القطاع الخاص وقدرته على المغامرة والابداع، يقوى الاقتصاد وتحارب البطالة ويحاصر الفقر، ويتسع المجال لجيوب كل الناس ومعهما خزينة الدولة.
إن فكر الطبقة العاملة تراجع او اختفى من الساحة، نتيجة لسقوط المعسكر الاشتراكي، وفشل ما يسمى بالقطاع العام، ونشوء نظام اقتصادي عالمي يتخذ من حرية السوق ومفاهيم الفكر الرأسمالي ركائز اساسية في حركته وتوجهاته، واصبحت العولمة سمة العصر، والتقنية عنوانه، وبدأت الاموال تتحرك بسهولة من عاصمة الى اخرى دون قيود وعبر الحاسب الآلي او شبكة الانترنت.
والسؤال هنا اين نقف نحن من ذلك كله؟!
ان الحوار في المجتمع السعودي له خصوصية ومدى ونسق خاص، ومع هذا فان جلساته الاجتماعية، وهي المنتدى الذي يتحاور فيه الناس حول هموم الحاضر او تحديات المستقبل، تشهد في السنوات الاخيرة توجهات تفترق ولا تلتقي حول دور ووظيفة القطاع الخاص، وهذا الحوار محكوم سلفا بخصوصية سعودية، فالقطاع الخاص في بلادنا حالة فريدة، سواء في طريقة نموه وتشكله او في طريقة علاقاته مع خزينة الدولة، حيث انه نما تحت رعاية هذه الخزينة، واستفاد من تراكم امواله من فرص نادرة صنعتها ظروف طفرة ذات طبيعة استثنائية في التاريخ، ثم توسع في كل الاتجاهات محليا وعربيا ودوليا، حتى اصبح القطاع الخاص السعودي اغنى قطاع خاص عربي باعتراف الجميع, وان يوجد لدينا اغنى قطاع خاص بالمنطقة يعني في النهاية مؤثرات ايجابية لاقتصاد يبحث عن مسار جديد في التنوع والاستجابة لتحديات يزيدها الزمن تفاقما، مالم نبادر الى وضع الامور في سياقها الصحيح والمشروع.
واذا استذكرنا ما مر معنا قبل قليل فانه لابد من الاعتراف، ان القطاع الخاص في بلادنا لا يمول خزينة الدولة في الضرائب او الرسوم وفي الوقت نفسه ليس مصدرا مهما للتوظيف، بل يستقدم الملايين من قوى العمل الوافدة، والتي تكلف البلاد الكثير بمقياس اقتصادي وأمني فضلاً عما تتركه من آثار سلبية أهمها البطالة والغاء حق المواطن في البحث عن فرصة عمل في وطنه عن طريق ايجاد منافس له الغلبة في قبول الاجور المتدنية.
إن القطاع الخاص الامريكي او الغربي او الياباني او الصيني يحلم بالسماح له باستيراد عمالة رخيصة، ولكن قوانين العمل في هذه البلاد الرأسمالية يمنع ذلك حماية لحقوق مواطنيهم، كما ان رجال القطاع الخاص في هذه البلدان المتقدمة يحلمون بعودة الاحتكار ووجود الوكيل الواحد لسلعة ما، يحدد السعر كما يشاء، ولكن قوانين محاربة الاحتكار تمنع ذلك.
الرأسمالية في دول الغرب ليست فوضى ولا تقبل المغالطة في الحوار ولكن لديها منظور استراتيجي ومن ثم سياسات تدعم من خلالها حقوق القطاع الخاص، ولكنها في الوقت نفسه تسرع الضوابط والقوانين التي تفضي الى الاستقرار عبر معادلة متوازنة تكبح نوازع الجشع وفي الوقت نفسه توفر ظروف النمو والازدهار.
ان المواطنة عقد ملزم، واحد بنود هذا العقد القيام بالواجب الضريبي وهو واجب وطني على القادر ليستفيد من العائد الجميع، القادر وغير القادر، كما ان الزعم بان الشباب السعودي غير مدرب او لا يمتلك المهارة او القدرة على العمل الجاد هو زعم ليس صحيحا في كل الاحوال، فالمتابع للعاملين في شركة ارامكوا مثلا يدرك ان ذلك الادعاء ليس في محله، فاداء الشباب هناك على قدر كبير من الجودة والاتقان، والسبب هو في بيئة العمل وتقاليده، وارتفاع الاجور والادارة الجادة والحازمة.
والذي يفترض أو يتخيل او يظن او يحلم بان تدفق العمالة الوافدة باجور رخيصة سيستمر يجهل حقائق الاشياء وما تفرزه من معضلات، فمع البطالة وعدم قدرة القطاع العام على التوظيف، ونمو السكان، وغير ذلك من مؤثرات لا بد من حسم هذه المشكلة، وذلك قرار تفرضه ضرورات السياسة وتداعياتها وغريزتها التلقائية,واذكر على سبيل المثال انني قمت بزيارة احدى وكالات السيارات الشهيرة وهو الوكيل الوحيد المعتمد، ورأيت جميع العاملين من غير السعوديين، وتساءلت في حيرة او قلق هل لا يوجد سعودي يمكن ان يكون حاسباً او ادارياً او حارساً او بائعاً في صالة العرض؟، وبعدها بأسابيع كنا مع مجموعة من الاصدقاء في زيارة صديق، وصادف وجود احد الوكلاء المعتمدين لللسيارات الشهيرة ودار حوار طويل اوجز هنا ابرز ما قاله الوكيل من الرد على استفسار لبعض الاخوة، واليك ما قاله:
أولاً: إن المحاسب الذي قبل مرتب الف وخمس مائة ريال في الشهر، غير موجود في السوق السعودية، ويمكن قياس ذلك على بقية الوظائف، ونحن شركة لها فروع متعددة في مختلف انحاء المملكة، والعاملون بالآلاف، ولو تم توظيفهم من المواطنين لارتفعت التكلفة، وسيدفع الثمن من يشتري السيارة لانها تكلفة ستضاف على قيمة السيارة , وقد تم استقدام هؤلاء عبر الطرق النظامية، ولم نرتكب مخالفة قانونية.
ثانياً: نحن ندفع زكاة لمصلحة الزكاة والدخل، وفي كل عام، مثلنا مثل غيرنا من المؤسسات التجارية, ولقد اعترف ان رأسمال الشركة المسجل لدى مصلحة الزكاة والدخل قدره مليون ريال، وهو لا يعبر عن واقع حقيقي لرأسمال الشركة، ولكنه علل ذلك بالقول ان جميع التجار يبالغون في تخفيض رأس المال ومصلحة الزكاة والدخل تعلم ذلك.
فهو هنا لا يختلف عن غيره.
وأذكر ان احد الاخوان قال له انكم تستثمرون الارباح الهائلة في سوق العقار، وتحديداً في الاراضي البور، مما يترتب عليه تجميد الرأس مال، وارتفاع لاسعار الاراضي، وهذا النوع من التجارة له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني, واضاف لأنكم الوكلاء الوحيدون تحتكرون السعر، ولو فتح باب المنافسة لتم توظيف قطاع كبير من المواطنين دون ان تتأثر الاسعار بحكم فارق التكلفة.
وقد تشعب الحديث والحوار، وكان هناك شبه اجماع من الحضور، على ان هناك حاجة جدية وماسة لمراجعة وضع القطاع الخاص، ليس بايجاد عراقيل لنموه، ولكن بنظرة متوازنة، تجعل اسهام هذا القطاع في الصالح العام أولوية مشروطة تحددها تشريعات ونظم، نضع في اعتبارها توجهات الاقتصاد الوطني وظروف وشروط تطويره وتعزيزه وترسيخه.
وهنا لابد من التمييز بين قطاع وآخر، فالقطاع المهم والحيوي، مثل قطاع الصناعة او الزراعة، يدعم ويرسخ ويعفى من الرسوم، اما قطاعات التجارة والخدمات، وما في حكمها، لابد من ان تطبق عليها نظم تمنع الاحتكار وفي الوقت نفسه يفرض عليها الرسوم المناسبة، وتعود قدر الامكان، بحيث تصبح مشغولة بقوى عاملة سعودية, وكل الدول تعفي قطاعا او آخر حسب ظروف ذلك القطاع وانعكاس ذلك على الاقتصاد الوطني، ولكنها عندما تعفي قطاعا من مسؤوليات ضرائبية معينة، لا تطبق ذلك على الجميع، وانما المعيار والحكم حاجة البلاد من جهة وحقوق المواطنين، والمصلحة العليا للاقتصاد الوطني من جهة اخرى, وهذا يعني ان القطاعات التي تربح بجهد اقل ووقت اقصر، وبغياب للمغامرة طويلة الاجل، تصبح المصدر الرئيسي لتمويل خزانة الدولة.
اعود واوجز ما اسلفت، فنحن الآن نتجه لاستقطاب استثمارات اجنبية، ونحاول اللحاق بعصر العولمة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه نشهد الفائض في سوق العمل السعودي، وارتفاع لمعدلات البطالة، والدولة لا يمكن لها الآن ولا المستقبل المنظور ان تستوعب هذه الاعداد التي تبحث عن عمل، وفي ظل ذلك كله فان امام القطاع الخاص السعودي تحديات عليه ان يقبلها بشجاعة ويكيف الظروف لكي يتعامل معها بقدر كبير من الفهم العميق للظروف والحاجات وما يدور في اجهزة الدولة او المواطنين من اتجاهات ستنعكس في النهاية في صيغة سياسات تتحول الى قوانين وتشريعات ونظم, وعلى الآخرين الذين ينظرون نظرة سلبية للقطاع الخاص ان يعيدوا النظر في الاسباب التي شكلت تلك النظرة، فالقطاع الخاص شريك في صنع مستقبل البلاد الاقتصادي ونجاحه ونموه وازدهاره هو نجاح البلاد ومساعدة على استقرار اقتصادها وازدهاره.
واخيرا فنحن نشارك القطاع الخاص ببعض همومه، ونطالب بالشفافية وكسر حواجز الروتين، واشراك القطاع الخاص في رسم سياسات للاقتصاد ولكننا في الوقت نفسه لا نعفيه من مسؤليات الوطنية، تلك التي تحددها حقوق المواطنة وواجبات الانتماء، ولا تحددها عاطفة خاصة تضعف امام غرائز الطمع المجبولة في الطبع الانساني, ولله في خلقه شؤون.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved