أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 12th July,2000العدد:10149الطبعةالاولـيالاربعاء 10 ,ربيع الثاني 1421

العالم اليوم

رسالة إلى فخامة الرئيس / ياسر عرفات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
ناصر عبدالله الفركز *
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركاته،،،
فخامة الرئيس:
منذ مطلع الستينات حملت قضية وطنك (فلسطين) فوق كتفيك وتحملت مع اخوانك قادة الفصائل الفلسطينية شرف مقاومة الاحتلال ورفض الهيمنة الاسرائيلية على أرض فلسطين العربية المسلمة وصغت من زعماء الحركة الوطنية ميثاق التحرير والعودة شعارا لا فكاك عنه تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
اثنان وخمسون خريفا من المعاناة والتضحيات والانكسارات ومحطات متباعدة فيها العديد من الاحباطات والمرارات المدمرة لاحقتك ومعك كل أبناء شعبك الصابر المجاهد, قاومت معهم وبهم المؤامرات الدولية والغدر الاسرائيلي.
فخامة الرئيس:
وأنتم في مطلع العقد الثاني من سني عمركم عام 1948 رأيتم رأي العين حجم الكارثة التي حلت بأرض الاسراء والمعراج, كيف شرد قومك من الوطن والأرض وما سبق ذلك من سلب للارادة وسلسلة مجازر وحشية يتبرأ منها الضمير الحي والفطر السليمة كتلك التي تعرض لها سكان دير ياسين من ابادة جماعية, وسط ضعف وتخاذل عربي ودعم لوجستي وصريح من القوى العالمية لعصابة شترين والهاقاناه والأرجون وغيرها من المنظمات الصهيونية المتطرفة التي خططت ونفذت الجريمة المنكرة بطرد الفلسطينيين وبداية رحلة الشتات المؤلمة, بقيتم على العهد صامدين في خندق النضال والمواجهة دون ان تفتَّ عزيمتكم قوة العدو ومؤازرة القوى العظمى المهيمنة على قرارات الأمم المتحدة له وأعني بها أوروبا الغربية وأمريكا والمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك.
ذلكم كله لم يزرع اليأس والقنوط في عزائم شعب فلسطين واخوانهم على امتداد الوطن العربي الكبير بل كان مدعاة للاصرار والعزيمة الصادقة على استرداد الحق وصون المقدسات مهما طال الزمن وتعددت التضحيات.
فخامة الرئيس:
عام 1967 عام النكبة والهزيمة وتكامل حلقات التآمر الصهيوني والدولي, سقطت بقية الأراضي الفلسطينية (في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت وطأة الاحتلال وسقط معها أراض عربية أخرى في حرب الأيام الستة التي اصطلح الاعلام الاسرائيلي على اطلاق تلك التسمية عليها لاذلال العرب وامتهان كرامتهم والاستهانة بقدراتهم وبدأ فصل جديد من فصول المأساة والابتلاء لشعبكم وأمتكم فكانت معركة الكرامة التي سطر فيها المجاهدون الفلسطينيون والأردنيون ملحمة رائعة وألحقوا بجيش الدفاع الاسرائيلي وآلته العسكرية هزيمة منكرة وبدأت اسرائيل تعيد حساباتها وتسخر إمكاناتها الاستخباراتية ومراكز الأبحاث الاستراتيجية داخل اسرائيل وخارجها لمواجهة الصحوة الفلسطينية, فكانت حمامات الدم في صبرا وشاتيلا وقتل الزعماء الفلسطينيين في لبنان كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار (عملية فردان) ثم تلا ذلك حصار بيروت واغتيال أبو جهاد في تونس وتصفية القيادات الفلسطينية في أوروبا الغربية والشرقية ومحاولة إحراق المسجد الأقصى مرات عدة واطلاق الرصاص على المصلين في الحرم القدسي في رمضان وزج صفوة الشباب الفلسطيني في السجون والمعتقلات والتنكيل بشباب الانتفاضة وهدم البيوت والمنازل على رؤوس مالكيها ليحل محلهم المستوطنون الوافدون من أوروبا وأمريكا والحبشة والسيطرة على جبل أبو غنيم في القدس لاقامة حزام من المستوطنات على أنقاضه وحفر نفق أسفل المسجد الأقصى.
سيناريو طويل لا يمكن حصره وتتبعه من ممارسات الاحتلال ضد ابناء الشعب الفلسطيني وقادته وممتلكاته بهدف طمس هويته واقصائه من الحياة الكريمة, هذه وتلك من مقترفات الهمجية الاسرائيلية بقيت خالدة في الذهن لا يمكن ازالتها الا بزوال مسبباتها والاعتراف بالحق المغتصب, كما أقرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشرعيته.
فخامة الرئيس:
مؤتمر أوسلو ومدريد والقرارات الصادرة من مجلس الأمن رقم (242) (338) وقرارات أخرى عديدة اعترفت بحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة على أرض وطنه ولكن اسرائيل تنهج نهجا مغايرا للشرائع الدولية وترغب في ان تحظى بالأمن والسلام على الطريقة الاسرائيلية وليس وفق منظور القوانين والسنن الكونية التي تحكم العلاقات الدولية ولقد عبرت يا فخامة الرئيس عن غضبكم واحتجاجكم في مناسبات تفاوضية كثيرة من مماطلات المفاوض الاسرائيلي واستنكافه عن كل ما يتم الاتفاق عليه وتأجيلاته المستمرة للانسحابات وتعديل الخرائط التي تمت مناقشتها واقرارها وذهبت في رحلات مكوكية بين العواصم العربية والعالمية تشكون من ممارسات المفاوض الاسرائيلي ونزعته الشريرة للتسلط والابتزاز لانتزاع المزيد من المكاسب والتنازلات من الجانب الفلسطيني.
فخامة الرئيس:
في يوم الثلاثاء الموافق 1172000م أنتم ذاهبون الى كامب ديفيد للمشاركة في لقاء قمة دعا إليها الرئيس الأمريكي (بيل جيفرسون كلينتون) يجمعكم برئيس الوزراء الاسرائيلي (أيهودا باراك) الذي أطلق لاءاته الخمس: لا,,, لعودة القدس لا للعودة الى خطوط الخامس من حزيران ولا لعودة اللاجئين، لا للرجوع عن اقامة المستوطنات، لا لوجود قوات على نهر الأردن.
باراك تعهد أمام المتدينين اليهود قائلا بالحرف: (سأذهب الى واشنطن بخطوط حمراء ولن أعود بغيرها) ويعني لاءاته الخمس, باراك الذي خطط وشارك في كل المجازر والتصفيات التي تعرض لها الفلسطينيون, باراك الذي يئن تحت وطأة ضغوط مريرة داخل ائتلاف حكومته يصرح علناً ومعه وزير خارجيته ديفيد ليفي بأنه لن يقدم أي تنازلات للمفاوض الفلسطيني وسيحافظ على الأهداف والتعاليم التوراتية وفي حالة قيام دولة فلسطينية كما أقر المجلس الوطني الفلسطيني في الثالث عشر من سبتمبر القادم فستعمد اسرائيل الى اتخاذ اجراءات فورية بضم كافة الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية الى الكيان الاسرائيلي.
وفي هذا المناخ الهستيري تبدأ مفاوضات كتب الاسرائيليون حروف فشلها مسبقا بيد ان الادارة الأمريكية وهي في هذا المقام وسيط محايد أو هكذا يجب ان تكون، سيكون لها الكلمة الفصل في ارغام اسرائيل بتنفيذ التعهدات والالتزامات التي اتفق عليها الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي وأقرتها مسبقا المؤتمرات والقرارات الدولية رغم ان اللوبي الصهيوني في أمريكا وأوروبا الذي يملك زخما اعلاميا وسياسيا وسلطة التأثير على مراكز اتخاذ القرار في العواصم الكبرى، بدأ في استنفار كل وسائله الدعائية وبرامجه المخطط لها سلفا بتبني وجهة نظر اسرائيل واعتبار المفاوض الفلسطيني غير راغب في السلام ويشجع الارهاب ومعاديا للسامية.
كل تلك المؤشرات والمعوقات والضبابية يا فخامة الرئيس ستصب في غير صالح المفاوض الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمّتها ولكن إرادتكم القوية المدعومة بتوفيق الله ودعم الأشقاء والاصدقاء ومحبي السلام ستقف حائلا دون تحقيق ما يخطط له اليهود ومناصروهم.
فخامة الرئيس:
يجب أن تتذكروا وأنتم الأمناء على القضية ومعكم إخوانكم أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض أن فلسطين امانة في أعناقكم لا مساومة على مقدساتها وحقوق شعبها وتذكروا أيضا ان القدس ليست شأنا فلسطينيا، بل همٌّ عربي واسلامي, قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير) الى قوله (وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلنَّ علوا كبيرا).
تنبّهوا لمخططات العدو الذي سيجهد لمحاولة زرع الفتنة بين فصائل المقاومة وتقسيم الصف الوطني الفلسطيني، فوحدة الصف والهدف ضرورة أكثر من أي وقت آخر والتنسيق مع كل ذي رأي وخبرة من أبناء فلسطين أمره يقطع الطريق على العدو ومن والاه وشايعه (ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
في عام 1948 ومع بداية الهجمة الاسرائيلية المسلحة على أرض الاسراء والمعراج وجه (الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل رحمه الله) ملك المملكة العربية السعودية رسالة الى زعماء فلسطين دعاهم فيها الى الوحدة وضم الصفوف والبعد عن الفرقة والتناحر جاء فيها ما نصه:
(كنت ولا زلت أضع قضية فلسطين في قلبي فأعمل لخيرها وأرجو الله ان يوفقني لما فيه الحق وانني دائم الاتصال بمن في يده الأمر وما كنت لأرغب في الأقوال، فطريقتي هي العمل الصامت وسوف يأتي يوم قريب تنشر فيه الرسائل مع من بيده الحل والربط وانني أتابع بذل الجهد لهذه القضية لحلها حلا عادلا يتفق مع مصلحة العرب وثقوا ان الحق لابد ان يسود وعليكم أنتم عرب فلسطين ان تكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وأعتقد أن واجبي يقضي عليَّ المحافظة على ديني وأولادي وشرفي وبلادي وعرب فلسطين كأولادي ويأتي أمر المحافظة عليهم بعد المحافظة على الدين وان عرب فلسطين لم يقصروا في ذلك الجهد وهم جديرون بالمناصرة).
وفي التاسع عشر من ذي القعدة من عام 1355 ه بعث الملك عبدالعزيز مذكرة إلى الحكومة البريطانية مندداً ومستنكراً الهجرة اليهودية إلى فلسطين جاء فيهامسألة الهجرة اليهودية هي في الدرجة الأولى لدى أهل فلسطين ولدى العالم الإسلامي والعربي ولدى كل من ينظر للقضايا القومية بعين الاعتبار والإنصاف فإن مكاثرة شعب آمن في وطنه وبلاده بشعب غريب أجنبي له مطامع قومية في وطنه مما لا يستطيع شعب في العالم ولا حكومة من حكومات الأرض قبوله راضية به ولم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم والشعوب, واليهود ملأوا الدنيا بدعاياتهم وغاياتهم وأن مقصدهم تشكيل حكومة يهودية في فلسطين ويضمرون مطامع وراء هذه تشغل بال العالم العربي والإسلامي في كل بلد وقطر وحيث إن العدد الذي في فلسطين من اليهود قد أصبح عددا وافرا وخطرا فإن على الحكومة البريطانية أن تعلن إيقاف هجرة اليهود فإن كل سماح بهجرة جديدة سيجدد المخاوف ويقضي على الطمأنينة التي سعينا إلى إحلالها.
وقد نشر الكاتب الأمريكي نويل, ف, بوش في مجلة لايف حديثا مع الملك عبدالعزيز في الرياض في الثالث عشر من ربيع الأول عام 1362 ه الموافق الحادي والعشرين من مارس 1943م جاء فيه:
سألت الملك عبدالعزيز عن رأيه في قضية فلسطين فكان جوابه:
أولا: إنني لا أعلم أن لليهود أمرا يبرر مطالبتهم بفلسطين لأن فلسطين كانت من قبل البعثة المحمدية للعرب سكنها بنو إسرائيل حقبة من الزمن وتسلط عليهم الرومان في ذلك الوقت وقتلوهم وشتتوا شملهم ولم يبق أثر لحكمهم فيها والعرب قد عاشوا عليها وافتكوها من الرومان منذ 1300 سنة وهي منذ ذلك الوقت بيد المسلمين ومن هذا يظهر أن ليس لليهود حق في دعواهم هذه.
وفي مناسبة ثانية قال الملك عبدالعزيز أمام عدد من ممثلي الدول الأجنبية في ربيع الأول عام1364ه الموافق شهر فبراير عام 1945م: على أمريكا وبريطانيا أن تختارا بين أرض عربية يسودها السلام والهدوء وأرض عربية يحتلها اليهود غارقة بالدم, وقد تم الإفراج عن هذا التصريح من وزارة الخارجية الأمريكية في 18/5/1969م بإخراجه من السر إلى العلن وثمة تقرير آخر بعث به السفير وليام إدي إلى وزير الخارجية في واشنطن جيمس بيرتز مؤرخ في 5/1/1945م جاء فيه قول الملك عبدالعزيز رحمه الله له:
شرف له أن أموت شهيدا في ساحة القتال عن أرض فلسطين في معركتها مع اليهود.
الاستنارة بآراء الأشقاء، فرغم ظروف أمتكم الصعبة وحالة التمزق والفرقة التي تسودها اليوم فإن أمر فلسطين هو القاسم المشترك بينها يجمع شتاتها ويوحد كلمتها ومن الضرورة بمكان الاستزادة من مشورة إخوانكم ملوك ورؤساء الدول العربية قبل وأثناء المفاوضات فذاك أمر يمنحكم القوة والعزيمة وما خاب من استشار.
مقاومة الحملات المنتظرة والضغوط القادمة من هنا وهناك بموقف جاد وحيوي يستند إلى الإصرار على التطبيق الحرفي للقرارات العربية والدولية والبعد عن التسويات الهزيلة والمذلة التي تكرس الهيمنة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية.
فخامة الرئيس:
لقد أعلن العرب كلمتهم وقرارهم في قمتهم التاريخية في فاس عندما أقروامشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز للسلام والذي نص صراحة على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والتأكيد على قيام الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني وعاصمتها القدس وحظي هذا المشروع بتأييد فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي, وجدد موقف المملكة الثابت والداعم للحق الفلسطيني وقيادته صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني في نهاية الأسبوع المنصرم بقوله إن المملكة العربية السعودية تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته حتى استرداد حقه المغتصب وإقامة دولته المستقلة على تراب وطنه وعاصمتها القدس .
فتلك سياسة المملكة المعلنة ولن تحيد عنها على الإطلاق وهذا التوجه يباركه كل الأشقاء في العواصم العربية ويضحون في سبيل تحقيقه مهما غلا الثمن وكانت النتائج.
فخامة الرئيس:
قلوب العرب والمسلمين وكل محبي السلام معكم، تدعو لكم بالتوفيق فالشوط طويل والمهمة صعبة لكن المبادئ والقيم ليست قابلة للتغيير أو التبديل فهي ثوابت أمة فيها كرامتها وعزتها وشموخها وشخصيتها وانتماؤها فأنتم تريدون السلام وتنبذون الصراعات وسفك الدماء وهذا نهج دينكم وأمتكمولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .
* كاتب وإعلامي

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved