أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th July,2000العدد:10150الطبعةالاولـيالخميس 11 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

شدو
في السعودة المهنية وثقافة العيب2
د, فارس الغزي
تطرقت في المقالة السابقة إلى مقومات ما يعرف بثقافة العيب واستعرضت، كذلك، دلائل رسوخها اعتمادا على قراءة مضمون ما ورد في استطلاع صحفي في جريدة الجزيرة حول المواقف السلبية تجاه العمل في أسواق الخضار في مدينة حائل, في هذه المقالة، سوف أجيب عن سؤال تم طرحه في المقالة السابقة، ألا وهو: إذا كان الفكاك من سلبيات قيم ثقافة العيب يمثل أنجع سبل سعودة الأعمال المهنية فكيف، إذن، يتأتى ذلك,,؟!
من البدهي القول أن الخلاص من شيء ما يعني، في الغالب إحلال بديل له, بمعنى آخر، إن انعتاقنا من قيم ثقافة العيب - فيما يخص النظرة الدونية للأعمال المهنية فالعزوف عنها - لن يتم إلا بإزاحة القيم السلبية مما يعني صياغة قيم ايجابية بديلة, إن عملية صياغة القيم عملية ذات آلية مقننة ومسبورة، بل ومأمونة طالما أخذ في الحسبان حقيقة أنها عملية تبدأ من اولى خطوات التنشئة الاجتماعية الضرورية لاكساب الانسان كينونته الاجتماعية, إن عملية صياغة القيم، كذلك، عملية ديناميكية ومستمرة رغم تعدد مراحلها وطابع تغذيتها المرتدة feedback: حيث إنها تبدأ من الأسرة، فالمدرسة، فالجماعات الاجتماعية المتنوعة المفروضة والاختيارية ولتنتهي بالمؤسسات الاجتماعية الاخرى من وسائل إعلام وخلافه,, فقط لتبدأ، مرة أخرى، من جديد مع استجداد كل جديد, إن لعملية صياغة القيم أبعادا زمنية ضرورية لتبلور القيم مما يتطلب عدم استعجال النتائج، بل وضرورة عدم الالتفات إلى ما قد يثيره احتكاك الجديد بالقديم من ردات فعل اجتماعية مؤقتة ليست سوى نتيجة طبيعية للتغير الاجتماعي.
ان العلّامة فتحي يكن قد أصاب كبد الحقيقة عندما أكد على أن تصفية الأفكار الميتة أساس لكل تغيير هدفه الاصلاح, فالهدم من أجل إعادة البناء، وحسب تعبيره، هو الوسيلة الوحيدة لنجاح الحياة بشقيها الروحي والمادي, ولكن: متى تصبح تلك الغربلة واقعا,, وكيف يتسنى لنا القضاء على ما أسماه، فتحي يكن: الشلل الاجتماعي؟! ، حسنا، تصبح الغربلة واقعا ويبرأ الشلل عندما نقضي على ما أسماه المؤلف باختلاط جوهر الظواهر وأشكالها : ,,, عندما لا نتعامل مع العلم كزينة وترف ومباهاة وتجمل,, عندما نأخذ بالتخطيط للمستقبل البعيد القريب لناظره! .
إن أمنية التوجه التلقائي والطبيعي إلى الأعمال المهنية لن تتحقق، إذن من خلال حلول آنية ، بل إن الوسيلة الوحيدة لتحققها تنبثق من التعامل المباشر مع جذور أسباب العزوف عنها، وكما يخبرنا القانون الاجتماعي لابن خلدون بأن: الانسان ابن عوائده ومألوفه، لا ابن طبيعته ومزاجه , ص159 .
بالمناسبة، هل أن الحاجة دائما ما تكون أم الاختراع؟! ، وهل أن انحسار معدلات قبول الطلبة من خريجي الثانوية كفيل بجعلهم يحتاجون فيخترعون اتوماتيكيا قيمة وأهمية التوجه للمعاهد والأعمال المهنية؟,, بل هل أنه من الضروري أن كل حاجة ملحة تدفع إلى اختراع ايجابي؟! حسنا، يخبرنا العلامة فتحي يكن أن الحاجة للعمل والانتاج تتعدى مفهوم الاستهلاك ضيق الحدود ، حيث ان للحاجة وحسب مبادىء ديننا الحنيف شروطاً تجعل منها حقاً وواجباً في آن واحد: بصيغة أخرى، لن تكون تلك الحاجة فعالة وخلاقة، حسب ما يراه المؤلف: إلا حين يمنحها الضمير من روحه ما يحيلها عملا ملزما، وهذا العمل الملزم هو الذي يسر للمجتمع الاسلامي أن يحيل أفكاره وحاجاته إلى منتجات حضارة , 74 132 .
إن سلبية مواقف الشباب العاملين في أسواق الخضار ليست سوى جزء من ظاهرة عزوفهم المهني ، مما يؤكد أنهم ليسوا سوى مجرد ضحايا لقيم ثقافية بنائية متوارثة, وبما أن من شابه أباه فما ظلم! ، فإن هؤلاء الشباب إذن أبرياء في عزوفهم هذا، بل كيف لا يكونون ابرياء وهم لم يرتكبوا من جريرة سوى أنهم قدموا إلى هذه الدنيا لآباء عازفين مهنيا بالوراثة ، الأمر الذي جعل هؤلاء الآباء يغفلون أهمية زرع قيم قبول مثل هذه الأعمال في أذهان أبنائهم, فإذا كان الأمر كذلك، فإن ابن خلدون في المقدمة، ص 294 ، يقول كذلك! إن: للعوائد منزلة طبيعية أخرى، فإن من أدرك مثلا أباه وأكثر أهل بيته يلبسون الحرير والديباج، ويتحلون بالذهب في السلاح والمراكب، ويحتجبون عن الناس في المجالس والصلوات، فلا يمكنه مخالفة سلفه في ذلك إلى الخشونة في اللباس والزي والاختلاط بالناس، إذ العوائد حينئذ تمنعه وتقبح عليه مرتكبه، ولو فعله لرمي بالجنون والوسواس في الخروج عن العوائد دفعة,.
,,, السعودة المهنية تتطلب سلوكيات لم ولن تتبلور إلا بغربلة قيم!
هوامش:
ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، تحقيق: علي عبدالواحد وافي، ط2، القاهرة، 1967م

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved