أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 14th July,2000العدد:10151الطبعةالاولـيالجمعة 12 ,ربيع الثاني 1421

شرفات

وليد إخلاصي كاتب يضع الملح على الجرح
قراءة في خمسة نصوص مسرحية
أيها الحضور الكريم، قريباً من ساحة الاعداد، ايقاع بلا نهاية، ليلة العمر القادم، من يسمع الصمت,, خمسة نصوص مسرحية للكاتب السوري وليد إخلاصي، خرجت إلى دائرة الضوء، لتطرح قضايا هامة وراهنة، لاقت صدى عند الجمهور.
ووليد اخلاصي، كما قدمه الناقد المسرحي جوان جان، هو كاتب مسرحي يضع الملح على الجرح، مواضيعه حارة، وشخصياته حية نابضة، نراها حولنا، وفي أنفسنا.
إنه وكما يراه العديد من النقاد لا يأبه بالاشكال والأطر الفنية، بقدر ما يأبه بالمضامين، ومسرحياته وإن كانت تعاني أحيانا من هيمنة الجانب الحواري، القريب مما هو يومي وعادي، إلا انها ولابد في النهاية، من ان تقدم فكرة ما، أو مقولة راهنية الطابع وملحة، وإما ان تكون على صلة بالبعض او الكل, من هنا، اخترنا الدخول إلى عالم وليد اخلاصي المسرحي من خلال تسليط الضوء، على خمس مسرحيات قصيرة ذكرناها بداية، لنجد في وليد إخلاصي صوتاً مسرحياً هاماً يستحق المزيد من التأمل، والقراءة المتأنية، فمن أين نبدأ:
أيها الحضور الكريم
إنها مونودراما بطلها إسماعيل العامل المختص بالاعمال الكهربائية والفنية، في مسرح صغير، تابع لاحدى المؤسسات الثقافية العامة.
وتبدأ المسرحية بدخول إسماعيل إلى خشبة المسرح المفترضة المعدة لاقامة المحاضرات والندوات والأمسيات الثقافية، والحفلات الفنية.
على خشبة المسرح تناثرت آلات موسيقية غربية، وكراسي، وسلال زهور ذابلة، مما يدل على ان المكان كان مسرحا لحفل أقيم منذ وقت قريب جداً.
وفور دخول إسماعيل إلى هذا المكان، يرسل إشارات تدل على مدى ارتباطه بهذا المكان كجزء لا يتجزأ منه فهو أولا يتأمل فوضى المكان بنظرات حانية، ثم يعاين المنبر، ثم يستريح على كرسي في صدر المكان، ويخرج لفافة تبغ، ويضعها خلف أذنه دون ان يشعلها, ثم وفي خطوة تالية، يتفحص الشريط الممتد من مكبر الصوت، نحو الداخل، فيتبين فيه خللاً، يقوم على الفور باصلاحه.
وعندئذ، وبعد هذه المقدمة، التي تشرح طبيعة حركة الشخصية على المسرح، وعلاقتها الحميمة بالمكان، يبدأ إسماعيل مونولوجه، ليطرح إشكاليات ثقافية، وأخرى عديدة، منها ماله علاقة بالسلبيات السائدة في الحياة الثقافية، كسيطرة علاقات المجاملة على الاوساط الثقافية، وعدم الانتخاب، والتمييز بين الصالح والطالح من الاعمال الادبية.
ومن الاشكاليات التي يطرحها إسماعيل أيضا، ما يأحذ طابعا شخصيا قابلا للتعميم.
فعلى صعيد الهم الخاص، يطرح إسماعيل مأساته مع أولاده، الذين تركوه واحداً بعد الآخر، حيث غادره احدهم للعمل في الخليج ميكانيكيا بعد ان يئس من العمل في المهنة التي يحبها الموسيقا بسبب ضيق ذات اليد.
أما ابنه الآخر، فيغادر للالتحاق بالمقاومة وهي الحالة الايجابية الوحيدة إذ تقضي ابنته انتحاراً بعد ان نال منها شاعر مفوّه، وقعت تحت تأثير عباراته المنمقة، وانجرفت معه في علاقة عاطفية فاشلة، وضعت حداً لها بالموت انتحاراً, لاشك ان إسماعيل كان يعيش حالة من حالات الفصام، بين ما يسمعه في مكان عمله، في محاضرات، وأمسيات أدبية وبين الواقع القاسي الذي لا يعترف بكل المواعظ، والحكم والاشعار، والخطب، التي تلقى على خشبة المسرح الذي يعمل فيه.
ففي الوقت الذي تموت فيه زوجته، على باب احدى المستشفيات لأنه لا يملك ما يكفي من المال لقبولها، يتشدق أحد المحاضرين على خشبة المسرح، بشعار الطب للجميع ,.
قرب ساحة الإعدام
هي أيضا مسرحية قصيرة، تدور حواراتها في حديثة عامة، بين رجلين يلتقيان مصادفة، دون سابق معرفة, احدهما يبدو في الخامسة والعشرين من العمر، والاخر فوق الخمسين، ولكل منهما مأساته التي دفعت به إلى التسكع في الحدائق العامة.
الشاب متخرج من الجامعة، ويبحث عن عمل دون ان يوفق، بينما الرجل الآخر مطرود من عمله، بسبب يقظة ضميره، وعدم سكوته، عن الاخطاء والتجاوزات التي ترتكب من قبل رب عمله.
في هذه المسرحية، تطرح هاتان الشخصيتان مسألتين في غاية الخطورة.
الاولى تتعلق بالمستقبل الغامض الذي يحيق بجيل بأكمله، تسلح بالعلم، ولكنه لم يستطع تحمل مسؤولياته، والثانية تتعلق بانهزام قوى الخير والحق، أمام قوى الشر والباطل.
ان شخصيتي المسرحية، كما هو ئواضح، منهزمتان من الداخل، وغير قادرتين على مواجهة الواقع الذي يضغط بكلتا يديه على عنقيهما، لا كفردين، بل كنموذجين يمثلان شريحة واسعة، وهما في نفس الوقت لاتخلوان من سلبية، تتجلى عند الشاب باستعداده لدفع اي ثمن، من اجل الحصول على وظيفة إذ يبدو مستعداً للسباحة مع التيار، عملا بالمثل القائل: عندما تكون في روما، فيجب ان تتصرف كالرومان .
أما سلبية الرجل الآخر، فتأخذ طابعا انهزاميا بعيدا عن أي شكل من اشكال المواجهة، وسلبية هاتين الشخصيتين معاً كما تطرحهما المسرحية تغدو مسوغة نظراً للضغوط الهائلة التي تتعرضان لها.
وهنا يربط الكاتب بخيط خفي، بين هذا الواقع الاليم لشخصيته الذي يصل حد الاختناق وواقع رجل آخر، لا يظهر على خشبة المسرح، وهو محكوم عليه بالاعدام، دون ان نعلم السبب، ومعرفة السبب تبدو في مسرحية اخلاصي غير جوهرية وإنما الامر الجوهري بطبيعة الحال، هو الربط بين واقع عملية الاعدام الفعلي التي يتعرض لها هذا الرجل، وواقع الحصار الخانق، الذي تتعرض له شخصيتا المسرحية الشبيه بعملية اعدام الرجل، ولكن بشكل آخر.
إيقاع بلا نهاية
تضع هذه المسرحية على بساط البحث، موضوعة المجتمعات المعاصرة ذات النمط الاستهلاكي، الذي نحّى جانبا العلاقات الانسانية الحميمة، المتسمة بالدفء والتعاضد.
أسرتان، احداهما فتية، يقترب الزوج فيها من الثلاثين من العمر، يعمل مساعدا فنيا في مكتب هندسي حكومي، وزوجته تجاوزت العشرين من عمرها، وهما بانتظار مولودهما الأول.
أما الأسرة الثانية، فقد تجاوز الزوج فيها السبعين من العمر، والزوجة دون ذلك بقليل، لهما ثلاثة ابناء.
وحول هاتين الاسرتين، تدور احداث المسرحية التي تقدم في احد عشر مشهداً، تتناوب فيها الاسرتان الظهور بين مشهد وآخر، ولكل اسرة من الاسرتين مأساتها الخاصة بها.
إذ بينما تكمن مأساة الاسرة الشابة، في عدم توفر الدخل الكافي لاعالة المولود القادم، تتجه مأساة الاسرة العجوز باتجاز آخر، يتمثل بابتعاد ابنائها عنها، نتيجة ضغوطات الحياة اليومية، ومشاكلها، ومشاغلها.
ويخصص الكاتب، لكل مشهد من المشاهد الخمسة المخصصة لكل اسرة، محوراً يركز عليه.
فمشهد الاسرة الشابة الاول يكرسه الكاتب، لرصد حالة الترقب المشوب بالسعادة للزوجين، وهما بانتظار مولودهما الاول، ويبدأ في المشهد الثاني طرح المسألة الاقتصادية على بساط البحث، من خلال التفكير بتوسيع آفاق العمل، كي تتوفر القدرة على تأمين حياة رغيدة للضيف القادم.
وفي المشهدين الثالث والرابع، ثمة استكمال لبحث المشكلة الاقتصادية، والتفكير بعمل اضافي، ويبرز خلاف بين الزوجين، فالزوجة تصبو إلى تغيير جذري في حياتها، وحياة أسرتها، بينما يفضل الزوج سياسة (الخطوة، خطوة)، ويختم المشهد الرابع بنظرة متفائلة عند الزوج، ومتشائمة عند الزوجة.
وفي المشهد الخامس، يستعين الزوج بجارته الممرضة، بعد ان داهمت آلام المخاض زوجته فجأة، فتهب لتلبية النداء، بينما نجد في مشاهد الاسرة العجوز ما يناقض تماما الحالة التي تمر بها الاسرة الشابة، إذ نلمس حرص الكاتب على طبع هذه المشاهد بطابع من اليأس والبؤس، والاستسلام للامر الواقع المتمثل بانتظار الموت، بالنسبة للزوج السبعيني المريض.
كما نلمس من جانب آخر، حرص الكاتب على الحديث عن موضوعية الزمن، ووطأة قرب نهايته على الاشخاص الذين تمتعوا فيما سبق بحياة حافلة، فمنذ المشهد الاول، هناك تركيز على موضوعة الزمن ومروره السريع، يقول الزوج نصف قرن مرّ هكذا,, ومضة زمن .
وفي المشهد الثاني، يعود الزوجان الى الماضي لاستعادة الذكريات الجميلة المشتركة، في محاولة لتعزية النفس عن جحود الحاضر، ولنلاحظ هنا ان عالم هذه الاسرة منحصر في ماضيها، بينما ينحصر عالم الاسرة الشابة في مستقبلها,ويستمر الحديث عن الماضي وذكرياته في المشهد الثالث، ليعود في نهايته، ويتركز مرة اخرى على الابناء، وترقب قدومهم، حيث نجد الزوج العجوز في المشهد الخامس يتجه نحو النافذة، بعد ان بقي وحيداً، عله يلمح طيف أحد ابنائه قادماً لزيارته.
وفي المشهد الاخير من المسرحية، يقدم اخلاصي مزجا رائعا وفريدا، بين مأساة الرجل العجوز الذي يموت وحيدا وحزيناً، وبين فرحة الزوجين الشابين بذات الوقت بمولودها الجديد، وبذلك يقدم الكاتب اشارة واضحة الى ان الحياة ستبقى مستمرة في ايقاع بلا نهاية.
ليلة العمر القادم
يتطرق اخلاصي في هذه المسرحية إلى حالة التناقض التي قد يعيشها الكاتب او الفنان الذي يقدم السعادة للآخرين بواسطة ادبه او فنه، بينما يعاني في الواقع مأساة تدمى لها القلوب.
أدهم وهو كاتب معروف، تجاوز الستين من العمر، متزوج وله ابنة، يلتقي ذات ليلة بمريم وهي الفتاة التي جمعته مصادفة جميلة معها في ايام الصبا.
وها هما يعودان ليلتقيا من جديد، بعد مرور عدة عقود على لقائهما الاول، فيستعيدان معا ذكريات الماضي التي مازالت منطبقة في ذاكرة مريم، كون أدهم شكل لها حالة دائمة من الاهتمام، والمتابعة، والترقب لكل ما كتب بعد أن تزوج من أخرى، وتركها وحيدة, والحقيقة ان أدهم كان عكس مريم، فهو لم يفكر بها يوماً، بعد ان ارتقى سلم الشهرة والمجد ككاتب معروف، ولم ينغص عيش أدهم شيء سوى ابنته المتخلفة عقليا، التي حاول المستحيل لعلاجها، ولكن دون فائدة.
الامر الذي اسفر عن خلق حالة من التوتر بينه وبين زوجته، مما مهد الطريق امامه، للتقرب من مريم، بعد ان عادت وظهرت في حياته، فأخذ يتودد إليها هاربا من واقعه، لاسيما بعد ان رأى فيها الملجأ والخلاص بما لمسه منها من اهتمام بأدبه وأخباره .
لكن صدمة أدهم كانت كبيرة، عندما ردته مريم على اعقابه، رافضة ادخال تعديلات على علاقتها الروحية السامية به، والتي حافظت عليها سنوات عديدة، وهي تدخرها لليلة العمر القادم.
من يسمع الصمت
في هذه المسرحية يكشف اخلاصي مدى الهشاشة الفكرية، التي تتستر وراء الفئات التي تدعي حماية المبادئ والقيم الاخلاقية والدينية في الوقت الذي تنتهك فيه هذه الفئات، هذه المبادئ والقيم بشكل فظ وعنيف.
إذ يمر حميد بطل هذه المسرحية بقصة طويلة، تبدأ من معاناته مع زوجته قمر عندما كانا يعيشان معا في دنيا مفعمة بالمودة والحبة، إلى ان ظهرت في حياتهما بعض التوترات بسبب وطأة الوضع الاقتصادي لهذه الاسرة، فحميد مجرد موظف بسيط في شركة الكهرباء، وما يتقاضاه من قروش قليلة لا يفي بمتطلبات الحياة، الأمر الذي ادى في النهاية، إلى فشل علاقته الزوجية، فرحلت عنه زوجته، طالبة الطلاق,.
وبعد رحيل زوجته، بدأ حميد رحلة معاناة طويلة، فأخذ يعاني من مرض غريب هو فرط السمع الذي يجعله يسمع الاصوات من مسافات بعيدة، لا تستطيع الاذن البشرية العادية التقاطها,.
وتبدأ خطورة هذه الحالة عند حميد، عندما يسمع مصادفة حديثا بين اثنين وهما يخططان لنسف مبنى بريد، فيستنفر طاقاته، ويهرع لاخبار المعنيين بالامر، ولا ينسى وهو يفكر بكيفية انقاذ أرواح الابرياء، من هذه الكارثة البشرية، لا ينسى أبدا زوجته، التي لا يزال يحبها، وكيف انه سيتعملق ويكبر في عينيها بعد ان يغدو بطلا أسهم في انقاذ أرواح الابرياء.
إلا ان حميدا يرتكب في القسم الثاني من المسرحية خطأ لا يفتقر إذ يظهر الاثنان، فيحسبهما حميد من رجال الشرطة، ويسارع لاخبارهما بما سمع، لكنه ما يلبث ان يدرك الخطا الذي ارتكبه، بعد ان يقتحما مكان اقامته، ويكتشف انهما المكلفان بتنفيذ هذه العملية.
إلا ان رباطة جأش حميد، لا تمكنهما من النيل منه، لاسيما بعد ان حاصر رجال الشرطة المبنى، وتنتهي المسرحية بتبادل إطلاق النار، حيث يخشى حميد ان يكون الخاسر الوحيد.
تلك هي باختصار، رؤية لمسرح وليد اخلاصي، من خلال خمس مسرحيات، استعرضنا مضمونها، وهي لاشك تستحق المزيد من التأمل، والقراءة المتأنية، لانها تعبر في مجملها عن عالم اخلاصي المسرحي الذي يسقط من خلاله رؤيته للحياة والناس كماهم في الواقع دون تكلف او تنميق.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved