أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 16th July,2000العدد:10153الطبعةالاولـيالأحد 14 ,ربيع الثاني 1421

وَرّاق الجزيرة

أعلام خدموا التراث
(2) محمد فؤاد عبدالباقي
د, فراج عطا سالم *
لا أدعي أنني تتلمذت على يديه أو أنه كان شيخي يوماً ما ولكني سمعت عنه في مرحلة الشباب من أحد اصدقائي في تلك الفترة، والذي كان والده سكرتيرا له فعرفه عن قرب وعاصر المرحلة التي كف فيها بصره أثناء عمله في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وغيره من المؤلفات القيمة, وقد تحول السماع فيما بعد في مرحلة النضج والاهتمام بالتراث الى اعجاب بالرجل القمة في علمه والتزامه الخلقي والديني.
مولده:
هذا وقد ولد الاستاذ الجليل محمد فؤاد عبدالباقي في الثامن من شهر مارس سنة 1882م لأبوين مصريين, أما الأب فهو من بلدة (قمن العروس) محافظة الواسطي بصعيد مصر, أما الأم فهي من بلدة (برنبال) مركز دكرنس محافظة الدقهلية بالوجه البحري, وقد نشأ ابنهما محمد فؤاد عبدالباقي في قلب القاهرة في حي السيدة زينب الى أن وصل الى سن الخامسة فانتقلت اسرته الى السودان حيث عمل والده في ذلك الوقت وكيلاً للادارة المالية بوزارة ,, واستقرت الأسرة في وادي حلفا ثم حدثت معركة ود النجوم وظلت الأسرة هناك لمدة عام ونصف دخل فيها محمد فؤاد مدرسة أسوان الابتدائية ثم عادت الأسرة الى القاهرة حيث تنقلت في احيائها المختلفة مثل بولاق والعباسية والبغالة، وقد التحق محمد فؤاد بمدرسة عباس الابتدائية وعندما وصل الى الشهادة الابتدائية سنة 1894م رسب القسم الفرنسي بالمدرسة باجمعه فتركها الى مدرسة الأمريكان في حي الأزبكية وظل بها لمدة سنتين, وفي سنة 1899م تركها وعمل مدرسا للغة العربية بمدرسة جمعية المساعي المشكورة في مركز (تلا) ولكنه تركها بعد فترة ليعمل ناظرا لمدرسة بإحدى قرى الوجه البحري وظل شاغلاً لهذا المنصب لمدة سنتين ونصف ثم اشتغل مدرساً لمادة الرياضيات ولكنه سرعان ما ضاق بها بعد سنة من اشتغاله بها واختار العمل مع الأديب صادق عنبر في المدرسة التحضيرية الكبرى بدرب الحجاميز بالقاهرة.
كان الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي ملولاً بطبعه فترك التدريس والتحق بوظيفة مترجم التي أعلن عنها البنك الزراعي حينذاك وذلك في 20 سبتمبر سنة 1905م وظل بها حتى 2 اكتوبر سنة 1933م عندما صفّى البنك اعماله وتحول الى بنك التسليف فأخذ مكافأته منه وتركه ولم يعد الى الوظيفة ثانية.
قراءته وثقافته:
كانت فترة عمله بالبنك فرصة عظيمة لكي يستقر ويتهيأ لقراءاته الحرة فأقبل على أمهات كتب الأدب العربي والحديث والفقه كما كان يجيد اللغة الفرنسية فقرأ لأعلام الأدب الفرنسي مثل فيكتور هوجو ولامارتين.
شيوخه:
وفي سنة 1922م تعرف محمد فؤاد عبدالباقي الى السيد رشيد رضا صاحب المنار وتوطدت الصداقة بينهما, وكان السبب في هذه الصداقة هو ان مطبعة المنار كانت قد اصدرت رسالة عن الاحتفال بذكرى الامام الشيخ محمد عبده فذهب لشراء هذه الرسالة من مكتبة المنار، وفي المكتبة تعرف الى الاستاذ عبدالرحمن عاصم وهو ابن عم السيد محمد رشيد رضا, وفي احدى زياراته للمكتبة التقى بالسيد محمد رشيد رضا فكانت بداية طيبة توطدت فيها عرى المودة بينهما واصبح يوم الاحد (يوم إجازة من البنك) موعداً مضروباً للقاء السيد رشيد رضا، فقد وجد فيه امتداداً وصورة مكررة من استاذه الشيخ محمد عبده وكان الناس في ذلك الوقت يرونه خلفاً للإمام.
وفي سنة 1928 حدث أن بلغ السيد رشيد رضا ان الشيخ احمد محمد شاكر ابن وكيل الأزهر وقتئذ عنده الأصل الانجليزي لكتاب مفتاح كنوز السنة.
Handbook Of Early Mohamedan Tradition
فأرسل الشيخ رضا (محمد فؤاد عبدالباقي) مع ابن عمه الى الشيخ احمد محمد شاكر في بيته في الحلمية فاستعار له الكتاب لمدة اسبوعين, ورأى الشيخ رضا ان يكل امر تقديره الى محمد فؤاد عبدالباقي فأطلع عليه وعرض على الشيخ رضا ان يقوم بترجمته فوافقه الشيخ على ذلك وهنا قرر محمد فؤاد عبدالباقي التوسع في اللغة الانجليزية فالتحق بمدرسة برلتز Berlitz وشرع في ترجمة الكتاب اثناء الدراسة, وقد استغرقت الدراسة والترجمة خمس سنوات انتهت في سنة 1933م.
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي:
تطلع محمد فؤاد عبدالباقي بعد ذلك الى ترجمة كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي فأرسل الى الدكتور ونسنك Wensinck يطلب منه إذناً صريحاً بالترجمة باعتباره مؤلف كتاب (مفتاح كنوز السنة) واستجاب له الدكتور ونسنك ولم يكتف بالموافقة فحسب بل أرسل اليه الفصل الأول من المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي فاطلع عليه ووجد به أخطاء كثيرة فضمنها كشفاً أرسله الى الدكتور ونسنك فسُر لذلك وطلب منه ونسنك تصحيح (بروفات) المعجم ومضى في ذلك الى آخر حياته.
كتاب تفصيل آيات القرآن الكريم:
حدث ان الشيخ محمد عبده كان في مطالعته للقرآن الكريم كان يأتي بالآيات المتشابهات وسأله الشيخ رضا أنّى له هذا؟ فأجاب الشيخ محمد عبده بأنه يستعين بكتاب عنده باللغة الفرنسية لمؤلفه (جول لابوم), وبعد موت الشيخ محمد عبده بحث الشيخ رضا عن الكتاب في تركته فلم يعثر عليه وأفضى بما في نفسه الى الاستاذ محمد فؤاد عبدالباقي، فقال له هذا الكتاب عندي باللغة الفرنسية فطلب منه ان ينقله له, فرحب بذلك وقام بترجمة الكتاب الى اللغة العربية وقدمه الى الشيخ محمد رضا سنة 1924م,, وفي سنة 1934م جاء أحد أقارب الشيخ محمد رضا وعرض عليه طبع الكتاب وفعلاً تم طبعه.
هذا وقد اخرج المرحوم الاستاذ محمد فؤاد عبدالباقي الكثير وحقق الكثير، وما ذكرناه هو غيث من فيض علاوة على مقالاته وبحوثه المنشورة في بعض المجلات وسمعته في المجامع الغربية للاستشراق, هذا الرجل الذي لم يتخرج من جامعة ولم يحصل على شهادة عالية لكنه صنف فريد من الرجال القمم الشوامخ الذين تركوا للأجيال اللاحقة أعمالاً خالدة بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل ايمانهم العميق بخدمة كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
* مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض
السبت 23 صفر 1421ه الموافق 27/5/2000م
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved