أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th July,2000العدد:10164الطبعةالاولـيالخميس 25 ,ربيع الثاني 1421

الاقتصادية

في الاقتصاد
تقسيم العالم اقتصادياً
د, سامي الغمري
ونقصد به اعادة نشر الفقر والجوع والمرض بين مجموعة الدول النامية وقد تكون الحقيقة التي لم تظهر بعد للعيان, ويمكن ان ارجع هذه الاسطر الى بداية الثمانينات الميلادية زمانا, وبالتحديد في قارة امريكا الجنوبية مكانا, وذلك حينما قررت احدى المؤسسات المالية العالمية اقراض عدة دول نامية في دول امريكا الجنوبية وافريقيا قروضاً مالية طويلة المدى, وكان الهدف المنشود من القروض المقدمة في ظاهرها لتخرجها من ازماتها الاقتصادية سواء من تضخم في اسعار السلع او من بطالة عمالية مرتفعة في معدلاتها او من هبوط حاد في عملاتها النقدية, بحيث تنقلها الى حالة التثبيت الاقتصادي الافضل, وبدت في بادئ الامر مناسبة جيدة كمساعدات فعالة في حينها من تلك المؤسسة المالية تنقذ بها ملايين البشر والذين يعيشون تحت خط الفقر جياعاً.
الا ان المؤسسة الدائنة ربطت اعادة اصلاح الهياكل الاقتصادية (سياسات الكيف الهيكلي) بشروط وبتعديلات اقتصادية محلية جذرية قاسية ادت الى مضاعفات وسلبيات تغيرت بها لاحقا التركيبة الاقتصادية والاجتماعية في تلك المناطق تغيرا كبيرا, وكان نتيجة لتلك الاجراءات والتعديلات الاقتصادية ان ارتفعت معدلات التضخم في الاسعار الى اكثر من عشرات الاضعاف وبمعدل 25% سنويا, كما هبطت الدخول الحقيقية المالية ومستويات المعيشة الفردية بعد عدة اعوام الى كثر من النصف عما كان الحال عليه قبل اتخاذ وتطبيق شروط المؤسسة للقرض, حاملة معها اثاراً اجتماعية مدمرة اتسع فيها نطاق الفقر العارم ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية والصحية والتعليمية, فالحالة الصحية تدنت مستوياتها وخدماتها فيها وارتفعت سجلات وحالات الاصابة بالامراض الوبائية كالكوليرا والملاريا والسل والايدز (بعد انهيار نظام التطعيم) ارتفاعا حادا كان من المتعذر على السكان هناك الحصول على الدواء اللازم.
اما الناحية التعليمية فلم تكن احسن حالا من سابقتها فقد اغلقت المدارس العامة ابوابها والجامعات وشرودوا تلاميذها وطلابها فيما تم فصل مدرسي التعليم وموظفي الدوائر باكثر من نصف مليون مواطن خاصة بعد مطالبتهم برفع اجورهم لمقابلة اسباب التضخم وعجزهم على مواكبة ارتفاع الاسعار السلع والخدمات مؤدية الى انخفاض مستوياتهم المعيشية الى حد غير مقبول لديهم, كما انعكس انكماش الاجور بوضوح في انخفاض القوة الشرائية على السكان وذلك بضعف الاقبال على شراء المنتجات والاستهلاكات الوطنية, وهذا بدوره ظهر على المزارعين المحليين الذين وجدوا صعوبة كبيرة في تصريف منتجاتهم الزراعية وبيعها, ولم يكن القطاع الصناعي المحلي افضل حالا من القطاع الزراعي, فبعد ان تم الغاء الرسوم الجمركية تمكنت المنتجات والسلع المستوردة من الدخول الى الاسواق المحلية فيما سببت ركودا اقتصاديا واضرارا بالغة وهبوطا في تصريف المنتجات المصنعة محليا امام المستورد الارخص.
اما القارة الافريقية فكانت اكثر القارات تأثيرا سلبيا بشروط المنظمات المالية العالمية فهناك اكثر من 40% من سكانها (300 مليون نسمة) يعيشون تحت خط الفقر بدخل مالي قدره دولار امريكي يوميا, واول التعديلات المشروطة في هياكلها الاقتصادية كان مركزا على تخفيض العملة المحلية, فظهرت زيادات كبيرة في اسعار الوقود والسلع الاستهلاكية والغذائية, الى جانب تدهور ميزان المدفوعات وارتفاع المديونية الخارجية لبعض دول القارة ارتفاعا شديدا, وعقبت ذلك حالات افلاس للمؤسسات المالية والمصرفية المحلية ودبت الفوضى والفساد الاداري في معظم القطاعات العامة والخاصة.
واستمرت الحالة تدهورا وظهر ما هو اسوأ من ذلك, فاتون الحروب الاهلية كانت على اشدها, فيها تمزقت التركيبة الاجتماعية لاسباب الحقد والعنف والنهب والسلب والتعصب القبلي ونقلتها الى وضع مليء بعمليات التحلل الاقتصادي (تجارة الممنوع) والاجتماعي (المحرمات) والسياسي (الاحزاب المتنازعة) واصبح من الصعوبة جدا اعادة الامن والنظام في تلك البقاع من العالم.
وبعد فان بعض المؤسسات المالية العالمية تشترط شروطا تعجيزية هي اقرب فيها من السلبيات الى الايجابيات التنموية, بل ان بعض الكتاب الغربيين اعتقدوا ان المؤسسات المالية العالمية قد ادت بطريقة مباشرة الى اعادة نشر الفقر والمرض والجهل في مجموعة العالم النامي, وهي في الحقيقة قاصدة بتلك الشروط لكي تبقي النظام الاستعماري القديم سائدا الى يومنا, وهي كذلك تريد ان يستمر العالم متخصصا في مواردة وعمالته, تريد ان يبقى العالم منقسما الى قسمين, قسم انتاجي صناعي متطور يمثل محور الاقتصاد العالمي مسيطرا على 85% من حجم التجارة الدولية فيه وله نصيب الاسد من ارباحها, وقسم اخر مستهلك منتج للموارد الاولية والخامات ويحصل على 15% من حجم التجارة الدولية ويبقى يعاني من العديد من الازمات الصحية والتعليمية والاقتصادية والسياسية, انها تريده ان يبقى هامشا تابعا (التهميش القهري) للمحور يزوده بما تحتاجه مصانعة من مواد خام, وتعتقد اذا ما تغير هذا النظام الاقتصادي العالمي في صورة اخرى فسوف تتاثر اقتصادياتها الصناعية سلبيا وسوف يصيبها الركود والكساد, وهو امر لا يمكن باي حال ان تقبله وترفض كل الرفض, وعليه فان الوقاية والاحتياط مبكرا واتخاذ التدابير اللازمة لفقر ومرض وجهل العالم النامي وابقاءه كما هو لهو خير استراتيجية في الوقت الحاضر بدلا من الانتظار الى مرحلة ترى فيها كساد منتجاتها وما يصحب ذلك من بطالة وعدم استقرار بانواعه بعد فوات الاوان ومشكلة نقص الاموال الضرورية لتمويل المشاريع الانتاجية تعد معضلة تقليدية مستعصية تعاني منها الدول النامية الفقيرة منذ النصف الثاني من القرن العشرين الماضي.
فهي تكاد تتدور في حلقة مفرغة ذلك ان ضعف ونقص السيولة المالية في الدول الاقل نموا يقف حجر عثرة امامها في طريق التغير التنموي, فنقص الاموال يؤدي الى ضعف مستوى الاستثمار وبالتالي الى ضعف في مستوى النمو ومن ثم الى انخفاض في مستوى دخول الافراد المالية, وهذا بدوره يؤدي الى انخفاض معدل الادخار الخاص والعام ومن ثم الى انخفاض مستوى الاستثمار والى انخفاض مستوى النمو وهكذا دواليك تتدور في نفس الحلقة المفرغة دون اي تغير يذكر, وبناء على هذا فما كان امام الدول النامية الا ان تتطلب العون المالي من احدى المؤسسات المالية التابعة للعالم الصناعي والذي يريد ان يبقى العالم منقسما الى قسمين شمالي وجنوبي منتج ومستهلك الى اشعار اخر.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved