أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th July,2000العدد:10167الطبعةالاولـيالأحد 28 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

قضية فلسطين نموذجاً
السلبية في مواقف الشرعية الدولية,,3-3
د , أحمد بن محمد الضبيب*
لقد أكدت الانتهاكات التي قامت بها الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية وقد عرضنا لها في المقال السابق الطابع العدواني الذي قامت عليه هذه الدولة,, ليس فقط على ارض فلسطين، وانما على الامم المتحدة ذاتها,, حين شاركت عصاباتها في اغتيال الكونت برنادوت وسيط الامم المتحدة في 17 سبتمبر سنة 1948م, ومع ذلك فقد قدمت إسرائيل نفسها الى هيئة الامم المتحدة عند رغبتها الانضمام اليها على انها دولة محبة للسلام !! وكان من مسوغات قبولها في المنظمة الدولية: انها تقبل دون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الامم المتحدة، وتتعهد ان تحترمها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضوا في الامم المتحدة قرار الجمعية العامة رقم 273 الدورة 3 بتاريخ 11 مايو سنة 1949م 1 .
غير ان هذا الوعد لم يكن في حقيقة الامر إلا حبراً على ورق، شأن السياسيين الإسرائيليين في وعودهم وعهودهم فما ان ثبتت عضويتها في المنظمة الدولية حتى ارتكبت تجاوزات كثيرة من شأنها تعكير السلام والامن في منطقة من اهم مناطق العالم, وقد صدرت عن هيئة الامم المتحدة قرارات كثيرة تدين الممارسات الاسرائيلية وتشجب أعمالها العدوانية، وتبين عدم شرعية ما قامت به من اجراءات.
ومن أهم هذه القرارات قرار مجلس الأمن رقم 242 في 22 نوفمبر سنة 1967م الذي أكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، والحاجة الى العمل من اجل سلام دائم وعادل، كي تستطيع كل دولة في المنطقة ان تعيش بأمان, كما طالب فيه بانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها سنة 1967م هذا القرار الذي يتمسك به الفلسطينيون والعرب هذه الايام في مفاوضاتهم,, ولكن الساسة الإسرائيليين يتلاعبون في قراءة القرار وتفسير عباراته حسب ما يريدون,, فيقرأون تارة عبارة:الاراضي المحتلة على انها اراض محتلة متناسين ديباجة القرار التي تنص بوضوح على عدم جواز الاستيلاء على الاراضي اصلا بوساطة الحرب, وأحيانا بتفسير القرار تفسيرات عجيبة كقول روبنشتاين مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي هذه الايام قبيل بدء المفاوضات في كامب ديفيد الثانية إن القرار 242 لا ينطبق على اراضي الضفة الغربية وهم بذلك يحاولون اجهاض هذا القرار للحصول على مزيد من التنازلات.
ومن المحاور التي شملتها قرارات الامم المتحدة قضية حق اللاجئين في العودة الى بلادهم وتعويضهم, وتشمل هذه القرارات كل الذين أجبروا على الخروج من ديارهم من العرب منذ استولت العصابات اليهودية على مناطق من ارض فلسطين سنة 1948م وأرهبتهم بالقتل والذبح مما اضطرهم الى الهرب، واخلاء البيوت والمساكن ليحتلها اليهود.
ولعل اول قرار صدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في هذا الشأن كان القرار رقم 194 الدورة 3 بتاريخ 11 ديسمبر 1948م الذي نص في الفقرة الحادية عشرة منه على: وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة الى ديارهم، وعن كل مفقود او مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف ان يعوض ذلك الفقدان او الضرر من قبل الحكومات او السلطات المسؤولة 2 .
وقد ظلت هذه الفقرة يشار اليها كثيرا في عدد من قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة، وبخاصة تلك التي تتعلق بإغاثة اللاجئين، وتبدي الجمعية العامة في هذه القرارات دائما اسفها لعدم تطبيق نصوص هذه القرارات.
ومن هذه القرارات رقم 2535 الدورة 24 بتاريخ 10 ديسمبر 1969م الذي جاء في الفقرة ب منه:ان الجمعية العامة إذ تدرك ان مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن انكار حقوقهم غير القابلة للتصرف المقررة في ميثاق الامم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان، واذ يساورها القلق الشديد لتفاقم هذا الانكار لحقوقهم من جراء اعمال العقاب الجماعي، والاعتقال التحكمي، وحظر التجول، وتدمير المنازل والاموال والترحيل وغير ذلك من الاعمال القمعية المبلغ عن ارتكابها ضد اللاجئين وسكان الاقاليم,, تؤكد من جديد حقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف وتلفت نظر مجلس الامن الى الحالة الخطيرة الناشئة عن سياسة اسرائيل وممارستها في الاقاليم المحتلة وعن رفض اسرائيل تنفيذ القرارات المذكورة وتلتمس من مجلس الامن اتخاذ التدابير الفعالة اللازمة وفقا لاحكام ميثاق الامم المتحدة المختصة لتأمين تنفيذ تلك القرارات 3 .
إن هذا القرار يدعو مجلس الامن الى التحرك لعمل اجراء فاعل يستطيع من خلاله ان يقر العدالة لهؤلاء اللاجئين,, ولا يكون ذلك الا بتطبيق مواد الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي تنص المادة 39 منه على انه يقرر مجلس الامن ما اذا كان قد وقع تهديد للسلم او اخلال به او كان ما وقع عملا من اعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته، او يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والامن الدوليين او اعادتهما الى نصابهما .
وفي المادتين 41 و 42 تتدرج العقوبات من العقوبات غير العسكرية مثل وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات والاتصالات وقفا جزئيا او كليا، وقطع العلاقات الدبلوماسية الى التدابير القسرية التي تنص عليها المادة 42 باستخدام القوة العسكرية بمختلف قطاعاتها لحفظ السلم والامن واعادتهما الى نصابهما.
ومع ذلك فإن مجلس الامن لم يتحرك لتنفيذ توصية الجمعية العامة للامم المتحدة مما اتاح للدولة المعتدية ان تمعن في عربدتها في الارض وان تنكر حق العودة للاجئين,, والآن وقد اظلت القضية الفلسطينية غمامة كامب ديفيد الثانية السوداء فإن قضية اللاجئين على رأس جدول المفاوضات المتعلقة بالحل النهائي فهل تأخذ هذه القضية مسارا جديدا في ظل سياسة الانفراد بالمفاوض الفلسطيني التي تمارسها الدولة المعتدية كي تحصل على اكبر قدر ممكن من التنازلات، بعد ان تسببت سلبية الشرعية الدولية في الوصول الى هذه النقطة؟!
إن الحديث يطول بنا لو استعرضنا قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة او مجلس الامن بشأن فلسطين، وهي في معظمها مؤيدة لحق العرب ومتضامنة مع حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة, وفي كثير من هذه القرارات يلحظ المتابع لهجة تتصاعد وتيرتها فتلامس القضايا الانسانية وتتعاطف مع الحقوق المشروعة,, ولكنها في النهاية ما تلبث ان تصاب بالإنكسار والبرود فتتخذ جانب الشجب, وطلب الكف عن الاعمال العدوانية، ودعوة مجلس الامن احيانا للنظر في الموضوع, فهي لا تكمل الشوط بالقدر المتوقع والمنتظر لقاء اعمال عدوانية هي في واقعها مهددة للامن والسلم,, ومنتهكة لقضايا حقوق الانسان.
ويعجب المتابع لهذه القرارات والمتأمل فيها من فشل مجلس الامن في اتخاذ قرار فاعل يتمثل في مقاطعة اقتصادية، او حصار اقتصادي، او التهديد بعمل عسكري كما جرت في مناسبات عديدة اخرى, والغريب ان هذا الإحجام عن اتخاذ عمل جاد وفاعل لا نجده في القرارات التي اصدرها المجلس وانما نجده ايضا في القرارات المنقوضة التي استعمل فيها احد الاعضاء الدائمين حقه في النقض فليس هناك من اشارة الى استعمال مواد الفصل السابع من الميثاق مهما عظم الجرم, ففي القرار رقم 12022/5 بتاريخ مارس 1976م قدم مشروع قرار الى مجلس الامن يشجب فشل اسرائيل في وقف اعمال تغيير وضع القدس، ويدعوها الى ان تمتنع عن مصادرة الاراضي وإقامة المستوطنات, وقد اجري التصويت عليه في الجلسة رقم 1899 وصوت على المشروع مجلس الامن بكامل اعضائه عدا عضوا واحدا هو الولايات المتحدة التي استخدمت ضده حق النقض مما أفشل المشروع, نقول حتى هذا المشروع المرفوض لم يجرؤ احد على ان يضع فيه اشارة الى استعمال المجلس صلاحياته طبقا لمواد الفصل السابع من الميثاق.
ومن القضايا الواضحة التي يكثر الحديث حولها في قرارات الامم المتحدة قضية التسلح النووي الاسرائيلي وقد اخذ حيزا كبيرا في قرارات الامم المتحدة,, وعلى الرغم من وضوح خطورة هذا التسلح على الامن والسلم الدوليين، ورفض إسرائيل التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، ورفضها تمكين وكالة الطاقة النووية من الاشراف على برامجها النووية او التفتيش عليها,, إلا ان هذا الامر لا يثير لدى الدول التي تتحكم في فعاليات الامم المتحدة ما يجعلها تتخذ اجراءات فاعلة لتطبيق قرارات المنظمة العالية,, وانما اقتصرت القرارات على الشجب,, والادانة.
والناظر في جداول التصويت، سواء في الجمعية العامة او مجلس الامن يجد ان معظم دول اوروبا الغربية الكبرى قد انحازت الى جانب الولايات المتحدة و اسرائيل او امتنعت عن التصويت بجانب القرارات التي تدين الدولة المعتدية, والغريب ان اليابان وهي البعيدة عن الشرق الاوسط جغرافيا، ولها مصالح عديدة مع العرب، وقد عانت من قسوة السلاح النووي ان هذه الدولة لم يبد في سلوكها من خلال التصويت ما يشير الى تفهمها للحق العربي او استهجانها للعدوان الاسرائيلي، او وقوفها ضد التسلح النووي الاسرائيلي.
ستقول لي: إن المصالح بين الدول هي التي تحكم توجهاتها في أروقة الامم المتحدة، وان الشرعية الدولية تسير في ركاب المصالح الاقتصادية والاستراتيجية,, ولا مكان للمبادئ والمثل في الحالات التي لا تتماشى مع تلك المصالح, واقول لك فلم اذن وضعت الامم المتحدة؟! وأين الآمال البراقة التي كانت وراء اقامتها والتي كانت امتدادا لأحلام المفكرين والفلاسفة منذ اقدم العصور من اجل انسانية خالية من الظلم، تقوم على العدل والانصاف وحل المشكلات بالتفاهم والجنوح الى ما تواضعت عليه البشرية من اخلاق ومثل وانظمة؟,, بل أين ما تضمنته ديباجة ميثاق الامم المتحدة من المبادئ البراقة، مثل مبدأ المساواة في الحقوق بين الدول، ومبدأ فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ومبدأ منع استخدام القوة او التهديد بها في العلاقات الدولية؟!!
اذا كانت المثل والمبادئ لا قيمة لها,,فما أتعس هذا الانسان الذي سيظل يعيش في غابة كبرى يأكل فيها القوي الضعيف ويرتفع فيها شعار الحياة للاقوى .
وربما قلت لي ايضا: وما الفائدة من تذكر كل ذلك، والتحسر عليه؟.
اقول لك: إن مأساة فلسطين ملحمة كبرى في تاريخ العرب بل لعلها اكبر كارثة حلت بهم في التاريخ وجرعتهم المهانة والذل فلابد لهم ان يضعوها بين اعينهم، ولابد لهم ان يتذكروا احداثها وكوارثها بتفاصيلها وما صاحبها من مواقف دولية مختلفة،,, ان ذاكرة الانسان العربي ضعيفة للاسف,, فما اكثر ما نسينا ما حل بنا من مصائب فضاعت بذلك حقوقنا,, اما اليهود فقد احتفظت ذواكرهم بسجلات حية لكثير مما حل بهم من كوارث,, فهم لا ينسون مآسيهم في الشتات وبعد الشتات,, يتذكرونها ويذكرون الناس بها,, ولعلك تلاحظ الحملات الاعلامية المستمرة التي يقودونها على مدار العام يذكرون العالم فيها بمآسيهم وبخاصة قضية المحرقة الهولو كوست التي جمعوا لها المؤتمرات والندوات وأشركوا فيها بعض رؤساء كبرى الدول في العالم.
ان ذاكرة منهم تشتعل وتشتغل بتذكر ما حدث لهم من كوارث وهي بذلك تغذيهم بالوقود الذي يدفع بقضيتهم الى الامام، ويثير لديهم العزم على السير في طريق تحقيق هذه القضية ويجعلهم يتلافون اخطاء الماضي ويستعدون لاحداث المستقبل.
لابد لنا ان نكرر وقائع ملحمة فلسطين في كل مناسبة,, وان ننقل مآسيها وتواريخها الى أبنائنا واحفادنا,, فربما تمتلئ القلوب بالهم الكبير في مستقبل الايام,, فتحمل في جوانحها رسالة تحرير ارض الاسراء.
* عضو مجلس الشورى
الهوامش:
1 قرارات الأمم المتحدة، بشأن فلسطين 1/12
2 نفسه 1/19
3 نفسه 1/104

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved