أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th July,2000العدد:10167الطبعةالاولـيالأحد 28 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

حقوق الانسان في برنامج الملك فيصل الإصلاحي عام 1382هـ
عبد الله بن ثاني
بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم منذ اكثر من أربعة عشر قرناً من أجل كرامة الإنسان وإخراجه من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن الجهل والظلام الى العلم والنور، فقال في خطبته في حجة الوداع معلنا مبادىء حقوق الإنسان: (ايها الناس إن ربكم واحد، وإن اباكم واحد، فكلكم لآدم وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على اعجمي إلا بالتقوى), والإسلام في تقريره هذه الحقوق سبق الوثائق التي اهتمت بحقوق الإنسان في العالم، من أهمها:
1 الوثيقة الإنجليزية عام 1215م التي صدرت بعد تمرد البارونات على عهد الملك جون ونصت على عدم الاعتداء على الممتلكات والحريات الشخصية.
2 الوثيقة التي صدرت عام 1628م بتأكيد قيود على السلطان وإنكار ظلم الإنسان.
3 وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م ونصت على ان الناس سواسية في المساواة والحرية والحياة.
4 الوثيقة التي صدرت في فرنسا عام 1789م، وقد نصت على ان الناس سواسية في الحرية والحقوق وحق الملكية والأمن وحق المقاومة ضد الظلم.
وبعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945م أعلن العالم إنشاء هيئة الامم المتحدة، وورد في المادة (13) ان من بين وظائف الجمعية العامة الإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء, وورد في المادة (55) من ميثاقها ان هذه الهيئة تعمل على ان تشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز, وورد في المادة (62) ان من بين وظائف المجلس الاقتصادي والاجتماعي ان يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان, وورد في المادة (76) في الفصل الثاني عشر المخصص لنظام الوصاية الدولي أن من بين الاهداف الأساسية لهذا النظام التشجيع على احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية بلا تمييز.
ثم قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصدر في العاشر من ديسمبر عام 1948م ودعت الجمعية العامه للامم المتحدة عام 1950م جميع الدول الى اعتبار يوم العاشر من ديسمبر من كل عام (يوم حقوق الإنسان).
ومثل الملك فيصل رحمه الله المملكة العربية السعودية في التوقيع على ميثاق هيئة الامم المتحدة في سان فرانسسكو عام 1945م وكان خادم الحرمين الشريفين حفظه الله مرافقا له في تلك الزيارة.
برنامج الملك فيصل الإصلاحي
في جمادى الآخرة 1382ه نوفمبر 1962م قدم الأمير الفيصل برنامجه الإصلاحي المكون من عشر نقاط في شكل بيان وزاري، تضمن خطة الحكم ومنهج الإصلاح القائم على احترام حقوق الانسان وحفظ كرامته التي تبناها الإسلام، فأشار في بدايته الى مرحلة التأسيس والصعوبات التي واجهتها الدولة لبناء هذا الكيان الشامخ، وضرورة الاستفادة من موارد البلاد لتطوير الوطن وبناء الإنسان فيه, وقد كان هذا البرنامج في حينه ردا على استفسار دولي صادر من الأحداث العالمية التي وجهت سهامها نحو المسلمين، فعالج الموضع بحكمته المعهودة التي قال عنها نيكسون في كلمته الموجهة للفيصل: (لقد قصدتك لأقتبس منك الحكمة، بالدرجة الأولى) ونجح الفيصل بإقرار هذا البرنامج وتطبيقه على أرض الواقع وتجاوز كل الصعوبات التي واجهته آنذاك بعزيمته وصفاته ومناقبه التي اكتسبها من معلمه الأول الملك عبدالعزيز الذي اهتم به بعد أن اكتشف نبوغه المبكر وشخصيته القيادية، فكلفه بقيادة الحملات العسكرية على الرغم من صغر سنه وأرسله بأكثر من ثلاث عشرة رحلة رسمية بين عامي 1926 1943م وبعد ان بلغ العشرين عينه نائبا عن الملك في الحجاز عام 1344ه وقال عنه دو جوري انه الوحيد من بين الزعماء الذي قابل خلال حياته السياسية أكبر عدد من الساسة والقادة, وقال الخبير العالمي ديفيد أوين: (رجل فذ له من التجارب والمعرفة والخبرة قلما اتيحت إلا لعدد قليل في العالم) وهذا أكسبه خبرة في القيادة والسياسة والإدارة وإنجاز المعاهدات والبروتوكولات.
مبادىء البرنامج الإصلاحي:
اختصر الملك فيصل رحمه الله في هذا البرنامج مبادىء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الثلاثين في عشرة مبادىء:
أولاً: العمل على إصدار نظام أساسي للحكم مستمد من الشريعة الغراء، وقد حدد العناصر الأساسية التي كان سيتضمنها هذا النظام المأمول.
ثانياً: إصدار نظام للمقاطعات، يوضح طريقة الحكم المحلي للمناطق، وقد صدر في عام 1382ه (1963م) وجرى تطويره في عهد مولانا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله .
أراد الفيصل بهذين الإصدارين تفتيت المركزية والانتقال من مرحلة التكوين التي تميزت بالاعتماد على مواهب الأفراد الى مرحلة البناء التي تعتمد على المؤسسات, قال الفيصل: (إن الوقت قد حان لإصدار نظام أساسي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين، بحيث توضع في وضوح كامل المبادىء الاساسية للحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وتنظيم السلطات المختلفة للدولة، تنص على الحقوق الأساسية للمواطن كما كفلتها الشريعة، ومنها حقه في التعبير في حدود العقيدة والنظام العام) وهذا الكلام يتفق تماما مع المادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مؤكدا على ان الولاية أمانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها تحريما مؤكدا ضماناً للحقوق الأساسية للإنسان، ويؤكد ايضا على أن كل إنسان له حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة للبلاد من خلال الوزارات والمؤسسات الحكومية التي من شأنها الرقي بالإنسان وفق الشرعية الإسلامية.
قال الفيصل: (المهم في الحكم ليس الاسم، وإنما التطبيق، فكم من نظام جمهوري فاسد، وكم من نظام ملكي صالح والعكس بالعكس، فالنظام سواء أكان ملكياً أم جمهوريا يجب ان يبرز الخير والتوفيق والرقي وحسن الاستعداد في تجاوب كامل بين الراعي والرعية أما إذا كان كلاهما غير صالح فإنه يولد المقت والاعتراض لدى أي شعب فالأسماء ليست هي العبرة في الحكم ونوعيته، وإنما العبرة في التطبيق وشخصية الحاكم).
ولهذا تبنى الفيصل سياسة الباب المفتوح منذ ان كان نائبا للملك في الحجاز سائرا على نهج والده الملك عبدالعزيز، إذ استعان بالمجلس الاستشاري، ومجلس الشورى، ومجلس الوكلاء وكان يلتقي مباشرة بالمواطنين مرتين في اليوم: مرة للعامة واخرى للخاصة الذين لديهم موضوعات تتطلب مناقشات عميقة, ولم ينس خصوصية هذا الشعب التي يعرفها الآخرون منذ اكثر من اربعة عشر قرناً، فقال: (إن بلادنا تختلف أوضاعها وظروفها عن كل بلاد العالم، فليس بيننا أحزاب ولا عناصر مختلفة ولا اتجاهات متباينة حتى تكون خطرا على اوضاعنا الخاصة، إنما نحن اخوة متحابون).
ويؤيد هذا أن المادة (26) من النظام الأساسي للحكم في المملكة تنص على: (تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الاسلامية).
ثالثاً: العمل على إصدار نظام يضمن استقلال القضاء وحصانته مع إنشاء مجلس أعلى للقضاء ووزارة العدل ونيابة عامة للضرب على ايدي الظالمين والدفاع عن المظلومين.
اكتفى الفيصل بالإسلام مصدرا للتشريع، لأنه اهتم بالإنسان قبل ولادته ويوم ولادته وبعد ولادته، ورفض استيراد الأيدلوجيات الغربية أو الشرقية التي تعالج جانبا وتغفل جوانب اخرى، فقال بمناسبة الاحتفال الذي اقامه اهالي الرياض بعد البيعة: (لكم عليّ أن اراقب الله سبحانه وتعالى في كل ما افعل ولكن عليّ الإخلاص في خدمتي لكم، وأن أعدل بين صغيركم وكبيركم، وأن اطرفكم عندي مساو لاقربكم إليّ في الحق).
ومن ابرز ما قرره في هذا الجانب ان الناس متساوون أمام القضاء، وكل شخص له الحق في اللجوء الى القضاء، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب شرعي، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة ولايجوز القبض على إنسان بريء أو تقييد حريته بلا موجب.
والمتأمل لمحاكمنا الشرعية وأنظمة السجون في بلادنا يجد أنها لا تخرج عن هذه المثل، فالسجن إدارة إصلاح وحفظ للقرآن وحماية للإنسان من أخيه الإنسان, والمتأمل أيضاً في نظام القضاء السعودي القائم على تحكيم شرع الله يجده حصناً للإنسان ضد الظلم والعدوان، يبدأ من اختيار القضاة الذي يتم بطريقة محكمة لا مكان فيها للعواطف بشروط تحقق العدل والمساواة، ومن اهمها: الكفاية العقلية والجسدية لتحمل الأعباء والعلم بأحكام الشريعة الإسلامية، والقدرة على الاجتهاد والافتاء والخلق الكريم، ولم تتردد الدولة في عزل القضاة الذين يفقدون شرطاً من هذه الشروط اللازمة.
وأقر ايضاً الى جانب القضاء نظام ولاية المظالم، ويهدف الى تلقي الشكاوي من المظلومين وفحصها ورد الحقوق المسلوبة الى اصحابها مع ردع الظالمين في حين ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أغفل حقوق الميراث والدفاع عن النفس والعفو التي أقرها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
ووقف هذ الإعلان امام إقامة الحدود الشرعية متناسياً الأضرار المترتبة على عدم إقامتها زاعماً ان تطبيق الشريعة يعارض حقوق الإنسان، وقد فات عليه ان مبادىء الاسلام هي التي حققت الأمن والعدل والمساواة، وكفلت الحريات في تنظيمها علاقة الناس ببعضهم وعلاقتهم بولاتهم وأمرتهم باحترام أهل الذمة الذين يعيشون بينهم، ووصل الأمر بهم الى ان القائد المسلم أخرج جيشه من القرية التي دخلها المسلمون لأنهم لم ينذروا أهلها قبل الدخول فأسلمت تلك القرية بعد أن رأت تسامح الإسلام.
كما انهم زعموا ان حد القتل والسرقة والزنا والقذف والخمر والردة والحرابة والبغي وما فيه من قسوة انتهاك لكرامة الإنسان، ونسوا ان تطبيق هذه الحدود يكفل للأمة حريتها ويحفظ حقوقها وفي زعمهم نقض للمادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه والمادة (12) لا يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة او أسرته او مسكنه او مراسلاته أو الحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل او تلك الحملات .
والمادة (29): (1) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه فرصة لشخصيته ان تنمو نموا حرا كاملا.
والهجوم على هذا المجتمع لتطبيقه شرع الله في السارق والقاتل والزاني والقاذف وشارب الخمر والباغي يناقض هذه المبادىء التي أقرت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي راعت في هجومها المجرم والجاني الذي لم يؤد الواجبات نحو مجتمعه كما في المادة (29) بانتهاكه حرمة أخيه الإنسان ونسيت المجني عليه والمظلوم الذي انتهكت حرمته وشوهت سمعته وسرق ماله وبغي عليه, كما ان هجومهم تدخل تعسفي في حياة المسلمين وهذا مخالف للمادة (3) و(12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, ومازلت أذكر في هذا المقام الملك فيصل عندما سئل عن قطع يد السارق بأنها انتهاك لحقوق الإنسان فأجاب مؤكداً رحمه الله ان ترك السارق بدون عقوبة رادعة يفسد مجتمعنا بأكمله، وتطبيق الحد الشرعي بقطع يده يصلح مجتمعاً بأكمله, مع ان هذا لا يطبق إلا بشروط يجب ان تتوافر قبل القطع, كما ان تدخلهم في حرياتنا الدينية وممارساتنا اليومية وطريقتنا في الحياة فيه نقض ايضا للمادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ولكل شخص حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق في حريته في إظهار دينه او معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر,, .
رابعا: تأسيس مجلس للافتاء يضم نخبة من خيرة الفقهاء والعلماء.
إن تنظيم المؤسسات المعنية بالجوانب الشرعية وإدارات الدعوة والإرشاد ودار الإفتاء وكليات العلوم الشرعية في الجامعات ومعاهد الدراسات الإسلامية وجمعيات تحفيظ القرآن فيه خير عظيم للإنسان، والفيصل في هذا الجانب ضرب أروع الأمثلة بممارساته وخطبه ولقاءاته للرقي بسلوك الإنسان يقول: (كما ان لكم أيها الأخوة الفضل في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا الفضل يستوجب منكم أن تكونوا دعاة خير ودعاة مثل عليا).
خامسا: تقرير واجب المملكة في الدعوة لنشر الاسلام والدفاع عنه قولا وعملا.
لم ينس الفيصل صرعة القومية العربية التي كانت على أشدها في تلك الايام فعالجها بحكمة وروية عندما أطلق صرخته المدوية بالعودة الى الله عن طريق التضامن الإسلامي ونبذ التبعية للشرق او الغرب، والتمسك بالهوية الاسلامية فقال الفيصل: في كلمته الموجهة لأهل جدة: (أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم متعاونين متكاتفين على ما فيه خدمة ديننا وعز وطننا والرقي بأمتنا على هدى سلفنا الصالح وأن نسير الى الأمام في عزة وقوة).
سادسا: إصلاح أوضاع هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يتمشى مع الأهداف السامية للدعوة والإرشاد, اهتم الاسلام بصلاح الفرد الذي ينعكس صلاحه على صلاح المجتمع، فأقر نظام الحسبة لسيادة شرع الله في ارضه، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، من خلال مراقبة سلوك الناس من تجسس وتطفيف في الميزان وتدليس في البيع وغش في المطاعم وبيع الأشياء المحظورة والاحتكار.
وكان الفيصل دائم النصح لأمته ومن ذلك قوله: (أول ما نطلب منكم تقوى الله والتمسك بتعليم دينه وأحكام شريعته فذلك اساس عدتنا وهو مرد حكمنا وسر قوتنا).
سابعاً: النهوض بالمستوى الاجتماعي للامة، وتكفل الدولة بالعلاج، والتعليم، وإعانات الاستهلاك، وتوفير الضمان الاجتماعي، وإحداث نظام للعمال، والا تطغى الدولة على الحريات الفردية والحقوق مع توفير وسائل التسلية للمواطنين.
التنظيم الحديث الذي نهجه الفيصل نهض بالمستوى الاجتماعي للامة، فحققت العديد من برامج التنمية الاجتماعية كان من ابرزها إنشاء مراكز التنمية والخدمة الاجتماعية والتأهيل والرعاية والاندية والجمعيات الخيرية والتعاونية والضمان الاجتماعي والتأمينات وأنشئت صناديق الإقراض التي تتيح لمن لديه ميول واستعداد للعمل في أي ميدان من ميادين التنمية ان يقترض منها مثل صندوق التنمية الصناعية والبنك الزراعي.
وسعت الدولة الى حل مشكلة السكن بمنح المواطنين الاراضي اللازمة، لإقامة المساكن عليها ومنحهم قروضاً ميسرة من دون فوائد عن طريق صندوق التنمية العقاري ويسبق ذلك اختيار للمرافق الحكومية في كل حي, وفي توطينه البادية رحمة للانسان من شقاء الترحال وأسباب الإبادة.
كما أنشئت مصلحة الأشغال العامة لتصميم المشروعات العمرانية الكبرى، وحولت الطرق التي تربط المدن ببعضها الى طرق سريعة وانشئت مؤسسة الخطوط الجوية السعودية والموانىء وسكك الحديد، وكان حريصاً اشد الحرص على تنمية الموارد البشرية وتوظيف المال لبناء الرجل والمرأة في هذا الوطن قال الفيصل: إن مسئولية الدولة ليست فقط في وضع الموازنة ولكنها تتعداها الى ان تنفذ ما التزمت به هذه الميزانية .
كما اتجه الفيصل الى تلبية احتياج الإنسان للعلاج فوضعت برامج لعلاج الحالات الصعبة في الخارج، ثم أنشئت المستشفيات العامة، والمتخصصة ومراكز الأبحاث لتوفير العلاج، وأنشئت كليات الطب والمستشفيات الجامعية في الجامعات، وشجعت الدولة الاجهزة كوزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني على انشاء المستشفيات، وساعدت وزارة الصحة وصندوق التنمية الصناعية القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال.
كما اهتمت الدولة بالمحافظة على البيئة، فتمت عمليات السفلتة والإنارة وتصريف السيول وتوفير المسالخ والأسواق وغيرها من المرافق العامة، كا انشئت ادارة عامة لتخطيط المدن على احسن الطرق.
ووقف الفيصل بحزم في سبيل إدخال تعليم المرأة رسميا عام 1380ه 1960م وقال: إن الدولة ستفتح مدارس لتعليم الفتاة لكنها لن تجبر أحدا على ذلك , ورعت الدولة في كل ذلك ما يتعلق وينسجم مع طبيعة المرأة في الاسلام وظروف المجتمع وعاداته.
وتطور التعليم العام بمراحله المختلفة إذ انتشر في المدن والقرى والهجر، والبادية والحاضرة، وشهدت المناطق النائية المدارس المتنقلة وشهد التعليم حتى عهده افتتاح خمس جامعات وعددا كبيرا من الكليات والمعاهد العسكرية والفنية والمهنية، وصدرت وثيقة أساسية التعليم في المملكة ونظام الجامعات والدراسات العليا والبحوث، وكان همه القضاء على الأمية والتوسع في البعثات الدراسية، والتعاقد مع المدرسين من مختلف الدول لرفع الجهل عن الإنسان بل ان الدولة تدفع مبلغا من المال لمن يتفرغ للدراسة.
وأحدث الفيصل نظاما للعمل والعمال ينظم شؤونهم ويحفظ حقوقهم.
كما أصدر الأنظمة التي تحفظ الحريات الفردية والحقوق العامة وفق ضوابط الشريعة الاسلامية، فالانسان يتمتع بكامل حريته في الجهر بالحق وإسداء النصيحة يدل على ذلك قوله: نحن بحاجة الى التوجيه وفي كل الحقول، وأنا شخصياً أقبل كل رأي وكل فكرة وإن اختلفت عن رأيي، وهذا لا يجعلني أقف ضدها ولكني أبحثها وانظر فيها حسب المصلحة , واهتم بما يحفظ للانسان كرامته ويصون مصالح كل من الفرد والمجتمع وإفشاء الأسرار والإطراء المبتذل قال الفيصل: إننا في مشروعاتنا الإعلامية، لا نهدف لأن تكون وسيلة لنشر المديح او الثناء أو الإطراء للحكومة او للمسئولين او أي فرد في هذه البلاد، إنما نريدها لنشر الفضيلة والحق وتوعية المواطنين والمقيمين الى ما فيه خير دينهم ودنياهم، وهذا ما نهدف إليه وما يؤكده واقعنا، ونحن سائرون في سبيل الله معتمدون عليه في تأكيد الدعوة الى الله والى الحق والسلام والمحبة .
ونلحظ تناقضا في المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان مع المصلحة, مادة (16) (1): للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس اسرة دون أي قيد بسبب العرق او الجنسية او الدين وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
فتحقيق هذا على اطلاقه لا يمكن ان ينصف الإنسان، وما العرق والجنسية والدين الا أسباب تؤدي الى نجاح الزواج والمحافظة على الإنسان وكرامته بعد تكوين الاسرة.
(3) الأسرة هي الخلية الطبيعية الاساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.
وهذا المبدأ يتعارض مع فكرتهم التي تحمي المجرم الذي اعتدى على هذه الأسرة فقتل منها او سرق مالها او قذفها، فتؤيده وتحرص على المحافظة على كرامته التي اهدرها بيده، وأعجب العجب عندما تحافظ دولة مثل المملكة العربية السعودية انطلاقا من قولهم: ولها (الاسرة) حق التمتع بحماية الدولة والمجتمع على كيان الأسرة بأن تحمي الرجل والمرأة والأطفال من القذف والتشويه والسرقة والقتل والبغي تعد في نظرهم منتهكة لحقوق الانسان وهم قد أقروا في المادة (16) رقم (3) ان الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة وهذا المجرم الذي يحرصون عليه خالف ما جاء في المادة (29) رقم (1) التي تنص على ان على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه فرصة لشخصية ان تنمو نموا حرا كاملا، (2) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحريته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي .
فوقوف منظمة العفو الدولية امام تطبيق شرع الله في الأرض إنما هو انتهاك لكرامة اكثر من مليار مسلم، وهذا لا يليق بمنظمة تدعي حفظ كرامة الانسان ان تخالف تلك المبادىء بهجومها على حرياتهم ومعتقداتهم وشعائرهم وعاداتهم.
ثامناً: العمل على اصدار مجموعة من الأنظمة لتنظيم النشاط الاقتصادي بما يتفق مع الشريعة الخالدة.
تاسعا: وضع برامج إصلاحية لإنعاش الحركة الاقتصادية فالطرق والمياه والزراعة والسدود والصناعة والمرافق العامة واستثمار المعادن.
وضع الفيصل حلولا مناسبة للأزمة المالية التي تعرضت لها البلاد عام 1376ه إذ تجاوزت المصروفات حدود الإمكانات المالية للايرادات بضبط المصروفات عند الحد الضروري وإسناد وزارة المالية الى كفاءة قوية وهو سمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن مدة أربعة عشر عاما، والاستعانة بالخبرات الدولية لتنظيم مؤسسة النقد، يقول بنواميشان: وفي اقل من ثلاث سنوات نجح الفيصل في تصحيح الوضع المالي، ثم اعاد الى ميزان المدفوعات توازنه والى الريال قوته الحقيقية ووضع حدا للتبذير والإسراف وكافح استغلال النفوذ والمحاباة، وخفض المخصصات ودعم سلطات الملك، ونفوذ الحكومة، وظهرت على الفور إدارة جديدة في ظلها صلبت الإدارة واستؤنفت المشروعات الكبيرة وازدهرت التجارة وعادت منحنيات الإحصاء الى اتجاهاتها التصاعدية .
ويقول د, مجيد خدوري: فلقد أدرك انه لا يمكن لهذه البلاد ان تبقى طويلا دون ركوب موجة التقدم والإفادة منها وكان هدفه تحويل البلاد الى دولة عصرية يؤيد ذلك قول الفيصل: علينا ان نلحق بركب العالم المعاصر ونحتل فيه مكانا محترماً، شئنا ام أبينا .
وبعد ان اجتازت المملكة الظروف المالية السابقة صدر مرسوم بتكوين المجلس الأعلى للتخطيط برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية ستة من الوزراء لرسم سياسة الإنماء الاقتصادي وتنسيقها بين الوزارات والإشراف عليها، وفي عام 1385ه صدر مرسوم بتحويل هذا المجلس الى هيئة مركزية عليا، وكان لاعداد الخطة الخمسية الاولى للتنمية صدى كبيرا من اجل بناء الإنسان في هذه البلاد, وكان حريصاً على تقدم هذا الشعب, قال في افتتاح كلية البترول والمعادن بالظهران: وهذا المعهد سيكون من اهم المعاهد لا اقول في المنطقة ولكن يمكن من اهم المعاهد في العالم وقال ايضا: وليس مهما ان نبني معاهد ولا ان نحتفل بافتتاح المعاهد ولكن المهم ان نسعى جهد طاقتنا في ان نستفيد من هذه المعاهد وأن نحقق آمال أمتنا فينا وان نجد بين أبنائنا الطموحين من يسعون الى مستقبل زاهر .
عاشرا: تحرير الرقيق وإلغاء الرق إلغاء مطلقا.
تمسك الفيصل بتوجيه الاسلام العظيم لإقرار حرية الإنسان من استبداد أخيه الإنسان ووقوفه بحزم امام قضية تحرير الرقيق وقضية تعليم المرأة يدل على جانبه الإنساني العظيم, وهذا المبدأ يتفق مع المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: لا يجوز استرقاق او استعباد أي شخص ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها .
وبعد هذا,, لا يسعني الا ان اذكر عندما طلب من الملك فيصل ان يتحدث عن والده وقال: ليس من اليسير ان اتحدث عن والدي كملك، لأن ذلك من حق التاريخ وحده ونحن نقول أيضا ليس من اليسير ان نتحدث عنك كملك لأن ذلك من حق التاريخ وحده، لكنه تاريخ حي يعيش بيننا يرد بأدلة قوية على أولئك الحاقدين والظالمين والمنتهكين لحقوق الشعوب في تدخلاتهم من اجل إنصاف الإنسان الذي انتهكوا كرامته في قرون من خلال التشريعات والأنظمة والحروب وكأنهم نسوا نظام الإقطاع وامتيازات النبلاء ورجال الكنائس واستعباد الطبقات الكادحة والمحاكمات بطرق التحكيم الكنسي ومحاكم التفتيش، والقنابل النووية وسرقة ثروات الشعوب بحجة الاستعمار ومنح ارض عربية لليهود الذين انتهكوا الأعراض والحرمات بمباركة من مدعي حفظ حقوق الانسان, والعجب انهم يوجهون انتقادا لبلاد دستورها الاسلام الذي حفظ الحريات منذ اكثر من اربعة عشر قرنا، ونسوا ما فعله ستالين ولينين وهتلر في الإنسان قبل سنوات، بل إنهم ارغموا الشعب التركي المسلم قبل ايام على اكل لحم الخنزير وترك الأضاحي والأكلات الشعبية وطلبوا منه ان ينسلخ من هويته الاسلامية حتى تنضم تركيا للاتحاد الاوروبي, فأي حقوق يحفظها هؤلاء.
واخيرا ان هذه الدعوة في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وترتبط ارتباطا وثيقا بحالة العلاقات بين الدول لأنه تبين من الممارسات العملية انه لا يستخدم هذا الهجوم والتشهير الا حينما تسوء العلاقات بين الدول، فهي اسلوب ضغط لا يحمل أي هدف إنساني, فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
والله من وراء القصد.
*المحاضر في كلية اللغة العربية جامعة الامام

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved