أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th July,2000العدد:10167الطبعةالاولـيالأحد 28 ,ربيع الثاني 1421

الاقتصادية

السياحة فكراً وفعلاً!!
منى عبدالله الذكير
هناك نوعان من السياحة، أحدهما فكرية وجدانية، والأخرى حركية: بمعنى تحتاج الى أن تغادر مكانا وتنتقل الى مكان آخر للفرجة، للراحة، للعمل وغير ذلك,, هكذا أفلسف الأمور في وقت راحتي وهي نادرة، وان لم أغادر مكاني ففي أعماقي براكين تثور، تموج، أفكار، مشاعر، رغبات، تكون كينونتي الآنية, عندما قرأت عن النية في انشاء ادارة مستقلة للسياحة,, فرحت,, الترحال داخل بلدنا المملكة، كان ومنذ قرون عالما مستقلا بذاته,, الكتب والأسفار التي وضعها الرحالة والمسافرون والحجاج تجسد صورة متألقة لأمواج البشر الذين شدهم سحر الصحاري وبريق الأحلام فعبروا المفاوز والقفار,, انها الجزيرة بكل فتنتها منذ القدم,, الذكريات هي نوع من السياحة اللذيذة تحملك، تنقلك الى حيث تريد ترفرف الذكريات على خاطري، فترسم الابتسامة فوق شفتي أحيانا، وحينا ترسم الألم,, ولكن رغم ذلك أحب ذكرياتي حلوها ومرها، هي جزء مني، هي خبراتي وبداية معرفتي في الحياة.
انها مخزون أيامي الراحلات,, كانت من قبل معاناة وحياة، عواطف متداخلة يتخللها الغموض أحيانا والوضوح حينا آخر كانت آمال تنتظر التحقق وأخرى خبت وغيرها كثير تحققت وأسعدتني في زمن ما.
يسير جدول الذكريات يحملني معه في سياحة داخلية في أعماق قلبي ووجداني، ترافقني أنات ألم، وأهازيج فرح، ذكرياتي سيل من الجراحات، والصمت والسعادة, تهب ذكرياتي ساعات كنسمة الفجر الندية,, تفتح الأزهار وتعطر الغيوم، وتعصف ساعات بريح تقتلع نبات الصبر والهدوء,, وتهطل حينا كرذاذ المطر الربيعي ناعما رقيقا.
هكذا انتهت سياحتي الوجدانية، لأعود في صحوة العمل الى المملكة العربية التي تسابق الزمن في الأخذ بكل المستجدات العصرية ذات الفائدة لأبنائها وتجسد الفكر الى عمل رائع متقن يبدو من خلاله تراثنا العظيم الذي يميزنا كأمة وكشعب, العاصمة الرياض مدينة الثقافة والتاريخ منفذ المملكة نحو العالم نحو الضياء, مدينة جدة مدينة البحر الأحمر,, تتكسر أمواجه عند حوافيها, السياحة الآن تأخذك الى مناطق وأماكن، والى مدن الحلم,, داخل المملكة العريقة بقراها وواحاتها الرائعة.
الخليج العربي بسكونه بعبثه وصخبه هو حاضن المنطقة الشرقية من المملكة العربية,, نتوقف عنده نفترق من جمالاته,, ويقع بين يدي كتاب ساحل الذهب الأسود تأخذني السياحة الفكرية من جديد الى ذلك اليوم عندما قمنا برحلة الى القطيف,, كانت أول مرة في حياتي أتسرب الى أعماق الشرقية,, فنحن سكان مدينة الخبر,, نعشقها لا ننتمي لغيرها، هي الحبيبة الفاتنة تشغلنا عن كل المدن والجميلات الأخريات,, ولكن كما العشق يربطك بحبال غير مرئية لمن يهواه فؤادك,, بالقطع الآخرون يعيشون ذات العشق مع مدنهم,, فكان بعض عاشقي القطيف أهدوني ذلك الكتاب، قبل سنوات مع سيل جارف من الحب والاعجاب لمؤلفه المرحوم محمد سعيد المسلم مثقف من أبناء القطيف,, كان لم يزل يعيش بيننا,, وجاء صوته واهنا عبر الهاتف يدعونا لزيارة القطيف بعد ان علم باعجابي الشديد بكتاباته بعد ان قرأت مؤلفه وقد ذهبنا وقمنا بزيارته كان يعاني المرض والعناء ولكنه مثقل بالذكريات والحب لمدينته القطيف واحة المنطقة الشرقية ذات النخيل والأعناب التي تحتضن أضخم احتياطي بترولي عالمي,, وعندما سمعت بوفاته رحمه الله شعرت بحزن حقيقي وأيضا بأسف,, لأنني لم أكرر الزيارة ولم أسجل له حديثا مطولا عن ذكرياته وحياته الطويلة الحافلة عن بقعة كانت تموج بالأحداث والمواقع.
الكتاب يعتبر القطيف بوابة المملكة على الخليج العربي، ذلك البحر الذي اشتهر منذ القدم بمصائد اللؤلؤ الطبيعي، وتصدير التوابل والعطور الى انحاء العالم وكانت القطيف بحكم موقعها الاستراتيجي مع الخليج همزة وصل بين الشرق والغرب.
وقد لعبت هذه المنطقة دورا خطيرا في التاريخ، فانبثقت منها حضارة الفينيقيين والجرهانيين وغيرهم وتعتبر بحق خزان البترول العالمي الذي يحوي أضخم احتياطي من النفط في سطح الكرة الأرضية بذلك تسمى ساحل الذهب الأسود القطيف واحة خضراء تحتضن المدينة التاريخية التي شهدت أمما كثيرة وحضارات شتى والقطيف مشتق من القطف، من العنب ونحوه من الفاكهة, ويؤكد الجيولوجيون حقيقة أغرب من الخيال مؤداها، ان هذه المنطقة وما جاورها من صحاري كانت فيما مضى من الزمن مغمورة بالماء، تسرح فيها الحيتان، وقاعها ورمالها كانت منبتا لمحار اللؤلؤ ويؤكدون على تلك الحقيقة بما وجدوه من رواسب بحرية، ووجود النفط تحت أرضها, وأحوالها الطبيعية تلتقي فيها ثلاثة مظاهر البحر، الجبل، والصحراء فتزداد نسبة البرودة في فصل الشتاء، وحينما تهب الرياح يكون المناخ دافئا، وتهب عليها رياح موسمية حارة خلال شهري مايو ويونيو أي أشهر الصيف، تعرف بالبوايح، وتحمل معها الأتربة والغبار، ولها تأثير كبير على نضج البلح.
واحة القطيف ذات بساتين غناء تتناثر خلالها عدة مدن وقرى أهمها وأكبرها مدينة القطيف التي تعتبر من أعرق المدن التاريخية، وذكر المؤرخ الطبري بأن أردشير بن بابك 226/241م مؤسس الدولة الساسانية قد بنى مدينة بهذا الموقع وسماها فا اردشير ويقال انه بنى سورها من جثث أهلها الذين شقوا عصا الطاعة ضده, وقد علقت بها بعض الأسماء الفارسية مثل دروازة وكانت تطلق على كل بوابة فيها، كما ان اسم خان وهو بمعنى النزل أو الفندق كان يطلق على أحد أحيائها, ولمدينة القطيف مدخلان رئيسيان، أحدهما في الناحية الجنوبية ويتجه الى مدينة الدمام، وثانيهما يمر برأس تنورة والجبيل.
ومدينة القطيف تتألف من عدد من الأحياء القديمة هي، الشويكة، الدبابية، الشربعة والجراري,, أما الأحياء الجديدة فقد امتدت من جميع الجهات لا سيما الناحية البحرية.
وقد كان للانفجار السكاني، والازدهار العمراني، ونمو الوضع الاقتصادي، وإنشاء صندوق التنمية العقارية، ومشروع تملك البيوت أكبر الأثر في امتداد العمران والأحياء الجديدة ومنها حي البساتين، البديعة، الامارة، الشماسية، وغيرها.
وتعتبر القطيف المركز الاداري لجميع مدن الواحة وقراها, الرحلة في مختلف ربوع المملكة تحتاج الى سنوات,, في الولايات المتحدة عندما قمت بزيارتها مرات عديدة، في كل مكان كنا نذهب اليه كسواح أجانب نتطلع مبهورين بمظاهر الحضارة والمنشآت الضخمة العملاقة، كنت أشاهد نفس الذهول والاعجاب، وأسمع صيحات الدهشة من العديد من السياح الأمريكان أنفسهم ممن يأتون من ولايات مختلفة داخل أمريكا ومن مدن متباعدة لرؤية ربوع بلدهم,, انها السياحة الداخلية,, حقا,, من الأوجب أولا أن يرى الانسان ثنايا بيته ثم ينطلق الى العالم الفسيح ليقارن بين الجمالات المختلفة,, وبالطبع ستكون النتيجة في الأخير لصالح بيته ووطنه.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved