أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th July,2000العدد:10167الطبعةالاولـيالأحد 28 ,ربيع الثاني 1421

وَرّاق الجزيرة

عدد جديد من مجلة الدراسا
كتاب الكنز المدفون والفلك المشحون,, ليس للسيوطي
إبراهيم باجس عبدالمجيد*
جلال الدين السيوطي (849 - 911) من العلماء الذين لاقوا اهتماماً بالغاً، ونالوا شهرة واسعة وصيتاً ذائعاً في مجال التأليف والكتابة, فلاتجد أحداً ممن له أدنى اهتمام بكتب التراث يجهل السيوطي، وذلك لكثرة مؤلفاته وشيوعها وانتشارها، وكذلك لتعدد المجالات التي طرقتها؛ فما من فن من فنون العلم إلا وطرقه السيوطي وكتب فيه، ما بين كتاب كبير في مجلدات، ورسالة صغيرة في وريقات أو ربما ورقة، لا بل حتى بعض ورقة.
ولشهرة هذا الإمام وذيوع صيته، فقد نسبت إليه بعض الكتب التي ليست من تأليفه، والتي لاتصح نسبتها إليه بحال من الأحوال، مثال ذلك الكتاب المطبوع بعنوان الكنز المدفون والفلك المشحون , فقد طبع هذا الكتاب منسوباً إلى الجلال السيوطي في مطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة سنة 1412ه ، وقبلها طبع سنة 1288ه في بولاق، وكذلك طبع سنة 1303ه بمطبعة عثمان عبد الرزاق في مصر.
وهذا الكتاب عبارة عن كناش او كشكول يحوي موضوعات متفرقة من العلوم والفنون، وضعها مؤلفها كمفكرة شخصية يستعين بها عند الكتابة في موضوع معين من خلال الملحوظات التي دونها, ففي هذا الكتاب تجد الأدب والشعر والفقه والحديث والجغرافيا والطب والفلك وغير ذلك الكثير من العلوم والفنون.
وإن كان للسيوطي كتاب يحمل العنوان نفسه، أي الكنز المدفون ، فإن هذا الكتاب المطبوع ليس له ولاتصح نسبته إليه، وقراءة متأنية فاحصة تدحض هذه النسبة، وتبين أنه ألف قبل عصر السيوطي بقرن من الزمان تقريباً، أي في القرن الثامن الهجري، وإليك بعض الشواهد التي تبين ذلك وتؤكده:
1- قال ص161: اجتمعت بالأخ في الله ناصر الدين ابن الميلق بالقدس في ثالث عشرين من شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة.
قلت: وابن الميلق هو أبو المعالي ناصر الدين المعروف بابن الميلق، ويختصر فيقال: ابن الميلق توفي سنة 797ه وهو مترجم في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني3/494.
ومن هذا النص يتبين أن الكتاب ألف قبل السيوطي بفترة ليست بالقصيرة، حيث إن مولد السيوطي كان سنة 849ه، أي بعد اجتماع (المؤلف) بابن الميلق باثنتين وثمانين سنة.
2- ثم إن (المؤلف) كان حياً قبل النصف الأول من القرن الثامن الهجري، حيث يذكر في ثنايا كتابه الإمام الذهبي أكثر من مرة وينص على أنه من شيوخه، فمن ذلك قوله ص 179: ومن تاريخ شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي,,.
بل إنه يروي عنه مباشرة، فيقول ص 192: أخبرنا شيخنا الحافظ الذهبي رحمه الله,.
والمعروف أن الحافظ الذهبي توفي سنة 748ه، أي قبل ولادة السيوطي بقرن من الزمان، فكيف يكون الذهبي من شيوخه؟.
3- وشاهد آخر يدلل على أن (المؤلف) كان حياً في القرن الثامن الهجري قوله ص 249: أنشدني أبوالعباس أحمد بن عبد المعطي - نفع الله به - لنفسه في المسجد الحرام في شهر ذي القعدة سنة أربع وستين وسبعمائة، فقال,,, وأورد منظمة رائية.
4- قوله ص 281: للشيخ إسماعيل الزمزمي نفع الله به ,,, وأورد له منظومة, فقوله: نفع الله به يعني أنه كان على قيد الحياة ولما يمت بعد، وإلا لاستخدم عبارة رحمه الله كما هو جار عادة الكتاب والمؤلفين في الترحم على من مات والدعاء بالبقاء وطول العمر لمن هو حي.
والزمزمي هو إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبدالله بن رستم مجد الدين أبو الطاهر البيضاوي ثم المكي الزمزمي المكي الشافعي المؤذن, هكذا سماه السخاوي في الضوء اللامع 2/302، وقال: عنه ولد سنة 766 بمكة، وتوفي بها سنة 838, فهو من رجال القرن الثامن الهجري، وتوفي قبل ولادة السيوطي بإحدى عشرة سنة.
5- قال (المؤلف) ص 302 في معرض حديثه عن النصارى ورهبانهم: ولقد رأيت بعض بيعهم بالدير الكبير في الجبل البحري بالقرب من أنطاكية.
قلت: قد ارتحل الجلال السيوطي إلى العديد من البلدان طلباً للعلم، وليس من بينها أنطاكية، فلم يذكرها ضمن البلدان التي ارتحل إليها عندما ترجم لنفسه في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة .
ثم إن هذا الكتاب قد أدخل فيه أشياء ليست من وضع (المؤلف) الحقيقي، كما ورد ص 231 عند حديثه عن مواضيع إمالة (أنى) في القرآن الكريم، حيث قال: وقد نظم تلك المواضيع المذكورة عند مطالعة هذه الفائدة كاتبه العبد الفقير إلى الله محيي الدين الغزي، فقال,,,, ثم أورد الأبيات.
فمن هنا يتبين لنا ان هناك زيادات في أصل الكتاب أضافها نساخ نسخه المخطوطة، ومن بينهم كاتب النسخة المعتمدة في الطبع، وهو محيي الدين الغزي.
من هذه الشواهد المتقدم ذكرها يتبين لنا عدم صحة نسبة هذا الكتاب المطبوع للإمام السيوطي، وإن كان له مؤلف يحمل العنوان نفسه.
وإذا لم يكن السيوطي مؤلف الكتاب، فمن هو مؤلفه الحقيقي؟
يمكننا الإجابة على هذا السؤال من خلال إشارة عابرة أودها (المؤلف) ذكر فيها اسمه ومذهبه الفقهي، حيث قال ص167: الحمد لله من كلام كاتبه جامع هذا الكتاب الفقير (ي و ن س ا ل م ا ل ك ي )، وأورد منظمة له في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذا نص واضح وصريح في تحديد الاسم الحقيقي لمؤلف الكتاب، وهو يونس المالكي, وفي الوقت نفسه هو دليل قاطع على نفي نسبة الكتاب للسيوطي.
لكن من هو يونس المالكي هذا؟ في الحقيقة لم تسعفنا المصادر والمراجع المتوفرة بين أيدينا في ذكر ترجمة له ولو مختصرة، إلا ما جاء في كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 2/1519، حيث قال: الكنز المدفون والفلك المشحون, مجموعة جمعها يونس المالكي المتوفى سنة ,,, ولم يزد على ذلك، ولعله اعتمد على ما جاء في الكتاب نفسه من تلك الإشارة العابرة التي ذكرت فيه وحددت اسم مؤلفه بالحروف المقطعة كما ذكرنا آنفاً.
و بعد، فلعلنا نكون قد أوضحنا وهماً وقع فيه كثير من الباحثين وهو خطأ نسبة كتاب لعلم مشهور مثل السيوطي، ويبقى الباب مفتوحاً أمام الباحثين والدارسين للعثور على ترجمة مفصلة للمؤلف الحقيقي، وهو يونس المالكي.
* باحث دراسات تراثية
أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved