أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 3rd August,2000العدد:10171الطبعةالاولـيالخميس 3 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

نهار جديد
استبعاد المقاييس الأخلاقية من الشعر
عبد الله سعد اللحيدان
من المفاهيم التي اكتشفها الشاعر الجديد،في مسار تطوّره وتحوّلاته ومغامراته،مفهوم لم يكن يرد على ألسنة الشعراء والنقاد القدامى وربّما لم يفكّروا فيه بشكل جاد يتناسب مع القدر الذي يملكه هذا المفهوم من الأهمية في العملية الإبداعية،وهو التجربة .
وإذا كانت التجارب الحياتية كثيرة ومتنوعة،فما علاقتها بالتجربة الشعرية،والى أي حدّ تصبح التجربة الحياتية مهمة في صياغة التجربة الشعرية، وما هي التجربة الإبداعية ومتى وكيف تلتقي بالتجارب الحياتية وتفترق أو تستقل عنها؟
هل التجربة الشعرية هي رؤيا الشاعر،أم ان رؤياه مجرد عنصر من عناصر هذه التجربة،أم ان التجربة الشعرية هي موقف الشاعر، وهل الموقف هو الرؤيا أم هو ناتج عنها، وكيف تنتظم هذه الجدلية وتتجسّد في النص ؟، وهل التجارب الحياتية المؤثرة في هذه التجربة الشعرية هي تجارب الشاعر الذاتية فقط، أم يمكن أن يضيف اليها تجارب المجتمع والأمة والعصر من خلال معايشته أو قراءته أو تأمله لها؟
وإذا كانت التجربة الشعرية تجسيدا وخلاصة لتجارب وخبرات ذاتية ونفسية واجتماعية، استطاع الشاعر ان يتجاوز بها ذاتيته لتتطابق وتتمازج مع الذوات الأخرى، معبرا في تجربته الشعرية عن كل ذات، في تجاوز فني واختراق شعري لحواجز الزمان والمكان، فما هي عناصر هذه التجربة الشعرية ومكوناتها,, وكيف تتشكل,, وكيف يمكن قراءتها ومجادلتها والاستمتاع بها أيضا,, ومعرفة مدى صدق الشاعرفنيا في تجربته، وهل تدخل الخبرات الفنية والتقنيات المكتسبة من السياق وأعرافه في عناصر وصياغة هذه التجربة الى جانب (الرؤى والأفكار والذوق والحس والعواطف والصور والموسيقى).
وإذا كانت التجربة عند الرمزيّين ( حالة نفسية لا واعية يعجز الإدراك عن تحديدها)- حسب د,خليل أبو بهجة في دراسته لآراء الآخرين حول هذه القضية- فهل يمكنعلى الأقل تحديد عناصرها او بعضها، وهل حقيقة ان هذه العناصر كثيرة وان اهمها( رؤيا الشاعر، اي موقفه من العالم والمعرفة،والفرق بين موقف شاعر جديد وشاعر قديم من الحب والمرأة، من الآخر، من الكون ، ولغة الشاعر لمعرفة الفرق بين الجسد الذي اتخذته القصيدة القديمة والذي اتخذته القصيدة الجديدة ،والانتباه الى ان الاساس في هذه العناصر هو الرؤيا او الموقف), ثم،ما مدى مشاركة الشاعر في تشكيل رؤى ومواقف الآخرين،ومتى يستطيع امتلاك القدرة التي تؤهله لاجتراح مثل هذا التشكيل والنجاح فيه؟.
وهذا ما يستدعي السؤال الأكثر دقة وخطورة وسهولة ممتنعة، وهو : ما هو الصدق الفني وإذا كان الصدق الفني هو( الصدق الواقعي متكاملا مع الصدق العاطفي متكاملا مع صدق التجربة) فما هي معايير اختبار هذه الأنواع من الصدق من خلال قراءة التجربة الشعرية في شكلها النهائي للحكم على صدق الشاعر فنيا (مع استبعاد المقاييس الأخلاقية التقويمية، وعدم النظر الى الصور والمعاني من حيث مطابقتها لما في الواقع او عكسه).
وهل يكفي للحكم على الصدق الفني ان نعرف ان الشاعر قد مر بمراحل(معايشة التجربة،والانفعال العميق وتكوّن الرؤيا الشعرية والتعبير الجميل عن هذا الانفعال) وإذا كان ذلك يكفي، فمن أين يتأتى لنا العلم بأن الشاعر عايش التجربة فعلاً وانفعل بها انفعالا عميقا حتى تكونت رؤيته الشعرية,, ثم عبر عن هذا الانفعال بصدق، ثم هل عايش التجربة في الواقع والحياة المعاشة ام في الخيالات والأوهام,, وهل كان مصدرها الفكر والتأمل أم الإلهام، وهل أبدعها أم استعارها؟.
وإذا كان بعضهم قد قال : ان من الضروري( ربط الصدق الفني بالتجربة الشعرية وما يلحقها من معاناة وتفاعل بين الذات والكون والوجود,, لأن من لا يعاني ولا يحيا تجاربه ولا يغوص الى أعماق الحياة بما فيها من فرح مؤلم وألم عذب,, لا يعرف كيف يرسم صورة او يكتب سطراً) والآخر قد قال( الشعر الصادق لا يصدر إلا عن الأصلاء وحدهم ممن يعانون التجربة لكنهم لا يقتصرون في معاناتهم على الانفعالات الحياتية وانما يدخلون الى عمق القضية الفكرية والكشف الإنساني الرائي والاخلاص الحميم والحماسة الملتهبة في التعاطي مع التجربة، وحينئذ يبعد الشاعر عن شعره السرد والوصف ويملؤه انبعاثا وحياة,, ويغدو من خلاله فاعلا مبدعا لبيئته,, خالدا سرمديا) وهل حقيقة ان (من أهم العوامل المساعدة على توفير الصدق الفني واكتمال مقاييسه وبلورة أدواره:توفر الصلة بين السلوك والتجربة الفنية، وظهور عمق الصلة في العمل الأدبي، لأن امتلاك النص الأدبي لمفهوم الصدق يجعله ذا أهمية كبرى ويبعد ما فيه عن الافتعال والسطحية ويقربه من الحقيقة الفنية).
ثم، هل مقاييس الصدق الفني (تتمثل في مدى اتصال الأثر الأدبي بوجدان الكاتب وبمدى تعبيره عن الانفعالات الحقيقية التي تثيرها الحياة الواقعة في ذلك الوجدان، ويبقى الدور الذي يؤديه الصدق الفني فيتلاحم مع بقية أنواع الصدق ليبرز التفجرات العاطفية المتلاحقة التي تشكل لُحمة بها نسائج البناء الفني والعاطفي معاً).
وهكذا أصبح من أهم ميزات الشعر الجديد، ومن افضاله على الثقافة العربية أنه فجّر ويفجّر مئات الأسئلة، ثقافيا واجتماعيا، جسديا وروحيا، ماديا ومعنويا، ما يُعرف منها وما لا يعرف، وما يقال,, وما لا يمكن ان يقال إلا شعرا.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved