أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 3rd August,2000العدد:10171الطبعةالاولـيالخميس 3 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
عن الغموض,, والكتابة عبر النوعية!
ريمة مبارك الخميس
كثير مما يرمي به النص من اتهامات بالغموض والاستغلاق باطل، وكثير من اشكال الغموض بالمقابل افتعال يخرج بالنص أساسا من دائرة الفن، فلا يعود ذلك النص قابلا للتصدي بالدفع، او التحرش للاتهام بالصعوبة او الغموض طالما انه قد فقد شروطه الاولى والأساسية للجنس الأدبي الذي ينتمي اليه وسقطت عنه شخصيته الاعتبارية كابداع فني.
هذان وجهان يتشابهان حد اختلاط الأمر، فلا نميز لانفسنا موقفا محددا من قضية الغموض يكون مؤسسا على يقين معرفي، اذ يصبح ما نرمي به نصا محكما وجميلا من غموض تشريفا لذلك النص، وما نعلنه من غموض نص رديء دفعا بعمل اجتسر على الفن الى ارض لا ينتمي اليها.
ودون ان نتوقف عند قضية الغموض الآن في وقت يفرد الزميل فهد العتيق لها على هذه الصفحات جهدا مميزا قد اشاركه في مداخلاته مع طرحه بعد ان يكتمل اكتفي باشارة سريعة الى ان ذلك الغموض الشفيف في نص ناضج، حين لا تسلم لنا تجربته نفسها مباشرة، وتستنفر فينا كل طاقاتنا وذكائنا وثقافتنا، تراوغنا بفرار من قبضة الفهم، ونحاصرها فتكشف عن اشراقة وجه، كأنما تبادلنا فرحا بفرح، تداهن فينا ذكاء وفطنة هي المانحة لهما أصلا، وتكتسب من تلك المراوغة ابعادا لا تقف عند حد ، فيظل يتجدد فيها المعنى,, ذلك الغموض الشفيف له ضرورة الشرط في نضج النص، فان استغلق علينا ادراكه لن يكون ذلك لعيب فيه يدفعنا الى اتهامه بجرم الغموض، وانما لنقص في ثقافتنا وخبراتنا لا ذنب للمبدع فيه,,!
بعض الذين تعجلوا الكتابة قبل ان تستوي لهم خبرة اساسية، وجدوا فرصتهم السانحة في هذه الوضعية، بحثوا عن الغرابة التي لا يحكمها اي منطق، حياتي يفضي بمعنى من المعاني، او اسطوري يخرج على تقليدية الحياة للافصاح عن معنى اهم وأرقى، دون اكتراث بما يطلق عليه من صفات الغموض والاستغلاق، بل ربما بسعي عامد ودؤوب الى الحصول على هذا التشريف، وربما أيضا مع معرفة بأن ما يكتبه لا علاقة له بالفن من قريب او بعيد,,!
على من نلقي باللائمة؟ على ذلك الكاتب المتعجل وخبرته وضميره، ام على ارتباك ثقافتنا العاجزة عن التمييز ام على حركة نقدية لم تقم بدورها الواجب في التعريف والتبصير؟ وحقيقة ليس يهم من هذه الأطراف صاحب الجدارة في اللوم، ففي كل الحالات المحصلة كارثة لأنه تعني اننا نتمسح في التعامل مع الفن او الانتساب اليه دون معرفة بشروطه الأساسية في الاتفاق على ماهيته، ومهمته، وأداته ، فبكل اليقين الفن ليس لهوا او عبثا كما قد يظن من تصريح بعض فلاسفة الجمال بأن الانسان يلجأ الى الفن كنوع من اللهو واللعب، وفي اشد درجاته مروقا وجنونا يظل الفن المصاغ بشروط الفن هو ذلك الجنون الحكيم، الرائع والنبيل!
منذ ما يقرب من عشرة أعوام، أصدرت اعتدال عثمان تجربتها الاولى، كتاب بعنوان يونس البحر ، وكلمة كتاب ليس مقصودا منها اصدار حكم سبق على عمل قيل انه رواية مرة وقيل سيرة ذاتية مرة اخرى وقيل انه مجموعة شعرية، واختلف الجميع في نسبة العمل الى جنس أدبي محدد، ومن ثم كان الكتاب مادة مناسبة خرج منها أديب وناقد مثل ادوار الخراط بمصطلح نقدي جديد اضافة الى معجم النقد، اسماه الكتابة عبر النوعية .
ويعني به تلك الكتابات التي تمر عبر الشعر دون ان تكون شعرا خالصا، وعبر الرواية او المسرحية او القصة او حتى التشكيل، دون انتماء خالص الى أي من هذه الأجناس الفذة او الادبية,, لماذا اذن اجهدنا انفسنا في التحديد والتعريف والتوصيف لكل جنس أدبي، ووضعنا لكل شروطه المحددة لماهيته؟ ولماذا لم نختزل كل الأجناس الأدبية في نوع واحد من الكتابة هو ما نطلق عليه الآن الكتابة عبر النوعية؟ وقد توقع الناس جميعا ان اختراع ذلك المصطلح سوف يفجر ينابيع كتابة جديدة، عبر نوعية ستكون علامة قرن جديد من الأدب العربي وحتى اللحظة لم نر بادرة سليمة وصحية، ليس هذا فحسب، وانما يبقى كتاب يونس البحر، مظاهرة لغوية احتفائية وكتابة علاقتها بالمقال الأدبي وبدروس التعبير المدرسية، وليس بالفن اذ هي فاقدة لشروطه السابقة,, ولكي لا يلتبس القصد، فتوصف هذه الكلمات بالتعنت والتشدد، اكاد أطالب كاتب القصة او الرواية بأن يكون شاعرا وفيلسوفا وان يستعين في كتابة القصة ضمن ما يستعين به من خبرات بخبرته الشعرية، في الصورة والصياغة واللغة، بشرط اساسي في ان لا يطيح بجوهر شروط القص، ويستبيح لسكنى تجربته ديار الشعر تحت لافتة القصة.
اعني ان يكون الشعر كما التشكيل والفلسفة وغيرهما عنصرا ذاتيا كلية في ثقافته، يمد طاقته الابداعية بعافية الفن,, فرق دقيق ولكنه من الأهمية لكي نفرد له بعض مساحات الكتابة باذن الله، ومن هذا ايضا تأتي أهمية هذا التوجه في ملحق الجزيرة، وأهمية ما يناقشه فهد العتيق وعبدالعزيز الصقعبي، وكل من يسهم بافضاء جديد.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved