أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 8th August,2000العدد:10176الطبعةالاولـيالثلاثاء 8 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

وعي الذات والآخر طريق الفاعلية 2/6
د, حسن بن فهد الهويمل
وإدراك الشيء بذاته حالة ذهنية إذا كان المدرَك معنوياً، وحالة حسية إذا كان المدرك حسياً، وحتى هذا اللون من الإدراك يظل دون النهاية لحقيقة الوجود والموجودات مما لا يتاح بكلياته للبشر, فالحقيقة الأزلية غائبة على حد:
يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، وعلى حد: وفوق كل ذي علم عليم ولعلنا نستذكر قصة موسى عليه السلام مع الخضر .
فأنت تدرك صاحبك في المكان والزمان المحددين للقائك به, ذلك إدراك حسي حركي ميسور للعامة والخاصة، وأنت تفهم الشيء من خلال تركيبه الحسي أو المعنوي, فعندما يقال:قام محمد فالفهم أن تعرف أن هذه الجملة تفيد قيام محمد مجرد قيام على القدمين، هذا حد الفهم أو الإدراك، إنه استيعاب دلالي أولي للجملة, والقيام يكون حسياً ويكون معنوياً، ويكون القصد منه مجرد الإخبار، وقد يتعدى ذلك لأمور رمزية، يملك مفاتيحها من يملكون معهودات ذهنية متبادلة بين أطراف معينين، وأنت تفقه الشيء لا من خلال مباشرة الدلالة، وإنما من خلال معهودات ذهنية تسهم في استدعاء أشياء لايستحضرها كل سامع فعندما تقول: رفع فلان عقيرته ، يفهم أنه رفع صوته.
ولكن الفقه أن تدرك أن العقيرة هيالرجل المقطوعة والعقر القطع من عقر الناقة، وقد رفعها المصاب بيده حين قُطعت مستغيثاً قومه في المعركة، وصاحب ذلك رفع الصوت, ومن ثم لا يجوز أن نشتق من كلمة عقيرة كلمة للتعبير عن الصوت فلا نقول: تعاقر القوم بدل تلاسنوا على أن الوعي أشمل من كل ذلك إنه مرحلة رابعة, بعد الإدراك ، والفهم ، والفقه , سنجليها لوقتها عند استكمال المداخل إلى الوعي المراد.
والعقل إذ يكون مضمار الوعي، صار عند اليونان من مباحث الفلسفة, له مواصفاته، ومطالبه، ومسائله، وأدوات النظر إليه, فالعقل الواعي كما يقول جوراس: يسيِّر العالم , والإسلام ينظر إلى العقل مرتبطاً بالنص المقدس، ومتشكلاً من حواسه بحيث يقتسم السلطة مع النقل, والسلفيون لا يرون تعارضاً جوهرياً بين صريح المعقول وصحيح المنقول, وحين أُطلقُ مصطلح السلفية أعي مستويات هذا المصطلح وتحولاته، وموقف العقلية الاعتزالية، والعقلية المعاصرة، والفعل ورد الفعل الخارج عن معقولية الأداء، ولما لم يكن شيء من ذلك يعنينا في هذا الحديث، نكتفي بالإشارة دون البسط والتفصيل.
فالعقل عند السلفيين يسبح في فضاء النص، ولا يعلو عليه, وإذ لا يفترض السلفيون أدنى تعارض صريح بين المعقول والمنقول، فإنهم في الوقت نفسه يدركون خطأ العقل في فهم النص، ويدركون مستويات العقول وثبات النص، كما يشعرون بغياب التأويل إلى أجلٍ بوصفه تحققاً للحدث الموعود به, وذلك لون من المتشابه الذي طلب الإيمان به، وعدم اجهاد العقل في فض مغاليقهوما يعلم تأويله إلا الله , والتأويل في بعض دلالاته يعني التحقق والوقوع، ويعني كذلك التفسير الموجه، ومن إشكاليات الفكر الإنساني التلقي ومن ثم درست نظرياتالتلقي ونظرياتالمعرفة ونظريات التأويل وفيها ضلت الأفهام وزاغت العقول وافترقت الأمة, ومغالبة الدلالة والسعي لأقصى معطياتها واحتمالاتها يكون عند السلفيين فيما يتعلق بالتعبد والتشريع، وما هو من مفردات عالم الشهادة، أما الغيبيات والجدل حولها فمن المغامرات المحفوفة بالمخاطر، ثم هي مما لم نتعبد بفهم حقيقته، وتعبدنا مقتصر على الإيمان الجازم واليقين التام، وإذا لزم التفسير والاستنباط فلا بد من مراعاة شرطين:
قواعد اللغة.
ومقاصد التشريع.
وبهذا تتحقق السلفية التي أومن بها, أما العقلانيون من معتزلة ومعاصرين فيعلون من شأن العقل ويجعلونه فضاء لاستيعاب النص, ومتى لم يتمكن العقل من تصور للنص تصرفوا به تأويلاً مناقضاً للمقصد أو تهميشاً، ليكون في إطار المدرك العقلي أو التوافق معه, والكارثة الفكرية تقع حين تتفاوت العقول والمعارف وآليات التأويل, فيكون النص ألعوبة لهذا التفاوت, النص يمتلك مستوى واحداً ودلالات متعددة, أما العقول فليست كذلك، ومن هنا جاء الخلل، وقامت الفتنة, وآيات الصفات والغيبيات وحقيقة الروح والنفس والملائكة والجن والنعيم والعذاب والحساب والقيامة لا يمكن تصورها على حقيقتها بإجهاد الفكر والعقل.
والوعي بهذا التصور عند العقلانيين خروج على المقتضى، بحيث استتبع فعلاً ورد فعل، ونُسيت في هذا الجو القضية الأهم, فالعقلانيون جندوا أنفسهم للدفاع عن سلطة العقل، حتى نسوا في سبيل ذلك النص، والنصوصيون كثير من الظاهريين وقليل من السلفيين أسرفوا في الدفاع عن سلطة النص، حتى نسوا في سبيل ذلك مجال العقل، وعطلوا طاقاته، ولو أنهم افترضوا أن بالإمكان تلافي الصدام وبدء الحوار بين أنصار العقل المطلق، والنص المطلق لكان هناك حضور متكافئ بين العقل والنص ينشئه الوعي التام بمقتضيات كل منهما، ومجال كل منهما، وحق كل منهما, ومما وسع هوة الخلاف المغالاة في العقل من أنصاره، والمغالاة في النص من أنصاره، ومحاولة كل طائفة هدم الطائفة الأخرى وإلغاء أي قيمة لها والتقول عليها، حتى أصبحت العقلانية، والنصية مذمتين، في حين أن كل واحدة منهما تنطوي على خير كثير وشيء من أخطاء وتجاوزات، كان يمكن بالحوار تلافيها وتجاوزها إلى ما هو أجدى وأهدى، لقد طرحت مصطلحات شقيت الساحة الفكرية والدينية في الجدل حولهاكالأصولية مثلاً، وزادت الأمور تعقيداً حين دخلت هذه المصطلحات لعبة السياسة، ودخل فيها من ليس لهم دراية ولا رواية في علم الكلام الذي نشأ في إطار الدفاع عن ثوابت العقيدة الإسلامية، ولم تكن الأصولية تعني الغلو كما هو المفهوم حالياً, إنها مصطلح تراثي يعني علماء الأصول, فالأصولي العالم يؤصل الفقه والتفسير مثلا, إن الوعي الذي نريده ونطمح إليه يمتلك القدرة بحيث يؤاخي بينالعقل والنقل منتقيا محاسن الفئتين، مستبعداً نتائج الغلو في العقل أو في النص مستشعراً قوله تعالى:ولا تغلوا في دينكم .
لقد زعم المعتزلة التراثيون، ومعتزلة العصر أن أهل السنة والجماعة أو السلفيين نصوصيون يعطلون العقل، وهذا الرأي من خلل الوعي أو تعطيله تحت تأثير التعصب المذهبي المقيت, والحق أن للعقل وللنص مكانهما عند السلفية الواعية، غير أن المذهبية الضيقة وسعت رقعة الاتهام، بحيث أصبح المذهبان معاً مظنة الاتهام المتبادل بسبب الحملات الجائرة, إن أهل السنة والجماعة غير المغالين وغير المنغلقين على أنفسهم من أمثال ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير والصفوة من علماء الأمة وأئمة المذاهب المعتبرة والمجتهدين من العلماء لا يغفلون العقل ولا يعطلون قدراته، ويعرفون جيداً أنه السبيل الوحيد لفهم النص، وكيف يغفلونه وهو مناط التكليف؟ وهم حين يعلون من شأن العقل لا يلغون في سبيل ذلك سلطة النص وقدسيته، والنص حين يحرف عن مواضعه ليوافق الأهواء يكون ذلك قادحاً في الوعي, أما المعتزلة فقد أطلقوا للعقل العنان وحكموه في النص قطعي الدلالة والثبوت وأطلقوه في المتشابه وفي المغيبات, وعلى أثرهم جاء العقلانيون المعاصرون يسندهم الانفجار المعرفي، يستدرجهم الانجاز العلمي، حتى استدبروا النص، وأطلقوا العقل دون ضوابط نصية، ووثنوا العلم, ولو أنهم عرفوا للعقل حقه المشروع، وللعلم مجاله الطبيعي لكانوا خير من ينهض بمهمة تلاقح الثقافات وتبادل الحضارات، ومن ثم حققوا الوعي الذي نطمح إليه, وحين نشير إلى هؤلاء وأولئك نعرف الحد المقبول، فلسنا مع الظاهرية ولا مع غلاة السلفية الملغية للعقل، ولسنا مع العقلانية الملغية لسلطة النص ونعرف تبعاً لذلك متى يشرع الحوار مع النص، ومتى يلزم القبول المطلق به.
ومما لا جدال فيه أن العقل حاضن مخصب ومستثمر للنص، والدين الإسلامي عول عليه وجعله مناط التكليف والأحكام، وحجب التكليف في غيابه، وكل أئمة السلف يعرفون ذلك، ولا يغمطون العقل شيئاً من حقه، وهم في الوقت نفسه يعرفون للنص قيمته وسلطانه، ويعرفون ما لا يجوز الخوض فيه من المغيبات والمتشابهات، وآيات الصفات، وما يتعلق بالذات الإلهية, ومن غلا منهم وأسرف في تهميش العقل لا يعول عليه، ولا يكون حجة على السلفية الواعية.
وما توصل إليه العقلانيون من نتائج إيجابية لا تتعارض مع صريح المنقول وقطعية دلالته هو بعض مطالب السلفية، وإن ادعاه غيرهم، وما من مذهب أو عقيدة وضعية إلا هي حصيلة أقوال وأفعال فيها الخير والشر، والخير مطلب إسلامي لا يمنع من قبوله فساد مصدره، فما وافق الحق من أقوال طوائف المسلمين فهو حق سلفي لأنه ضالتهم.
وإذ لا يقع فك الاشتباك بين سائر الفرق الإسلامية ضمن بحثنا هذا، فإننا نكتفي بما سبق لارتباطه بالوعي السليم الذي نريد، ولعل هذا يمكننا من أن نعود لإبراز أهمية العقل ودوره في تنشيط الوعي، بل في تشكيله التشكيل المناسب لمواجهة الأحداث والنوازل والخطابات السياسية والفكرية وسائر وجوه الحضارة, والإشكاليات المعقدة أن النخب الفكرية التي تدير كؤوس الجدل مخدرة بعشق الطارئ، كلفة بالتمثل لماجد، تجهل مقاصد الشريعة وتفتقر إلى ثقافة دينية تمكنها من التأصيل الشرعي الذي يحدد لها المحظور والمباح ويؤطرها على الحق، ومن ثم فهي تجادل من خلال ثقافة طارئة لا ترى النجاة الا من خلالها، والجاهل قد ينتصر بجهله، ويروى أن عالماً قال: خاصمت مائة عالم فخصمتهم وخاصمني جاهل فغلبني، لأن العالم لا يجاري في خلق دنيء ومن مؤشرات الوعي الدقة في اختيار الخصوم وحلبات المصارعة ، وقضايا التنازع ومعرفة شروط الحوار وأدبياته.
وبما أن العقل هو المجال الطبيعي للوعي فإن آيات الله تتجلى في الآفاق وفي الأنفس، ودماغ الإنسان آية من آيات الله التي مازال الفكر الإنساني حائراً في أمره.
لقد توصل العلماء إلى أن الدماغ يحتوي على عشرة مليارات خلية تقوم بنشاط عجيب، وبمساعدة شفرات لغوية وفكرية لاحتواء أكبر قدر من هذا الكون الذي يجمعنا، وهو ذرة سابحة في الكون الأكبر غير المتناهي: زماناً ومكاناً، ومازالت خارطة الدماغ الكروية المتشكلة من نصفين وثلاثة أدمغة في الجمجمة البشرية الواحدة معجزة المعجزات، ومازال العلم والعلماء عاجزين عن فهم الإجابة على أدنى الأسئلة وأبسطها: كيف ينشأ الفكر؟ وكيف يتشكل الوعي؟ وأين تكمن المعارف؟ وهل الذاكرة حسية أو معنوية؟ كامنة في الإنسان أو سابحة في الفضاء؟ وما علاقة العقل بالدماغ؟ وما مفهوم المضغة؟ وما علاقة الوعي بالقلب الذي يراه الأطباء مجرد مضخة للدم؟ وحين ينقل قلب من أعجمي أو مشرك إلى عربي مسلم يعود العربي المسلم بذات الوعي الذي كان في قلبه المنزوع, إن هناك سيلاً من الإشكاليات لا يمكن حسمها بسهولة، وقد يكون الدماغ ومليارات الخلايا شفرات استدعاء وليست أوعية معلومات, والقلب هو المغذي لهذه الخلايا، والقلب هو المتلقي شبكة معقدة من العلاقات بين القلب والخلايا الدماغية، وتظل العلاقة بين القلب والدماغ علاقة تكاملية تبادلية وبهذا تحسم إشكالية العلاقة التوافقية أو التعارضية بين الطب والدين، والتعارض وهمي إذ يمكن التوفيق بكل سهولة, وعلى ضوء ذلك يأخذ الوعي أهمية تصوره وصعوبته من ذلك الدماغ الأعجوبة الذي تشكل منه وعمل ضمن آلياته، وهذه الإمكانيات تتطلب استيعاباً معرفياً يملأ تلك الخلايا وهو ما ينقص البعض ممن يتصدرون الساحات الفكرية.
والباحثون الذين بهرهم العباقرة والحفظة والأذكياء، اجتهدوا في دراسة أدمغتهم لمعرفة ما إذا كانت لديهم بنيات دماغية متميزة، لأنهم الأكثر معرفة، والأكثر ذكاء، والأكثر تفهماً للحياة, لكن الأمر جاء مخيباً للآمال، فلربما يكون دماغ العبقرية أقل وزناً أو حجماً من دماغ المغفل، ولربما انعكس هذا على نفسية مربي الأفكار والعقول، إذ لم يكن بإمكانهم معرفة ما إذا كان طلابهم على مستوى التأهيل، على خلاف مربي الأجسام الذين يعرفون العضلات ويدركون حجم فاعليتها وقدر احتمالها وإمكان تدريبها.
لقد طاف في أذهان العرب الأوائل مثل ذلك, ولهذا قال شاعرهم: خشاش كرأس الحية , والرسول صلى الله عليه وسلم قال لعدي رضي الله عنه:إنك لعريض الوساد أو كما قال، وهذا من الكنايات البلاغية التي كان العرب يكنون بها، فاستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبة استدعتها، ولم يتبين للطب بعد ما إذا كان الذكاء أو الغباء مرتبطين بالحجم.
الشيء الذي يتفق عليه الفلاسفة أو يكادون، أن الحقيقة النهائية لكل الأشياء غائبة تماماً كغياب إدراك علاقة الروح بالجسد، ولعل ذلك من أمر الله كما الروح حين سأل اليهود عنها, وما زال متعذراً إدراك أرواح غير متجسدة، وحتى في حالة التجسد تظل مدركة بأثرها غير محسوسة بذاتها, ولا قيمة لجسد بلا روح, ومن ثم فإن الإنسان هو تلك العلاقة الخفية بين الروح والجسد، ومع كل هذا فالإنسان لا يدرك كنه تلك العلاقة وإنما يدرك أثرها، وفي النهاية فالروح من أمر الله، وبهذا الاسلوب الحكيم ينفض سامر الجدل دون الوصول إلى الحقيقة النهائية لكل الأشياء، وعلاقة القلب بالوعي والمعرفة غامضة غموض علاقة الروح بالجسد، ومن ثم لا يجوز الربط الحسي بين القلب بوصفه مضخة للدم وبينه بوصفه مقرر الإيمان والكفر والضغائن والأحقاد والتسامح وغير ذلك من القيم المعنوية، وحتى لو ثبت حسياً عدم تأثر الوعي بنزعه إذ ربما يكون الدماغ شفرات استدعاء والقلب أداة تقرير ولا يكون الاستدعاء إلا لما هو خاص بالمستدعي، ومع هذا فنحن لا نقول ما هو متيقن، ومثل ذلك الاختلاف لا يعيب الوعي وإنما يؤكد حجمه وإمكاناته, فنحن لا نبحث عن مصدره وحقيقته وإنما نهتم بأثره وهو ممكن التصور وما عداه من فضول المعارف، وما نريده من الوعي لا يتجاوز امكانيات الإنسان الضئيلة: هو إدراك العلاقة بين شيء وشيء إدراكاً معقولاً يمكِّن الإنسان المدرك من التصرف بحكمة ورويّة متميزة عن إدراك العامة.
وإذ نكون أمام: عقل وفكر ، و وعي ، و معرفة ، نجد أنفسنا في خضم من التساؤلات عن هذه المفردات التي تكون بمجموعها شيئاً واحداً، وتنفرد دلالاتها عند تفرقها تماماً، كالفقير والمسكين، إذا اجتمعا تفرقا، وإذا تفرقا اجتمعا.
والوعي حين يكون ذا دلالات متعددة، فإننا لن نتحدث عنه بوصفه مقابلاً للنوم أو الخدر أو الغيبوبة، ولن نتحدث عن الوعي الذي يميز الإنسان عن العجماوات، بمعنى وعي الإنسان لفعله، أو وعيه بذاته، أو وعيه بما يجري له من عمليات جسمية أو مشاهدات، كما لن نتحدث عن الوعي الرمزي، وإن كان من خصائص الإنسان, فكل ذلك قدر مشترك بين الأناسي, إنه وعي رديف للشعور الذي يميز الإنسان عن الحيوان.
إننا نريد الوعي المتميز داخل المنظومة البشرية، الوعي الانتباهي المفضي إلى استكناه الأشياء في أدق أحوالها ومصائرها, ثم التأمل العميق في أدق التفاصيل واحتمالات الصيرورة, ثم التصرف وفق معطيات التصور، وإذ لا نتحدث عن الوعي المشترك، فإننا لن نتحدث عن مركز الوعي، ولن نهتم ببحوث علماء النفس، وأطباء الأعصاب والدماغ، الذين تفرقت بهم السبل حول كنه الوعي ومركزه, وهل هو مادي موضعي أم تفاعلي؟, فذلك لا يعنينا بشيء أو قل: إنه يشطح بنا في متاهات علمية وتساؤلات لم تستقر.
والحديث عن الوعي تتداعى معه أشياء، قد نراها بادي الرأي من الاستطرادات، ولكنها مع التأمل من صميم الموضوع، ذلك أن الوعي جماع الأشياء، وقاسمها المشترك، ولا سيما إذا كنا نريد بالوعي أعلى مستوياته المفضية إلى مواجهة الأشياء بحكمة وروية وبصر ومعرفة تامة بالأمر وبمتطلبات مواجهته.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved