أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 8th August,2000العدد:10176الطبعةالاولـيالثلاثاء 8 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

لافتة
إقليمية مشري ومحفوظ
يدهشنا نجاح وشيوع بعض الابداعات، والآداب المغرقة أحيانا في محليتها، واقليميتها الضيقة,, ولنشير مثلاً إلى الروائي العربي، المصري، القاهري نجيب محفوظ الذي انطلق بابداعاته من حي صغير إلى مشارف العالمية,, ليسجل حضوره القوي بفوزه بجائزة نوبل لعام 1988م.
لقد استطاع هذا الكاتب الكبير للرواية العربية أن يفتش لنا في الجمالية ذلك الحي القديم والخلفي عن جوهرة الابداع، ودفائن المتعة الأدبية,, ومن ذلك الحي الموغل في بساطته ذهب إلى أقاصي الريف المصري,, ذاك العالم المكتظ بالادهاش والمتعة لينقل لنا العديد من الصور الريفية الموغلة في خصوصيتها في ثنايا أعماله الروائية.
لم يدر بخلده على ما أعتقد وهو يكتب الثلاثية مثلا أن هناك عالما آخر,, يسمى العالمية,, إنما ابدع محفوظ من أعماق الجمالية رمز اقليميته، ومحليته، وصاغ لنا العديد من الروايات التي قد نوافقه ونختلف معه على بعض مناهجها، ومدى تأثير مشروعها الفني على الذائقة والوعي,, إنما نتفق معه على أن الأدب وليد بيئته المحلية.
ولكي لا نتهم بالإقليمية العربية والتعصب لحبيبنا الروائي الكبير نجيب محفوظ نلمح جانباً آخر يشير إلى تميز اللغة المحلية، والطرح الأدبي الإقليمي في تجربة الكاتب والروائي الألماني جونتر جراس وهو بالمناسبة (نوبلي) أيضا فالروائي جراس نجح في اختراق فضاء العالمية ليسجل لنا تفاصيل عالم قريته (رفزر) في أقصى منطقة تحاذي الحدود النمساوية,, فكانت روايته (قط وفأر) تجسيداً لمفهوم الإقليمية عندما وصفها بأنها كانت وردة البحر سابقا,, فهي أشد المواقع تضررا إذ تلقى بها الألمان الضربات الموجعة في الحرب العالمية الثانية.
باختصار أود أن أشير إلى أن تجارب الأدب والإبداع لا تدخل في عقد الذات، ووساوس العمومية التي تتملق الآخر وتخلطه كمفهوم حضاري بمفاهيم أدبية إبداعية صرفة,.
لماذا أذهب بعيداً؟ سأعود لأصف رواية مريد البرغوثي الأخيرة رأيت رام الله بأنها أم الإقليمية والمحلية المتميزة,, فالبرغوثي يصف في ثنايا روايته وجه العودة الجديد,, إلى رام الله، والناصرة، والخليل,, بل انه يوغل في وصف قرية صغيرة تسمى (دير غسانة),, كان عملاً إقليميا محليا فائق الجمال والمتعة,, كاد يرينا كيف عاش الآباء والأجداد, ومع من لعبوا؟ وكيف رقصوا,,,؟ واين نُفوا بعد رقصة حربهم الوحيدة,,؟
البرغوثي كان معبراً من وجهة نظري في محليته، واقليميته المتناهية,, فلم يبخل على القارىء في تجسيد (دير غسانة) على أنه مركز العالم,, ذاك ما توحي به رقصات (عبدالله، وجرج، والياس، وحسين) في تلك الساحة الموغلة في عبقها البريء,, (الرواية ص 63).
وسأعود أكثر فأكثر لأصف حالتي (اللا اقليمية) لأكتب عن مبدع في أقاصي الجنوب هو عبدالعزيز مشري يرحمه الله ذلك الذي أشاع العالمية في كتابته عن (محضرة) القرية النائية التي تتقاطع في الشبه بينها وبين (الجمالية) (دير غسانة)، (رفزر) ومعالم صغيرة أخرى استطاعت أن تجسد لنا العفوية، والصدق والصفاء في المنجز الأدبي لننعم نحن بقراءة هذه الإبداعات بشيء من الدهشة والانبهار.
وسأحاول العودة أيضا إلى الأعماق القديمة,, تلك الموغلة في سكونها,, سأحذو حذو هؤلاء على الأقل لأكون إقليميا محلياً لاكتب ما أراه أدباً، وابداعاً عن (النيصية),, القرية الباقية منذ خمسة قرون,, تلك التي تتمتع بميزة ربانية فريدة تتمثل في أن الشمس تغرب عنها مبكراً لأنها في سفح أجأ تماماً، وهو الذي يتطاول بعنقه فوقها,.
لدي من اليقين ما يكفي لأفتش في تلك الخصوصية والذاتية، والاقليمية عن ابداع نافع، وأدب يصطبغ بالمعاني البسيطة للحياة,, لما لا نكتب مثل هؤلاء,, نجيب محفوظ، جونتر جراس، مريد البرغوثي، عبدالعزيز مشري,,؟! ليس من أجل جائزة ما، وإنما من أجل أن نبقى صادقين وعفويين مثلهم على الأقل.
أود أيها الأعزاء في الأخير أن ألفت انتباهكم إلى كيفية كتابتي لعنوان هذه المقالة اقليمية مشري ومحفوظ ولم أقل محفوظ ومشري إنها قضيتي,, اقليميتي إن شئتم أن تقولوا ذلك,, أليس كذلك؟!
عبدالحفيظ الشمري

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved