أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th August,2000العدد:10178الطبعةالاولـيالخميس 10 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

نهار جديد
جماليات القبح والكذب في الشعر الجديد
عبدالله بن سعد اللحيدان
اذا كان من حسنات الشعر الجديد التي أسداها الى الثقافة العربية، انه أثار كثيرا من القضايا ولفت النظر الى كثير من المفاهيم، فان من المفاهيم الجديدة التي جعلها تتصدر واجهة اهتمامات الثقافة المعاصرة,, مفهوم الأصالة .
استخدم التقليديون والجدد هذا المفهوم لتأكيد شرعية ما يقولون، وللرد على الآخر، ولالقاء التهم عليه، ونفي الشرعية عنه أحيانا,, عندما يستدعي السجال او الانتصار للذات ذلك.
أكثر من استخدم هذا المفهوم سلاحا في وجه الآخر التقليديون، في وقوفهم أمام تيارات التجديد ورموزه، وبالغوا في هذا الاستخدام واستغلال هذا المصطلح لتخويف من لا يقف على ارضية ثقافية صلبة واثقة من الجدد، وتبع هذا الاستخدام وواكبه اكثر من اتهام بالتبعية والانسلاخ والاستلاب والاستغراب والخروج عن ثقافة الأمة والتنكر لتراثها وآدابها وفكرها وانساق وسياقات هذا التراث وهذه الآداب وهذا الفكر حتى وصل الامر ببعض التقليديين الى الخلط جهلا او تدليسا بين قواعد القيم والاخلاق من جهة، وبين قواعد وأعراف وأنماط الأنواع الأدبية الشعر بخاصة من ناحية أخرى، وحتى وصلت درجة الاتهام الى وصف كل من خرج على قاعدة أدبية أو عرف أو نمط أدبي عربي قديم بأنه خارج على القيم والاخلاق والمجتمعات والأنظمة، وتمت استعارة مقاييس هذا لذاك حتى اختلط الأمر على المتلقي بسيط الثقافة فترك الأدب الجديد,, بكافة أنواعه أو,, ناصبه العداوة.
فماهي هذه الأصالة التي جعل منها التقليديون قميصا أو نسبا يتباهون به او يتباكون عليه؟
واذا كانت الأصالة هي الرصيد الثري الدائم النمو، والمتجدد من القدرات والطاقات النفسية، الزاخر بخمائر الحياة الحاضرة أبدا لفعل الابداع فأين يكمن القصور وأين يمكن وكيف يتم القاء تهمة الافتقار الى هذه الأصالة عند الشعراء الجدد، واذا كانت تستند الى الصدق الفني وصدق التجربة، وتشكل تبعا لذلك، مصدرا للتوافق والتناغم، بين العمق الوجداني والشفافية والتعبيرية في شعر كل شاعر تجتمع له الأصالة والصدق الفني والواقعي حسب تعبير د, خليل أبو مهجة وما يورده عن آخرين فهل افتقرت التجربة الشعرية الجديدة حقا، الى الصدق الفني وصدق التجربة؟ واذا كان الكذب الفني يساعد على خلق عالم سحري، وهذا الكذب هو خلق وابداع، وتناول الفنان للحقيقة الواقعية أمر ميسور وسهل، والصعوبة تكمن في ابتداع عوالم أخرى خيالية ذات أبعاد دؤوبة وان الجمال الطبيعي يحتوي على جمال الجمال فقط، والجمال الفني يحتوي على جمال الجمال وجمال القبح والشاعر العبقري يخلد رغم أنف الظاهرتين: الصدق الفني والكذب الفني، لأنهما تعيشان على هامش ابداع الشاعر وعبقريته واذا كان المهم هو نقل الحالة الشعرية الى المتلقي مع الانتباه الى ان من الأدباء من يعمل على تسلية الجمهور، ومنهم من يعمل على تثقيفه ومنهم من يعمل على اعادة صياغته واذا كان الشاعر العبقري يتوجه بشعره الى جميع الأجيال ويسعى فنيا للوصول الى المتلقي عابرا اليهم حواجز الأزمنة والأمكنة والأذواق، فان أزمة التلقي الحالية تعود الى: سيطرة القديم على الأفكار والوعي، وتقديس القديم، واختلاط الجيد بالرديء في الجديد والذي صدم الذائقة التقليدية، وضيق وقت القارئ الجديد الذي لا يسمح له بالتأمل الكافي لفك طلاسم الجديد .
بعض الشعراء من الرواد ومن تابعهم من شعراء الأجيال اللاحقة والجدد، من الجماليين والبرج عاجيين والذاتيين والمستغربين بخاصة تحول شعرهم,, أو حولوه فعلا الى طلاسم,, حين تعدوا مرحلة الغموض الجميل الشفاف الموحي,, الى التعقيد والابهام,, وحين حولوا الرموز الى ألغاز تستحيل مقارنتها الا في لاوعيهم المشوش او في مختبراتهم التي تعمد عمدا الى الابهام الذي يسعون من خلاله الى تغطية القصور والخوف او الخلل لديهم، وأصبح الشعر لدى كثير منهم ألعابا لفظية أو بيانية أو بنائية أو شكلية,, متناسين ان الشاعر فرد ينسج علاقات تفاعلية مع مجتمعه في وقت وزمان محددين من خلال رؤيا وموقف وان الشاعر ليس بالضرورة سرياليا يمارس لاوعيه المتطرف على ورقة الكتابة ليقذف بالمتلقي في عدة زوايا واتجاهات في الوقت نفسه، بل الشاعر هو من يرى رؤيا، ويعود الينا فيقص علينا رؤياه وان اختلف الشعراء في ذلك، من شاعر يقص علينا رؤياه الخاصة، الى شاعر تتسع رؤاه قليلا، الى شاعر كبير استطاع جمع رؤى عصره كلها , ولأن الحديث بدا عن الأصالة فان الضرورة تحتم مقاربة اهم شيء تصدر عنه هذه الأصالة وترتكز عليه عند الشاعر واذا كانت أصالة الانسان العادي لا تحتم عليه امتلاك رؤيا بنفس عمق وقوة رؤيا الشاعر، ورؤيا الشاعر ليست مجرد رؤيا رآها في النوم وعاد ليقصها علينا وبهذه البساطة لأن الرؤيا رؤية فلسفية الى الوجود والحياة وما تحرك منه، وبواسطة هذه الرؤية تستكنه اسئلة الانسان في موقفه من أسرار الكون وتكثيف المكنونات المرصودة، والفرق بين الرؤيا والرؤية: يربط الاولى بالاعتماد على قوى البصر والعقل معا وحين يعود فهو يقص علينا هذه الرؤيا الشاملة التي استغرقت منه عددا لا يحصى من الاحلام والخبرات والتجارب واتخذ معها موقفا لأن الرؤيا : عشق أبدي بين الفنان والقضايا الانسانية يصبح الفنان الشاعر معها عاشقا ملتزما حرا رائيا سباقا,, ودليلا لنا الى المستقبل.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved