أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th August,2000العدد:10178الطبعةالاولـيالخميس 10 ,جمادى الاولى 1421

الاقتصادية

الوحدة الاقتصادية العربية بين الطموح والواقع 1 - 2
بندر بن فهد آل فهيد*
لقد بات من الضروري العمل على إحياء نظام اقتصادي عربي مشترك لمواجهة العولمة والأنظمة الاقتصادية الإقليمية في العالم التي توصلت فيما بينها على قواسم اقتصادية مشتركة لها أرضية ملائمة ضمن أطر واضحة ومحددة ووفق معطيات واقع كل نظام سياسي بعيدا عن شطط الطموحات الحماسية والانفعالية العاطفية والمشاريع النظرية.
إن العالم اليوم أخذ يتكون على كتل اقتصادية تجارية إقليمية لمعالجة تنسيق توزيع الإنتاج فيما بينها، وضمان أكبر قدر من النمو التجاري الإقليمي، وهذا ما يلاحظ على تلك التكتلات العالمية وأبرزها السوق الأوروبية المشتركة إذ ارتفعت بشكل ملحوظ حركة الاستثمار والإنتاج والتبادل التجاري فيما بين دول الاتحاد.
وفي العالم العربي كان التفاعل بين المد والجزر ووفق ظروف مختلفة أحيانا داخلية واحياناً أخرى خارجية، إلا ان الحماس للمشاريع الإقليمية الاقتصادية العربية جاء مترافقاً مع ولادة مشروع جامعة الدول العربية حيث انشىء في عام 1952م المجلس الاقتصادي العربي بعد قيام الدول العربية بالتوقيع والمصادقة على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي أبرمت عام 1950م، وفي دورته الأولى أقر اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت وقد كانت في ذلك الوقت خطوة جريئة ومتقدمة نحو تخفيض الحواجز الجمركية بين البلاد العربية من أجل الوصول الى هدف رفع الحواجز نهائياً أمام التجارة العربية العربية.
وحينما بدأت تتوارد الأفكار لبلورة نظام إقليمي اقتصادي عربي في الخمسينيات من القرن الماضي، كان العالم يتطلع بإعجاب الى محاولات الدول الأوروبية لوضع اتفاقية روما موضع التنفيذ، تلك الاتفاقية التي مهدت لإقامة السوق الأوروبية المشتركة وجعلتها في أواخر التسعينيات أمراً واقعا بعد ان تخطت وتجاوزت إنشاء السوق الى مرحلة توحيد العملة اليورودولار.
في عام 1956م اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في دمشق وقررت رفع توصية للحكومات العربية من أجل تشكيل لجنة من الخبراء العرب تتولى إعداد مشروع كامل للوحدة الاقتصادية وتحديد آليات تنفيذية لتحقيق الوحدة.
وقد حددت اللجنة السياسية جدولا زمنيا مدته لا تتجاوز أربعة شهور لإنجاز مشروع الوحدة الاقتصادية,, وقد جاء هذا التحديد الزمني تلبية للوضع الاقليمي العربي، حيث كان الشارع العربي مليء بالمشاريع القومية على جميع الاصعدة نتيجة المد القومي وما رافقه من حماس لبناء المجتمع العربي المتكامل، وأيضاً بدافع من الأوضاع الخارجية السائدة في العالم، والتي تحاول ان تحاكي وتستنسخ تجارب أوروبا وتنقلها حرفيا دون النظر لاعتبارات الخصائص المحلية والظروف الذاتية والموضوعية لكل بلد على حدة.
وأمام الظروف المحلية والعالمية فقد أنشئت لجنة أطلق عليها اسم لجنة الخبراء، تكونت من البلدان العربية، واجتمعت في لبنان لمدة 18 يوما وذلك في اغسطس 1956م، أي منذ 44 عاماً، وقامت هذه اللجنة بإعداد صياغة مشروع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية وبعد شهرين عرض المشروع على مجلس الجامعة العربية في دورته السادسة والعشرين، إلا ان المجلس احاله الى المجلس الاقتصادي لبحثه من الناحية الفنية، وهذا المجلس أحاله الى لجنة أخرى هي لجنة الشؤون الاقتصادية والوحدة والتخطيط لتقديم رأيها بشأنه، وبعد بعض التعديلات أعيد لمجلس الجامعة العربية الذي نظره خلال انعقاده الدوري السابع والعشرين أواخر عام 1957م، إلا أن المجلس اعتبر المشروع وتعديلاته ليس من اختصاصاته.
حتى هذا المشروع وجد رفضا وتحفظا من بعض الدول الأعضاء، وكان رأي الوفد اللبناني يومها أكثر وضوحا وواقعية، حيث انتقد المشروع واعتبره يدفع الى تغييرات جذرية في النظم الراهنة من الناحية الاقتصادية والمالية او الزراعية او الاجتماعية ، وفسر اعتراضه على أنه من منطلق الواجب والحرص على مسيرة الاتحاد والاستفادة من المشروع وسهولة إقراره، وفعلا فقد كان المشروع حين أقر من قبل لجنة الخبراء قد تجاوز الواقع في طموحه ولم يضع في الاعتبار اختلاف الأنظمة السياسية العربية وطبيعة توجهاتها وارتباطات مصالحها والتزاماتها مع دول العالم وأيضاً اختلاف الأنظمة والتشريعات، وقد تجاوز مشروع الوحدة الاقتصادية العربية التي تنص على التعاون لا الوحدة الاقتصادية، وقد جاء بالمادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية ان من اغراضها تعاون الدول المشتركة فيها تعاونا وثيقاً بحسب كل دولة.
وبذلك فقد كان الموقف اللبناني يومها يعبر عن نضوج سياسي وانسجام مع ميثاق الجامعة الذي يدعو الى التعاون والتنسيق لا التكامل أو الوحدة كما ذهب اليه المشروع الطموح الذي لم يراعي الظروف السياسية السائدة وإندفع بعاطفة قوية متأثرا في اتجاهات الشارع العربي التي جعلته يقرر ان تحقيق الوحدة سوف يتم بعد انتهاء مدة الأربعة اشهر التي يتم فيها الإعداد وها نحن بعد أربعة عقود من الزمن لم نر مشروع الوحدة الاقتصادية قد تحقق، رغم تحقق كثير من الاتفاقات والمنجزات الإقليمية أو الثنائية بين الدول العربية، ولا يزال العمل العربي المشترك حلما يراودنا وهدفا نسعى اليه وبتقديري ان نموذج مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد قطع مسافة لا بأس فيها من أجل التوصل الى صيغ منطقية لبعض الحلول لمأزق العمل الاقتصادي العربي المشترك، هذا وقد أصبحت الأمور أكثر وضوحا وشفافية من قبل مما قد يؤهلنا أكثر من أي وقت مضى للوصول الى صيغة مشروع تنقلنا الى مصاف الدول التي مضت قدما في العمل الاقتصادي المشترك وبدت تظهر صور ثمار تجربتها ونحن لسنا بأقل منهم إيمانا بعدالة أهدافنا,والله ولي التوفيق,.
يتبع
*رئيس المركز العربي للاتصال والعلاقات الدولية

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved