أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th August,2000العدد:10181الطبعةالاولـيالأحد 13 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

شدو
إبداع لا يمهله القدر!
د, فارس الغزي
الاهداء: الى رمز ابداع تبلور مبكراً ومبكراً ترجل على أعتاب المرحلة الثانوية ,, الى المرحوم: أحمد.
تكتظ سجلات التاريخ بأسماء العديد من المبدعين الذين فارقوا الدنيا شبابا فلم يزدهم رحيلهم هذا الا ابداعاً وتوهجاً! اذن، ما هي الأسباب التي تخلق من موت المبدع وهو شاب ذكريات تظل حية متوقدة في أذهان الأجيال القادمة بعده؟ ما السبب في اننا حين نستعرض شعراء المعلقات السبع نحس بشعور خاص تجاه طَرَفة بن العبد على الأقل قياسا على شعورنا تجاه امرئ القيس أو عنترة,,,؟ هل هذا لأن طَرَفة بن العبد قُتل وهو شاب لم يتجاوز العشرين من العمر فكان أن أُطلق عليه تحسراً لقب ابن العشرين؟ ,, هل لأنه غادر هذه الدنيا الفانية متألقا ابداعا في عز الشباب! ، تماما كأبي القاسم الشابي، وحمد الحجي، ومارلين مونرو، وموريسون، وحتى بشير شنان!,, الخ.
ثمة ما يوحي أو يشير ميتافيزيقيا الى احتمالية رحيل المبدع مبكرا: انها حواس سادسة مجهولة الأسباب، تماما كتلك التي تتوافر، مثلا، لدى محب ليلى تجاه ليلى! ، أو ما يعتور، مثلا، قلب الوالد على ولده الغائب! من أحاسيس تقع أحيانا على أرض الواقع, انها من نوع تلك الحاسة الباراسيكولوجية التي دفعت بأحد فرسان نجد ما قبل تأسيس هذا الكيان الشامخ: شالح بن هدلان الى ان يحس بقرب رحيل ابنه ذيب صاحب التسعة عشر ربيعا فيرثيه وهو لا يزال على قيد الحياة,, فقط ليصدق احساس الأب بموت الابن لاحقا:


ما ذِكر حيٍ قد بكى حي يا ذيب
واليوم أنا ببكيك لو كنت حيا!

انه من السهولة استشفاف احتمالية موت المبدع شابا من خلال سلوك المبدع نفسه: حيث انه سلوك يقع في الغالب خارج نطاق ما هو تقليدي ومألوف ثقافيا, بل انه في الغالب سلوك مكتظ بعناصر تدمير الذات! المتفاعلة جنبا الى جنب مع أمنيات الرحيل الفاعلة بصمت والمشعة بالموت من خلال:,, ثنايا وسطور ابداعاته,, جرأته,, تناقضاته,, بوهيميته,, صخبه,, سأمه من الحياة,, شغفه بالحياة فكآبة منقلبه اللحظوي/ الفجائي! ,, أنانيته أحيانا,, انكاره لذاته أحيانا أخرى,, سلبيته المتناهية,, ايجابيته لا متناهية,, تطرفه بالعب! والاحتساء,, أو حتى تدخينه حتى السرطنة! ,.
موضوع آخر مبهم هو الآخر! يتمثل في اكتراثنا الشديد نحن الأحياء بموت المبدع شابا، بل والاحتفال به ميتا وكأنه في الواقع لم يمت! وكما هو جلي في تمثلنا بأشعار ابي القاسم الشابي، واستعراضنا لمعاناة حمد الحجي، وتفاعلنا مع ابداعات المبدع الشعبي بشير شنان: والذي رحل شابا هو الآخر ولكن ليس قبل ان يخاطب الموت قبيل موته بقوله: يا موت عجِّل خل عنك التغلِّي!! , ما السر، اذن، وراء استغراقنا في ميتافيزيقيات وطلاسم موت المبدعين شبابا، ولماذا نُطيل الوقوف أمامها طويلا؟: في الحقيقة نحن نكترث بموت المبدع شابا لأننا نحس بأننا معرضون في أي لحظة لمصيره هذا في الوقت الذي ينقصنا انجاز وابداع ما أبدعه وأودعه خلفه، ان في رحيله مبكرا الى مجهول مخيف نحن سائرون اليه لا محالة، لكشف لنا أمام أنفسنا، مما بالتالي يوقظ فينا غرائز التشبث بالبقاء وحينئذ تهاجمنا المتناقضات: تسقط أقنعة الواقع الشفافة,, تتسع بؤر بحلقتنا في مصيرنا مجردا/ متجسدا بآماله وآلامه,, تموت فينا غريزة الحسد بمجرد موت المحسود ,, نحس فعلا بطعم انسانيتنا الزائرة مؤقتا ونتذوق تذكرا رومانسية الشباب/ عبثية الشباب/ مثالية الشباب/ وأحلام الشباب, هنا ورغم كراهتنا للرحيل: نكره الاحتراق قبل الرحيل كراهتنا للرحيل نفسه، وكما هو جلي بقلة اكتراثنا بمن أبدع فعمَّر فاحترق! ,, مثل الشاعر لبيد الذي كره نفسه بنفسه!,, لأن!:


ومن يعمَّر يلق في نفسه
ما يتمناه لأعدائه!

,, انه الخوف من غبار وقائع الدهر، وكما قال ابن المعتز ,, انه الخوف من الخوف,, بل انه ألم الانسان القابع بين غريزة حب البقاء واليقين القاطع بأنه لا محالة راحل!
*للتواصل ص, ب: 4206 رمز 11491 الرياض

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved