أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th August,2000العدد:10181الطبعةالاولـيالأحد 13 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

عودة الغائب، وبوح الشباب/ والشاعر عبدالله الصالح العثيمين(2)
*دراسة تحليلية : محمد الزينو السلوم
نشرنا في الملحق الثقافي الخميس الماضي الجزء الأول من هذه الدراسة ونستكمل اليوم الجزء الثاني منها:
فالشاعر كما نرى يوقد سراجه في الليل، ويجلس يستوحي النجوم ويناجيها ويكتب الشعر,, إنه يتأمل من خلال مناجاته ونجد ذلك في قوله:


متأملا سر التناقض في الورى
والفرق بين المرتجى والراجي

والقصيدة نظمت في عام 1378 أي منذ 37 عاماً,, مما يدل على نضوج تجربة الشاعر منذ الستينيات كما ذكرت من قبل,.
في قصيدة: تجدد أحزان (ص45) يتجلى الحس القومي للشاعر منذ عام 1960 كما نرى من خلال إحساسه المرهف لما يجري في المغرب وفلسطين وغيرهما,.
في قوله:


ففي المغرب الدامي تُمزق أنفس
ويقتل أطفال وتسبى حرائر
وشعب فلسطين المشرد في العرا
عليه من الرجس الدخيل مخاطر

وفي قصيدة: شيخ في الطريق (ص49)، نعود إلى الصورة الشعرية الوصفية عند الشاعر العثيمين ويتجلى ذلك في قوله:


ولمحت دمعته تسيل فحشرجت في الصدر زفرة
ولمست نفسي عند رؤيته تذوب أسى وحسرة
وتصاعدت من صدري المملوء بالآهات عبرة
شيخ أمضته الجراح وقوس الإجهاد ظهره,.

إنه مصور حاذق,, يجيد استخدام الصور الوصفية، كالرسام يجيد استخدام الألوان في ابداع لوحته الفنية,, والقصيدة غير مؤرخة كحال بعض القصائد في دواوينه,.
في قصيدة: يا ربوع المجد (ص71)، قد كتبت اثناء زيارة الشاعر للكويت سنة 1381ه يفتتحها بقوله:


عانق الامجاد واستلهم سناها
وابعث الانغام نشوى في رباها
رفرف الاشعاع فاسكب ومضه
نغمات ينعش المضنى صداها
واعزف الألحان في آفاقها
حلوة الايقاع أخاذا غناها

إلى أن يقول:


كلنا من أمة العرب, وسل
تربة الأمجاد تخبرك رباها
وحدة الأمة آمنا بها
وقضينا العمر شوقا لضحاها

نجد تمسك الشاعر بماضيه وأصالته وامجاده والتضامن العربي، والوحدة العربية,, ويتجلى ذلك من خلال رفيف اللقاءات، وزفاف الشعب العربي بعضه لبعض في الأفراح، والبشرى التي تفتح أحلام الشعوب,, والخطوب التي توحد المشاعر وتقرب طلوع الفجر وتحقق الاماني الخضر,, وهي آخر قصيدة في المجموعة,.
وفي آخر رحلتنا في الديوان نلخص من خلال قراءة المجموعة قراءة تحليلية لا أكثر وفق لا منهجية النقد,, وإنما مجرد قراءات انطباعية ذوقية لا أكثر، يمكنني القول:
على الرغم من نظم القصائد في تواريخ قديمة منذ الستينيات,, أقدم على طباعتها في مرحلة متأخرة (1415ه 1995م) فهي تدل على نضوج تجربة الشاعر في مراحل متقدمة من حياته,, ونلمس ذلك من خلال التلوين والتنويع في المضامين، وبناء الشكل بناء فنيا متماسكا بعيداً عن التجديد والحداثة إلا ما ندر، متمسكا بالاصالة في الشكل والمضمون معا,, تبرز الصورة الشعرية في ايحاءاته بفضاءاتها ودلالاتها الرؤيوية,, ومقدرته على الامساك بزمام القصيدة الكلاسيكية جيدا، لغته جزلة منسابة متدفقة,, والقافية غير مقحمة أبدا في شعره,, يعتمد الشعر المشطور في بعض الأحيان ملونا ومنوعا في شعره,.
هذا ما وجدناه في تجربة الشاعر (العثيمين) في مجموعاته الثلاثة التي يغلب عليها شعر المناسبات التي لا تضير تجربة الشاعر أبداً,, لأنها تأتي تأريخاً وتوثيقا لمناسبات وطنية وقومية، لا خاصة,, لكن يخطر ببالنا سؤال: ترى كيف هي تجربة الشاعر بعد التسعينيات وحتى عام 2000 (المرحلة الحالية),, بين يدي بعض القصائد غير المطبوعة في ديوانه، لابد من استعراضها للوقوف على تجربة الشاعر في المرحلة,, فنضوج التجربة في المراحل الاولى ليس شرطا على استمراريتها بالتطور، وإنما قد يطرأ عليها ما يطرأ,.
يقول حول استلهام الشعر:


شعرا إذا أخلفت للصمت أحرفه
بوح المشاعر من عينها نطقا
وهل لذي العشق أمشى متعة وهوى
من أن يبادل همس الود من عشقا؟

فشحرورة الشعر تتبدى لنا في اكثر من قصيدة وجدانية، تبرز فيها الصور الشعرية البديعة، ويشير إلى شحرورته في قصيدة هي الهوى وقصيدة هذا هو الشعر ,, ونجد تطور تجربة الشاعر في قوله في قصيدة هي الهوى :


رأيت مقلتها تفتر لي وطنا
فكيف لا أفتدي بالمهجة الوطنا؟

وفي قصيدة: دمشق يا ألق التاريخ وقد ألقيت في امسية شعرية بدمشق عام 1997م، يقول في مطلعها:


في مهجتي لربوع الشام تحنان
صانت حمياه أزمان وأزمان
وأمطرته من التاريخ غادية
فاشتد أصلا وماست منه أغصان,.

نجد الجزالة وقوة السبك وصدق العاطفة والانسيابية,, مما يدل على التطور الملموس في تجربة الشاعر في القصيدة الكلاسيكية,.
ومن جديد يعود الشاعر ليؤكد أن راية العروبة تظل خفاقة في اعماقه، نجد ذلك في قوله:


أتيتُ من وطني شوقاً إلى وطني
وأرض يعرب لي دور وأوطانُ
عشقت وحدتها منذ الصبا ورست
لها بقلبي أساسات وأركان

وعن دمشق يقول:


قد قال فيك أمير الشعر قولته
وفي حماك على ما قال برهان
لولا دمشق لما كانت طليطلة
ولا زهت ببني العباس بغدانُ

وعن موقفه من الاستسلام والتطبيع مع العدو الصهيوني مجسداً ذلك في موقف دمشق من ذلك حيث يقول:


وقفت في زحمة الأحداث صامدة
إذ لان من كبراء القوم من لانوا
وإذ تباروا إلى التطبيع هرولة
علا لذودك عن آمالنا شانُ

نجد الشاعر يحمل هما وطنيا وقوميا منذ البداية إلى النهاية ضمن دلالات ثابتة، لا تتزحزح أبداً على مرّ الأيام,.
في قصيدة: ملكية القلب يتغنى فيها بالوطن الأم فيقول


وطن تضم المسجدين رحابه
أرأيت أطهر من ثراه وأكرما؟
وعلى الشريعة أسست أحكامه
غراء أنزلها الإله وأحكما

مشيراً بذلك إلى وطنه المملكة العربية السعودية مفتخراً بأنه يضم المسجدين ويقوم الحكم فيه على الشريعة الإسلامية,, (تاريخ القصيدة 1421ه 2000م) وقد ألقيت في عمّان بالأردن,.
في قصيدة: تحية من أصالة نجد وهي مؤرخة (1420ه 1999م)، يحس بخريف العمر يقترب منه فيقول:


قلبٌ بفيض تباريح يجبُ
أيرتجي منه إلا الهمُّ والتعب؟
وبين جنبي هذا القلب مضرمة
شجونه وخريف العمر يقترب

وهكذا وبعد اطلاعي على بعض جديد الشاعر يمكنني القول: إن الشاعر عبدالله الصالح العثيمين بحار محترف في بحور الشعر وايقاعاته، أمواجه الصور الجميلة، وشواطئه الدلالات الفكرية السامية بمضامينها الانسانية والقومية والوطنية معا,, وعلى الرغم من أنه شاعر كلاسيكي فإنه يمزج أحيانا بين الاصالة والتجديد في الشكل والمضمون، ولا يضيره ان تكون قصائده مباشرة أقرب إلى الشفافية لكنها مباشرة فنية محبوكة مليئة بالخيال والتخييل وصدق المشاعر والأحاسيس وسموها,, جاءت سهلة ممتنعة، متدفقة أحيانا ورقراقة أحيانا أخرى، في جزالة وعذوبة ورقة من خلال موسيقاها، لقد استطاع أن يلون بدمه ابداعاته الشعرية فجاءت لوحات فنية جميلة تدل على نضج في تجربته من مراحلها الاولى وتطورت حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن وإذا كان هذا التطور محدوداً، فلأنها ولدت ناضجة بالأساس، بثوابتها وابداعاتها وفضاءاتها,, ليس على حساب الكم بقدر ما هو على حساب الكيف,, وقلة عدد الدواوين عند الشاعر ليس مؤشراً على قلة الكم فقد يمتلك الشاعر العديد من القصائد المخطوطة على مدى حياته ولكنه يؤثر عدم طبعها، ولا أدري إذا كان الشاعر العثيمين كذلك أو أنه مقل فعلا,,؟ ويبقى سؤال اطرحه على الشاعر: لم أقدم على طبع قصائده التي نظمها في شبابه وأبقى ما بعد ذلك بدون طباعة (إلا القليل منه) حتى الآن,,؟! ويبقى الكيف في الابداع هو الغاية المنشودة دائماً,.
(1)
*الدكتور الشاعر عبدالله العثيمين:
ولد في عنيزة المملكة العربية السعودية عام 1355ه 1936م دكتور في التاريخ من جامعة (أدنبرة اسكتلندا سنة 1329ه 1972م) عضو هيئة تدريس في قسم التاريخ,, بجامعة الملك سعود حيث ترقى إلى استاذ عام 1982م الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية، بالاضافة لوظائف أخرى يشغلها وشغلها من قبل، عضو في مجلس الشورى,, له العديد من الاصدارات العلمية، والترجمات، والتحقيقات، والشعرية (ديوان بوح الشباب عودة الغائب لا تسلني) وباللهجة المحكية (نمونة قصيد)، وله العديد من الكتب المقررة في التعليم العام.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved