أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th August,2000العدد:10181الطبعةالاولـيالأحد 13 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

الشعر ديوان العرب,, والفرس
منى عبدالله الذكير
دون ريب أن الشعر ديوان العرب، البعض يفسر العبارة في أن الشعر الشفاهي غير المدون، ساهم في طمس تاريخ العرب، بمعنى أن جميع الحضارات الأخرى، الشرقية مثل الهند وفارس والغربية مثل الاغريق واليونان كانت لهم كتابات وحفر على الحجر، ورسومات جعلت تاريخهم يمتد ويحفظ منذ مئات بل ملايين السنين,
بينما شعرنا المتناقل عبر الأحاديث المروية، والإلقاء الشفاهي، إنما لم يترك منفذا للمؤرخين والآثاريين لمعرفة تطور مسار الحضارة في شبه الجزيرة العربية, بالقطع ذلك لا يمت الى الحقيقة بشيء فالى جانب ما كشفت عنه التنقيبات الحديثة في هذا العصر من آثار مادية منحوتة، ومن مدن كاملة، ونقوش وحلي في جهات كثيرة من الجزيرة, فإن الشعر هو لسان حال هذه المنطقة, لأن العصر الأدبي يرتبط بالعصر التاريخي، وأن الأحداث السياسية الخطيرة التي تغير وجه التاريخ وتتحكم في مصير الإنسان لابد أن يعقبها تحول في طرائق التعبير, ثم ان القضايا الكبيرة تتعلق بالمضمون أي بالموضوع الأساسي، أو الحدث ذاته والأفكار، إن الأوديسة والإلياذة هي ملحمة يونانية كانت عبارة عن مئات من الأبيات الشعرية تصف مرحلة تاريخية وحربية ثم وبمرور الزمن وحتى مئات السنوات اضاف العديد من الشعراء، والرواة مئات الأبيات، وتحولت الى ملحمة من آلاف الأبيات.
انها قصيدة خلدت الحضارة الإغريقية، إذاً لماذا يُحزن البعض أن يُخلد تاريخنا العربي في شبه الجزيرة بقصائد ومعلقات وأبيات هي الحياة، هي الإنسان، ومن حسن حظ الأمة ان يولد شعراؤها، حيث يربطون إبداعهم الذاتي بتاريخ وأحداث أوطانهم، وللشعر دوافع تبعثه في النفس، ودواعٍ تحث عيه، وظروف تجعل الشاعر ينظم أبياته.
وتلك الظروف تشمل الزمان والمكان، وحتى الأجواء والأحوال وهي التي تساعد الشاعر على تهيئة إبداعه, الى جانب الدوافع النفسية التي تملأ نفس الشاعر بسيل القوافي التي تفجر عيون المعاني، مثل الفخر والشجاعة، والكرم، والحزن والعشق والنخوة والمديح والقدح وهكذا.
قال ابن رشيق: ان للناس ضروبا يستدعون بها الشعر، فتنبه الخواطر، وتلين عريكة الكلام، أي أنهم يستشهدون بأبيات الشعر لشرح ما يريدون التعبير عنه بالكلام.
الشعر نوع من الأدب بالطبع، وبذلك استطاع ولم يزل القيام بعدة وظائف فهو مصدر للسيرة، ووثيقة اجتماعية وتاريخية، وهو أسلوب تعليم بالنسبة لقواعد اللغة، ومناحي التفكير المبدع، وجمال السبك وهكذا, ولكن الأهم في الشعر انه ينقل موقف ومبادىء الشاعر نفسه, وتفاعله مع الأحداث الواقعة في زمنه ونقلها الى قصيدته، التي تتحول مع الزمن الى صحيفة وتوثيق تاريخي يستطيع الدارس من خلال الإطلاع عليها فهم طبيعة تلك الحقبة بكل المحاور التي مرت بها.
الشعر العربي الجاهلي، العباسي، الأموي، الحديث هو روح كل عربي ومبعث فخره، وسر سعادته حين يتمثل به ويسمعه، هذه حقيقة لا مراء فيها, ونحن العرب لا يضيرنا ان نفخر وأن نستلذ وأن نكرم شعراءنا, فنحن مثل كل البشر ممن يفخرون بتاريخهم والشعر العربي جزء حيوي وفعّال في متون سيرتنا التاريخية، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نتذوق الشعر الآخر,, أي ما نظمه شعراء غير عرب بل ان احترامنا للشعر ينعكس إيجابا، احتراما وحبا للشعر الجميل في أية لغة سطر بها، وأمامي وريقات تحمل سجلا لبعض شعراء بلاد فارس فتاريخها حافل بمجموعة من الشعراء العباقرة يفخرون بهم حتى يومنا هذا، ولا ينقطعون عن ذكرهم,, بالنسبة لي أنا عاشقة الشعر الجاهلي والعربي عموما حتى يومنا هذا,, احب جدا شعر عمر الخيام شاعر فارس الشاعر العاشق الذي ماتت حبيبته ياسمين متأثرة بأحد الأوبئة التي عمت المنطقة في ذلك الحين، وربما داء الجدري، فماتت محمومة تهذي باسمه,, وأقام عند قبرها وزهد في الدنيا الفانية,, لقد كان يناجيها ناصحا بهذه الأبيات العذبة التي ترجمها احمد رامي,,


أفق خفيف الظل,, هذا السحر
نادي,, دع النوم وناغي الوتر,.

قال هذه الأبيات وهو في زهوة الحياة والحب,, ولكنه صعق عندما تكشفت له حقيقة النوم الأبدي,, الموت,, فتاب وأناب الى الله الواحد القهار سبحانه,, يستغفر ويذرف الدمع,, وإن الله يدعو الى المحبة ويمجد الحب,, الحب الذي يهذب النفوس ويرقق المشاعر ويزيح الحقد والكراهية من القلوب العمياء.
من أشهر شعراء فارس,, سعدي الشيرازي,, الذي يقول في مطلع قصيدة له:


تذكرت عهد أبي في الصغر
عليه من الخلد نشر عطر
تعهدني بنفيس الكتب
وقدم لي خاتما من ذهب

وقوله في بيت آخر:


فلا تنتظر من حبيب جواراً
إذا كان بيتك للخصم داراً!

ومن عظماء الشعر الفارسي أيضا,, جلال الدين الرومي والذي تُظهر سيرته التاريخية الى ان نسبه يعود إلى الخليفة الأول أبو بكر الصديق,, هذا الشاعر ذو الفكر الرفيع والفلسفة الحكيمة, فريد الدين عطار الملقب بخواجة عطار، وله كتاب منطق الطير أو مظهر العجائب وكان سني المذهب وُلد في مدينة نيسابور بإيران عام 517ه, وقد سافر الى العديد من البلاد العربية والإسلامية مثل ري والكوفة ومصر ومكة حيث أقام فترة طويلة, ويُقال انه ألف كتب ودواوين شعر بعدد آيات القرآن الكريم، وقد وضع كتابه الشهير في مكة المكرمة وهو لسان الغيب وفصل فيه جملة من تاريخ نضاله وحوادث كفاحه، ومن اشهرها أي من فصول الكتاب، أسرار نامة، مصيبت نامة، جواهر نامة، (أي جواهر الذات) وخسرو نامة، والتي تنتهي بنامة كان عددها اربعين بلغت قمة الشهرة والذيوع, وقصة فضلهُ عجيبة فقد وقع أسيرا بين جند من جيش جنكيزخان القائد المغولي المدمر الذي اجتاح مدينة نيسابور وقتله احد الجنود بضربة سيف وبعد ان علم من هو وقرأ شعره ندم كثيرا وقضى بقية حياته مقيما الى جانب قبره ولا ننسى الشاهنامة أهم كتب الفارسية وتترجم لأجيال من ملوك فارس وحروبهم وحياتهم، آخر أسرة من الملوك الفرس وهم البيشدادية تطرح الشاهنامة ما يقرب من 5441 بيتا من الشعر حول نسبهم ونسقهم، في الواقع حاولت قراءة اجزاء مترجمة من الشاهنامة ولكني لم افهمها كثيرا، او لنقل لم اتذوقها,, وربما لو أحسنت اللغة الفارسية لاعجبتني أكثر,, والخلاصة انني عدت لقراءة شعرنا الجاهلي العربي بتلذذ وفخر, مع حبي لجميع أنواع الشعر العالمي العظيم, إنه الإنسان في كل مكان.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved