أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 17th August,2000العدد:10185الطبعةالاولـيالخميس 17 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
زمن الرواية
ريمة مبارك الخميس
زمن الرواية كتاب جديد صدر منذ عدة أيام للدكتور جابر عصفور، خدعني عنوانه، فبذلت جهدا مضنيا حتى حصلت عليه، فجابر عصفور هو صاحب الدراسة المميزة الصورة الشعرية ونحن قد مرت بنا إشارات عديدة الى دراسات اجنبية تتوفر على دراسة الزمن الفني للرواية لم تصلنا منها ترجمة او تلخيص موثوق به، وظلت مثل تلك الاطروحات والاشارات اليها تذكرنا بما تفتقده المكتبة العربية او بجانب لم نشبعه في ثقافتنا بعد، ومن هذا كان الحرص على الحصول على كتاب الدكتور جابر عصفور الذي بدأ محاولة لرأب شيء من هذا النقص وانه بلاشك يتميز بما تميز به كتابه عن الصورة الشعرية من تجنيح للرؤية وجدية في اشباع الدراسة.
لهول الفاجعة والأسف تبيّن ان المقصود بزمن الرواية هو زماننا، أي ان الدكتور جابر قد اجهد نفسه، وامضها وامضنا بالاحصائيات لاثبات ان الشعر قد تخلى عن مكانته هذه الايام بعد ان كان هو واجهة الادب في كل مكان، وأفسحها للرواية التي لم تزاحمها اشكال التعبير الاخرى كالمسرح.
يعتمد الدكتور جابر في اثبات هذا الزعم على ثلاث فرضيات: الاولى: نص كان قد كتبه نجيب محفوظ يقول فيه: لقد ساد الشعر في عصر الفطرة والأساطير, اما هذا العصر، عصر العلم والصناعة والحقائق، فيحتاج حتما لفن جديد، يوفق على قدر الطاقة بين شغف الانسان الحديث بالحقائق وحنانه القديم الى الخيال, وقد وجد العصر بغيته في القصة، فاذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار فليس لانه ارقى من حيث الزمن، ولكن لانه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائما للعصر، فالقصة على هذا الرأي هي شعر الدنيا الحديثة ,, وبغض النظر عن سطحية هذه الرؤية وسذاجتها لنجيب محفوظ فان اهميتها كنص يعتمد عليه جابر عصفور في اثبات ان هذا الزمن هو زمن الرواية تفقد مصداقيتها برجوع النص الى زمن ليس هو زماننا فهذه الكلمات كانت قد نشرت في مجلة الرسالة في سبتمبر عام 1945م كما يذكر الدكتور جابر نفسه ,,، وآنذاك لم يكن العالم العربي على الاقل قد عرف البث التلفزيوني في ابسط اشكاله وكانت علاقته بالسينما في بداياتها المرتجلة ومن ثم قامت الرواية بأدوار هذه الاجهزة وأصبحت هي إعلام ذلك الزمن البعيد، مما اوعز خطأ الى نجيب محفوظ او غيره بأن الشعر كفن قد تخلى عن مكانته للرواية وتلك مسألة غير صحيحة، اذ سمعنا وقرأنا ان قصيدة لشاعر مرموق آنذاك تنشر في الصفحة الاولى من صحيفة يومية كانت كفيلة بنفاد الصحيفة فور الصدور.
الفرضية الثانية: التي يعتمد عليها جابر عصفور احصائية مطولة بجوائز نوبل والحاصلين عليها من الأدباء، ليبين ان كل شاعر يقابله كاتبان للرواية، وهو مؤشر فيما يرى على شيوع فن القصة في عصرنا، مع ان الاحصائية التي اعتمد عليها تبدأ بالعام الاول للجائزة 1901م ، وهو ما يعني ان صح الاستنتاج ان زمن الرواية هو زماننا والأزمنة السابقة على حد سواء.
والفرضية الثالثة: ما يلاحظه المؤلف من غلبة ترجمة الرواية والقصة من الأدب العربي الى اللغات الاوروبية على ترجمة الشعر خلال اربعة وخمسين عاما حيث ترجم عمل شعري واحد، وأربعة وأربعون عملا قصصيا, واذا صح هذا الرصد فهو دليل على تخلف حركة الترجمة من العربية، وتوجهها الى الاسهل والأيسر حيث تكاد تستحيل ترجمة الشعر، ولكنه لا يثبت سيادة فن على فن يجعل من زماننا زمنا للرواية وحدها.
لسنا معنيين بضحد ما حاول اثباته جابر عصفور او بتأكيده وانما بالوقوف بكل الدهشة عند جهد يستغرق ما يقرب من اربعمائة صفحة 384 من دارس تتعلق عليه آمال كبيرة لاثبات ان زماننا هذا هو زمن الرواية فخارج هذه الفكرة تحشو الذكريات الشخصية بقية الصفحات .
فيما يؤكد على حقيقة مريرة مؤداها اننا في زمن يواجه نوعا من اختبار البقاء او المحو في ظل تحول قسري الى الانخراط في عولمة البقاء فيها للأقوى، نترك كل شيء لنناقش القضايا الصغيرة والمفتعلة هل الشعر هو الاكثر انتشارا ام المسرح من هو أمير الشعراء الجديد، أدب المرأة وأدب الرجل، صراع الأجيال، أيهما الأسبق النقد أم الابداع، هل هذا زمن الشعر أم زمن الرواية، والكارثة ان يصبح هذا هو همّ نقادنا المعروفين والكارثة الاكبر ان افتعال القضايا عادة من دراستنا لتاريخ الحضارات لا يسود الا في عصور الاضمحلال.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved