أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 17th August,2000العدد:10185الطبعةالاولـيالخميس 17 ,جمادى الاولى 1421

عزيزتـي الجزيرة

لغات ومصطلحات تغيرت قيمتها الدلالية
عزيزتي الجزيرة
في اللغة العربية، وفي لغات اخرى، كثير من المصطلحات التي تغيرت قيمتها الدلالية، وتطور مفهومها من عصر الى عصر، ومن بيئة اجتماعية وجغرافية الى اخرى، بصرف النظر عن معانيها المعجمة,
فبعضها قد اكتسب قيمة دلالية معينة في عصر ما, ثم فقد هذه القيمة في عصر آخر,, لانتفاء الحاجة الانسانية اليها, أو لان مصطلحات اخرى حلت محلها، ونابت في الدلالة عنها، فتقلص مفهومها، أو بطل استعمالها,
وبعضها مصطلحات جديدة مولدة, نحتا واشتقاقا، أو ترجمة وتعريبا، ودعت الى استخدامها متطلبات الحضارة الانسانية الحديثة، والحاجة الى مواكبة التطور العلمي الهائل الذي رافقها,
وبعضها قد تطور مفهومه الدلالي، او اتسع كان يدل على قضية ما، ثم صار يستعمل للدلالة على مفهوم آخر، أو انه كان يدل على مسألة جزئية، ثم اصبح يدل على مسألة اكبر وأشمل,
ومنها مصطلحان هامان، يكثر تداولهما في الوقت الحاضر )الثقافة والفن(، وهما من المصطلحات التي لا تفيد المعاجم القديمة في التعريف بمعناها الحديث,
فالثقافة هي الظفر بالعلم، وتقويم القوى العقلية,
منذ نهاية القرن الثامن عشر، تطور هذا المفهوم للثقافة وتجاوز الحدود المعرفية ليشمل تهذيب الشخصية الانسانية، للوصول بها الى الكمال الممكن,
فاضاف الى العلم غنى أخلاقيا جماليا فنيا وجعل من المثقف انسانا متعلما راقيا قادرا على تهذيب ذوقه، وتسديد أحكامه، وترفيه عيشه، والارتقاء بمواهبه وملكاته,
وللثقافة اليوم أبعاد تتجاوز المستوى الفردي الذي يتعلق بشخصية المرء وذهنه، لتصبح حصيلة عمل اجتماعي ضخم، وتراكم تاريخي وفكري وحضاري، وتنامى وتبلور عبر عصور كثيرة وطويلة, انفتح فيها على الثقافات الاخرى وتفاعل معها حتى انتهى الى ما يسمى: الثقافة الوطنية او القومية,
ان ثقافتنا العربية هي ثمرة تشابك الثقافات الوطنية وتفاعلها,
صحيح ان لكل منها مفاهيم تختلف باختلاف الأزمنة والشعوب وفئات المجتمع، وتميز ثقافة عن اخرى، لكنها بالنتيجة تجتمع على قيم متجانسة وتؤلف مجموعة من المعارف والمهارات التقنية والعقلية والفكرية، وانماطا من السلوك والعادات والتقاليد، ومبادىء اخلاقية وروحية مشتركة بحيث يدخل في تكوينها كل المعطيات الحضارية الجمة، ومختلف الآداب والفنون والعلوم وبحيث يكون للعنصر المعياري فيها دور يتصل بمفهومها الحضاري، الذي يكون بعضا من النسيج الحضاري الانساني عبر الاسهامات الكبيرة لوسائل الاعلام والاتصال المتنوعة,
ولكي تزدهر ثقافتنا العربية يجب ان يتوفر لها باحثون يبادرون الى دراسة خصائصها ومكوناتها، ويضعون نظريات ومقاييس للانتاج الفكري، والابداع الفني، وتنقيها من الاوهام والغيبيات والخرافات الباطلة، التي علقت بتراثنا الثقافي وتبقي على ما هو اصيل ونبيل وعلى ما يصلح ان يكون وحيا لا عبئا,
وبهذا، تكون ثقافتنا العربية مؤهلة لتقوم بدورها الايجابي المطلوب في حياتنا المعاصرة ويكون لها قدر كبير من التأثير في صناعة مستقبل زاهر,
اما الفن، الجانب الأوسع من الثقافة، فهو التنوع والتلوين وتعدد الاساليب والاندماج مع الطبيعة وتصويرها والسمو بها ومعها,
هو جملة القواعد الخاصة بحرفة او صناعة، الوسائل التي يتوصل الذكاء البشري بها الى نتائج تطبيقية تقنية متطورة,
إنه يشمل الصنائع الفاذقة )الفنون الجميلة( الشعر والخطابة والموسيقى والرقص والتصوير والنحت والعمارة والسينما، وهي بذلك تضم الفنون التشكيلية، وتشترك جميعها في عنصر الابداع الشخصي الحر,
انه الطاقة التي يتميز بها الانسان الموهوب وتسعده على الخلق المستمر، من خلال عمله الواعي، واحيانا اللاواعي، يحاول فيها توليد احساس رهيف بالجمال، ومن هنا تناول الفن الشعري قضايا الشعر وشؤونه الجمالية,
لقد اتسع مفهوم الفن ليشمل الفنون الادبية ايضا وهي الانواع التي يتناولها الأدب، ولكل ميزات مرتبطة بالموضوع واسلوب التعبير، واطار محدود يعالج الموضوع ضمنه، من حيث الاصول والاغراض والخصائص المميزة له,
في النثر كانت الخطابة والتاريخ والمسرح والرواية والرحلة والسيرة والرسالة والمقالة والدراسة,
وفي الشعر كان الفن الغنائي والملحمي والمسرحي الشعري والتعليمي,,
وقد يتسع مدلول الفنون الادبية ليشمل الاغراض والاشكال الأدبية، من وصف ورثاء وغزل وفخر ومديح ومقامة وموشح,
ومن المهم ان نذكر ان لا حدود في الادب بين فن وآخر، فالاديب بموهبته المبدعة قادر على الانتقال في الأثر الواحد، من فن الى آخر مع المحافظة على الاصالة والامتاع,
ويذهب بعض النظريات الى القول: بأن لا وجود للفنون المتميزة في الادب، وان تقسيم الادب الى فنون ما هو الا تقليد متوارث من القدامى الذين سعوا لإدراجه ضمن انواع معينة، لا وجود لها اصلاً,
ويذهب بعضهم الى القول: بأن الفن الادبي لا يتحدد بصفات ثابتة، بل يولد ويتطور ويموت، ثم ينبعث في شكل جديد، باستقائه من فن آخر منقرض او مستحدث، وبأن الفنون الادبية، هي في واقعها انواع خاضعة لجميع عوامل الحياة وحتمياتها وبذلك اعتمدوا نظرية النشوء والارتقاء وتنازع البقاء، وبقاء الأصلح في فهمهم لتبرعم الفنون الادبية وتألقها وذبولها وموتها، او انبعاثها من جديد,
ويتسع مفهوم الفن ايضا ليشمل الفنون السبعة وهي حسب التصنيف اللاتيني:
القواعد والبلاغة والجدل والحساب والهندسة وعلم الفلك والموسيقى,
وهي حسب المفهموم العربي انواع من القصيدة المواليا والمكان والقوما والدوبيت والسلسلة والموشح والزجل، وتتميز كلها بتأثيرها باللهجات الدارجة وتنوع القافية,
كذلك يتسع مفهوم الفن ليشمل الفنون الشعبية )الفولكلور(: وهي مجموع التقاليد والعقائد والاساطير والآداب والمهارات اليدوية المتوارثة من الجذور التاريخية للمجتمع,
وبعد، اذا كان الادب حالة ذهنية ذاتية، من التفكير والتأمل وصياغة الافكار والمشاعر، فان الفن هو الابداع والابتكار والتجديد والخلق وهو الوسيلة التي يتوصل فيها المبدع الى نقل حالته الذهنية وافكاره الى الآخرين وعندئذ يصبح العمل الفني ابداعا، وما لحظه التلقي والاستيعاب والتأثر والفهم الا الابداع بعينه,
واذا كان العلم هو الجانب النظري من الثقافة يمثل الجهد الانساني للاطلاع النظري، فإن الفن هو الجانب الابداعي منها، الذي لا تزدهر الثقافة الا بازدهاره,
مالك ناصر درار
المدينة المنورة

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved