أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 18th August,2000العدد:10186الطبعةالاولـيالجمعة 18 ,جمادى الاولى 1421

الاخيــرة

الزائر الثقيل
زارني زائر فأطال المكوث في مكتبي، فأخذت أتململ، وأرسل له الإشارات لعله يفهم، لكنه كان أصمّ غير أبكم، ينتقل من موضوع إلى موضوع، ومن حديث إلى آخر، فتذكرت أنني كتبت في إحدى مقالاتي بمجلة تجارة الرياض عن الزائر الثقيل، فقلت لنفسي لعله لم يقرأ المقال، وسأعيد نشره باختصار في جريدة الجزيرة فيدرك بنظره ما لم يدركه بمسمعه، فيخفف إذا زار، والاَّ فأنا معذور بعد ذلك فقد كتبت: زوار الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة والشركات بأنواعها يختلفون في أساليبهم ومراميهم، فمنهم من يقدم الى الدائرة الحكومية لينهي أمراً من أموره لم يجد بداً من متابعته، وينهج في ذلك منهجاً جاداً, فهو يسعى حثيثاً لإنهاء أمره بأيسر السبل وأسهلها وأسرعها, فتراه ينتقل بين المكاتب دون أن يضيع وقتاً هنا وهناك, ومن المراجعين من تراه يأتي ليطيل المكوث فيدخل في حديث تلو آخر ظناً منه أن ذلك يسعد المتلقي ويجعله ينهي موضوعه بيسر وسهولة, وهو بذلك يضيع وقته ووقت صاحبه, وبعد أن يقضي ساعة أو ساعتين تراه يطرح مطلبه بطريقة لبقة لعله يحظى بالرعاية، غير أنه نسي أنه اضاع الكثير من وقت سّخِّر لخدمته, وما أحسب المتلقي إلاّ وقد أخطأ الصواب إذا ترك له العنان، فأيسر السبل ما قاله سهل بن هارون من ثقل عليك بنفسه، وغمك بسؤاله، فأعره أذناً صماء، وعيناً عمياء , أو كما كان يفعل أبوهريرة إذا استثقل رجلاً فقال له: اللهم اغفر له وأرحنا منه, أما الأعمش فإذا حضر مجلسه ثقيل قال:


فما الفيل تحمله ميتاً
بأثقل من بعض جلَّاسنا

وقال أبوحنيفة للأعمش وأتاه عائدا من مرضه: لولا أن أثقل عليك أبا محمد لعدتك والله في كل يوم مرتين.
فقال له الأعمش: والله ياابن أخي أنت ثقيل علي وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين.
وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قال: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون).
وقال رجل في ثقيل:


أنت يا هذا ثقيل
وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسان
وفي الميزان فيل

وهكذا كان حال الثقلاء، ومن اراد أن يستزيد فعليه بالعقد الفريد لابن عبد ربه.
وأكثر الناس ثقلاً من يضع نفسه بين جمع من الناس ألفوا الجلوس مع بعضهم واعتادوا عليه، وكان ذلك ديدنهم مدة طويلة، فما تراه إلاّ وقد أطال المكوث، وابرم مستقبليه, تراهم يلتفتون يمنة ويسرة، ويحدثون بعضهم بعضاً لعله يعي ما يقال، ويدرك بفهم مايراد, وقد يصل بعضهم الى التصريح بعد التلميح، لكن ذلك الثقيل غير آبه بما يقال، وغير مدرك أو مدرك لما يراد إلاّ انه الف أن يكون كذلك ثقيلاً منغصاً، يجلس حيث يطيب له الجلوس، وبالمدة التي يراها ممتعة له دون رادع من حياء.
ومن الثقلاء من يستغل المجلس الذي هو فيه ليقضي حوائجه الدنيوية، فعند دعوتك لمن أوكل إليه أمر من أمور الناس، تراه يأتي بأوراقه ويفتح قلمه ويقدمه الى المسؤول، ويطلب منه الشرح على الأوراق ليضع المسؤول في حرج، وليحيل المجلس من مجلس، غداء، أو عشاء الى مجلس شرح على معاملات، مع إحراجه في امور قد لايكون مقتنعاً بها, ومن المنغصات أن يأتي المراجع الى الموظف في منزله لإنهاء معاملاته، فليس من المعقول أن تكون المنازل مكاناً لدراسة الأوراق الرسمية بحضور صاحبها.
وحسبنا قول حبيب:


يا من له وجهة إذا بدا
كنوزقارون من البغض
لو فر شيء قط من شكله
فرَّ إذاً بعضك من بعض
أو قول الحمدوني:
سألتك بالله إلا صدقت
وعلمي بأنك لا تصدق
أتبغض نفسك من بغضها
وإلاَّ فأنت إذن أحمق

د, محمد بن عبدالرحمن البشر

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved