أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 18th August,2000العدد:10186الطبعةالاولـيالجمعة 18 ,جمادى الاولى 1421

عزيزتـي الجزيرة

التراث العربي كيف يحيا,, وكيف نُحببه؟!
عندما بدأ طه حسين في كتابة حديث الاربعاء بمجلة السياسية الاسبوعية كان يقوم باعادة كتابة جزء هام من التراث العربي, فقد حدث الناس عن ادباء وشعراء اندثر عصرهم,, وأوشك القراء ان ينسوهم، او لا يتذكرون احداً منهم.
والآداب القديمة لا تحيا الا على اقلام جديدة معاصرة لان الادب القديم يختلف في اسلوبه وفي تصوراته عن العصور الحديثة، ومن حق كل ادب قديم ان يبعث بعثاً جديدا في كل عصر جديد وكان امين الخولي يقول: ان التجديد هو قتل القديم بحثاً، او هو فيما أقول بعث القديم بعثاً,وقد عرفت الآداب الاوروبية في عصورها الناهضة قيمة الادب اليوناني القديم، فاستلهمت من مسرح اليونان عناصر المسرح الاوروبي منذ عصور النهضة حتى اليوم,, كما في اشعار الباذة هومبروس الايحاء الفني بالشعر خاصة في اشعار الملاحم وفي فلسفة ارسطو طاليس، وافلاطون ما يوحي بكتابة الاراء الفلسفية التي تصور الحق والخير والجمال, او تجسيد معنى الفضيلة في المجتمع الرفيع المثالي الذي تصوره عمالقة الفكر في اوروبا, وكان آخرهم برتراند راسل ,ولكن الفكر العربي لم يجد في عصرنا الحاضر من يتصور مثل هذا التصور او يقدمه للناس كما قدم الاوروبيون التراث القديم من ادب اليونان وافكارهم وفلسفتهم في صورة معاصرة، لان مراحل الظلام التي عاشها العرب حجبتهم عن حقيقة فكرهم، وابعدتهم عن تصور تراثهم القديم تصوراً حديثاً معاصراً,,!
وكان طه حسين ومعاصرون من امثال امين الخولي، ومصطفى عبدالرازق واحمد امين يحاولون عن طريق المنهج الجامعي الاكاديمي بعث هذا التراث من جديد, حتى يصل الى الناس, ولكنهم! اقتصروا في دعوتهم الى الجديد والتجديد على تلقين تلاميذهم هذا الدرس العظيم الذي ضاع في خضم الحياة السريعة المعاصرة ووصل منهم شيء ضئيل الى حياتنا الفكرية,, وعندما كتب طه حسين مقالات حديث الاربعاء التفت الادباء والكتاب الى قيمة عظيمة في الادب العربي,, ولكن بعضهم هاجم هذه المقالات، واعتقد انه كان يظهر المجتمع الاسلامي العربي في صورة شاذة بعيدة كل البعد عن الواقع، ولم ينظروا الى المعنى العظيم الذي اراده طه حسين عندما حاول تجديد الادب، وتصوير الحياة الفنية للشعراء والادباء في عصورهم القديمة، فأعاد بأسلوبه الساحر كتابة الحياة الفنية خلال تلك العصور, وكانت محاضرات هؤلاء الاساتذة الكبار في الجامعة وعلى رأسهم طه حسين وأمين الخولي ومصطفى عبدالرازق واحمد امين هي الدعوة الى البحث الجديد للفكر العربي وللامة العربية، ولكن دعوتهم لم تصل الى شيء يتحقق في حياتنا الحاضرة، لان معظم الكتاب والادباء انصرفوا الى فن القصة والرواية، ولم يلتزموا بدعوة التجديد في الشكل,, او المضمون وقد اعتقدوا ان ارضاء جماهير القراء يتم عن طريق الاثارة او الاستثارة لا عن طريق الاصالة التي ترتبط بواقع الادب من حيث التعبير والتصوير,, الامر الذي ضاعت معه معالم التعبير الادبي المتصل بقدرة اللغة على انها كائن حي متطور يستطيع الوصول الى التعبير بالكلمة القادرة الفصيحة في كل عصر وفي كل زمان ومكان واصبح الاستخفاف باللغة لعبة بين اقلام الكتاب، مع أن اللغة هي المادة الاساسية والوسيلة للتعبير الفني في كل ادب.
ولم يحدث استهتار بلغة من لغات الارض كما حدث استهتار باللغة العربية حتى زعم بعض ممن لايعرفون هذه اللغة انهم يكتبون اشعارهم بالعامية، ولم يفهموا ان الفنان في كل فن لا يستطيع ان يصنع فناً بغير مادته الاساسية, فالرسام لا يرسم صورة بغير الوان يعرفها ويعرف خصائصها ويعرف يركبها، والنحات لا يمكن ان يكون نحاتاً الا اذا عرف كيف يمسك الازمير في يده ليصنع التمثال من حجر او رخام, ولكن الكتاب والشعراء في عصرنا، وهم لا يعرفون اللغة يزعمون انهم يكتبون الشعر والقصص والروايات بغير حاجة الى المادة الاساسية في الفن وهي اللغة, ويدعون ان الكلمات التي يستخدمونها في كتابة هذه الانماط الادبية المشوهة من الفن، مع ان اللغة التي يستخدمونها وهي اللهجات العامية ليست لها قواعد ولا معاجم ولا قيمة, وقد لا يعلمون ان امثالهم في عصور سابقة كتبوا بمثل هذه اللهجات، ثم ضاعت آثارهم الادبية واصبحنا اليوم لا نستطيع فهمها لانها لهجات عامية مبتذلة ظهرت في عصور الانحطاط والضياع.
ثم اختلفت وتنوعت وفقدت قيمتها على مر العصور ونحن اليوم لا نستطيع فهم بعض النصوص الادبية التي قيلت او كتبت باللهجات العامية في بعض البلاد العربية وذلك في العصور السابقة,, ولكننا نستطيع فهم النصوص التي كتبت باللغة العربية الفصحى لانها هي اللغة التي نفهمها مهما اختلفت العصور والازمان,,!
مما سبق ذكره نحن بحاجة الى اعادة كتابة قصة حي بن يقظان لابي العلاء المعري لنتعلم كيف كان اسلافنا يكتبون الدراما الانسانية.
وهناك نماذج كثيرة في التراث العربي اخشى ان ننساها فننسى انفسنا ولا ندرأ قيمة وجودنا ثم نعود للبحث عن انفسنا فنجد ان حياتنا قد ضاعت لاننا اضعنا تراثنا وحياتنا ووجودنا ووجداننا,, لا أمة بغير تراث,, ولا شعب بغير ثقافة، ولا إنسان بغير حضارة.
ان المشكلة الكبرى في حياة الشعب العربي هي انه اوشك ان يفقد نفسه ويضيع نفسه,, ويستسلم لحضارات مستوردة لا تستطيع ان تمنحه الوجود,, والبقاء,, هذه هي اخطر المراحل التي يمر بها أي شعب من شعوبنا العربية, وللحديث بقية,.
محمد الرجيعي
بريدة

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved