أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 23rd August,2000العدد:10191الطبعةالاولـيالاربعاء 23 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

رؤى وأفاق
البَدِيهَةُ والرَّوِيَّة
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل
البديهة انطلاق اللسان بما يُهيّئه الذهن من شعر منظوم او نثرمؤثر فيمن يستمع اليه في سرعة نافذة كنفوذ السهام، والروية التراخي في القول، بما يتيح للمتكلم تجويد نطقه، في اداء محكم، وبناء لا يناله العيب، ولا يتطاول عليه النقد.
وقد تُعجبُ البديهة أكثر من اعجاب الروية، وذلك ملحوظ في الأمثال التي قيلت بداهة، وحفظت في حينها، ثم تناقلها الناس والرواة، ودونت في الكتب بعد ذلك، ومنها: استَنوَق الجمل، الصيف ضيعت اللبن، الثكلى تحب الثكلى، الجار ثم الدار، القول ما قالت حذام، رب مفتون بحسن القول فيه، خلا لك الجو فبيضي واصفري.
والبديهة صنعت سيرورة الرجال، فهي عامل مهم في نقل الأخبار، وإذاعتها في الناس، فأكثم بن صَيفِي نقلت أخباره بعد حسن قوله على البديهة في مجلس كسرى، فقد تدفق الكلام من فيه كما يتدفق الماء في الجدول، بدون إعداد سابق.
وقس بن ساعدة ذاع صيته بعد خطبته في سوق عكاظ، التي قالها ارتجالا مع انها حافلة بالحكم التي تحتاج إلى إعداد وتروٍ، والأعشى اشتهر بإجادة الارتجال، وطرفة بن العبد عرف بتوقد الذكاء، وسرعة الاجابة، ونفاذ النقد، ومع ذلك فقد نجا المتلمس صاحب الروية، وقتل طرفة في قصتهما المشهورة مع عمرو بن هند ملك الحيرة.
ومن اصحاب البديهة امرؤ القيس، فقد اورد اصحاب الاخبار مساءلة عبيد بن الأبرص لامرئ القيس التي منها:


ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر
ولا لسان فصيح يعجب الناسا

قال امرؤ القيس عن البديهة:


تلك الموازين والرحمن انزلها
رب البرية بين الناس مقياسا

ومنهم طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، ومما يثبت قدرة الحارث بن حلزة على إنشاء الشعر بداهة انه قام في مجلس عمرو بن هند وارتجل معلقته التي مطلعها:


آذَ نَتنَا ببينها اسماءُ
رُبَّ ثاوٍ يُملُّ منه الثَّواءُ

وكانت تغلب تطالب بكراً برهائن لها عند عمرو بن هند، قيل ان سبب هلاكهم البكريون، فلما فرغ الحارث من ارتجال قصيدته التي اعجب بها عمرو بن هند، كما اعجب بالحارث وقدرته على إنشاء هذه القصيدة الطويلة في مجلس، لما فرغ منها حكم عمرو بن هند انه لا يلزم بكر بن وائل ما حدث لرهائن تغلب.
ومنهم حسان بن ثابت، وسهيل بن عمرو الذي ابدى ملحوظات على كتابة صلح الحديبية، تدل على الذكاء وسرعة البديهة، ومنهم عبدالله بن عباس، الذي تدل اجاباته على بني أمية انه متمكن من الجواب السريع، في احلك الحالات، وقد عرف جرير بالبديهة، فقد دخل على الوليد بن عبدالملك وعنده عدي بن الرقاع، فقال الوليد: أتعرف هذا يا جرير؟ فقال: لا! فقال الوليد: هو ابن الرقاع, فقال جرير: شر الثياب الرقاع.
ومنهم أبوالعتاهية، وأبو نواس، وليلى الأخيلية، وأبوتمام، وابن الرومي، ومما يروى عن سرعة بديهة أبي نواس انه صادف صاحب غنم فقال:


أيا صاحب الذَّود اللواتي تسُوقُها
بكم ذلك الكبش الذي قد تقدَّما

فرد عليه صاحب الغنم:


أبيعُكهُ إن كنتَ تبغي شراءهُ
ولم تكُ مزَّاحا بعشرين درهما

وينتصر قوم للروية، ولا يعجبون بسرعة الجواب، ويرون ان التَّروي والتثبت من الجواب قبل النطق به أساس لسلامته، ويقولون: علامة الأحمق ثلاث: سرعة الجواب، وكثرة الالتفات، والثقة بكل احد, ويقولون: الامور تتشابه مقبلة، فلا يعرفها إلا ذو الرأي، فإذا ادبرت عرفها الجاهل كما يعرفها العاقل، ومن أصحاب الروية عثمان بن عفان، ومعاوية بن ابي سفيان، والمغيرة بن شعبة وعبدالله بن وهب الراسبي، وهو الذي يقول: يا قوم استبيتوا الرأي، وممن جمع بين البديهة والروية: علي بن أبي طالب، فله مواقف في البديهة، كما ان له مواقف في التروي، وعائشة فقد عرفت بارتجال الخطب كما عرفت بالنظر في الامور بتراخٍ، وعمرو بن العاص، ومواقفه معروفة في الأمرين، والاحنف بن قيس.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved