أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 25th August,2000العدد:10193الطبعةالاولـيالجمعة 25 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

العولمة,, كيف نفهم الحقيقة ,,؟
لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا إن هناك سيلاً أشبه بالطوفان في الأدبيات التي تتحدث عن موضوع العولمة فلم يعد الأمر يقتصر على مساهمات الاقتصاديين وعلماء السياسة أوالمهتمين بالشؤون العالمية، بل تعدى الأمر ليشمل مساهمات الاجتماعيين والفلاسفة والإعلاميين وعلماء البيئة.
ذلك لأن قضية العولمة لها من الجوانب والزوايا الكثيرة ما يثير اهتمام كل هؤلاء,
بيد أنه وفي وسط هذا الكم الهائل من الكتابات عن ظاهرة العولمة، يكاد المرء أن يحار في كيفية الإلمام بهذا الموضوع أو فهم حقيقته، خاصة ان كل كاتب عادة ما يركز تحليله على جانب معين من العولمة، مثل الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي أو الإعلامي.
ومن ثم، فقد أصبح يوجد الآن ما يشبه التخصص في تناول قضية العولمة.
يقول د, رمزي زكي في تقديمه لكتاب فخ العولمة ل هانس بيتر مارتين وهارالدشومان: إن العولمة ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة للماضي السحيق للرأسمالية.
فما زيادة البطالة وانخفاض الأجور وتدهور مستويات المعيشة وتقلص الخدمات الاجتماعية وإطلاق آليات السوق وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي، وتفاقم التفاوت في توزيع الدخول والثروات بين المواطنين، إلا ملامح حياة اقتصادية واجتماعية، هي في الحقيقة عودة للأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي، وهي كذلك أمور سوف تزداد سوءاً مع سرعة تحرك عجلات العولمة.
يقول بيتر مارتين وشومان في كتابهما السابق مثلاً: في القرن القادم سيكون هناك فقط 20% من السكان الذين يمكنهم العمل والحصول على الدخل والعيش في رغد وسلام, أما النسبة الباقية 80% فتمثل السكان الفائضين عن الحاجة، الذين لا يمكنهم العيش إلا من خلال الإحسان والتبرعات وأعمال الخير, إنه مستقبل مخيف.
إن الاعتقاد بأن العولمة هي من قبيل الحتميات الاقتصادية والتقنية الشبيهة بالأحداث الطبيعية التي لا يمكن الوقوف في وجهها، اعتقاد غير صحيح.
بل إن العولمة إرادة سياسية تعبر عن مصلحة الشركات دولية النشاط.
فقد أدت العولمة إلى انصهار مختلف الاقتصاديات القروية والوطنية والاقليمية في اقتصاد عالمي واحد بعد أن صار العالم سوقاً واحدة، وإن التجارة العالمية نتيجة لذلك تبدو وكأنها في نمو مطرد يستفيد منه الجميع، بعد أن غدا العالم قرية كونية متشابهة، وخاصة بعد الدور الذي لعبته الأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت ومختلف أشكال ثورة الاتصالات.
ومن العجيب ما يزعمه بعض الباحثين من أن الجزء الأعظم من العالم يتحول بخلاف التوحد والعالمية إلى جزر منفصلة، وإلى عالم بؤس وفاقة، ويكتظ بالمدن القذرة والفقيرة, وأن مساعدات التنمية التي كانت تعطى للبلاد النامية قد أصبحت في خبر كان وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وموت حوار الشمال والجنوب ودخول الدول النامية النفق المسدود للمديونية الخارجية.
والحقيقة، فإنه مع نمو العولمة يزداد تركز الثروة، وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعاً لا مثيل له.
فهناك قرابة 358 مليارديراً في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 2,5 مليار من سكان المعمورة، أي ما يزيد على نصف سكان العالم.
كما أن هناك 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية.
ويوازي هذا التفاوت العالمي تفاوت آخر محلي داخل كل دولة، حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأكبر من الدخل الوطني والثروة الوطنية، في حين تعيش غالبية السكان على الهامش.
والمشكلة، ان هذا التفاوت الشاسع في توزيع الدخل والثروة سواء على الصعيد العالمي أو الصعيد المحلي لم يعد بالأمر المزعج، بل بات في رأي منظري العولمة مطلوباً في حلبة التنافس العالمي.
وانه مع تسارع عمليات العولمة، فإن بعض المصطلحات المهمة التي شغلت ساحات الفكر مثل العالم الثالث، والتحرر، والتقدم، وحوار الشمال والجنوب، والتنمية الاقتصادية، لم يبق لها في دنيا العولمة أي معنى، خاصة ان العالم المتقدم أصبح يتجاهل على نحو خطير مشكلات البلاد النامية.
وقد ارتبطت العولمة بتحرير الاسواق المالية والنقدية، وبالتخلي عن معظم الضوابط التقليدية التي كانت تسيّر العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة.
وكان نتيجة لذلك أن الكتلة النقدية لم تعد خاضعة للسلطة النقدية المحلية (البنك المركزي).
فعمليات دخول وخروج الأموال، وعلى نطاق واسع بالمليارات، تتم في ومضات سريعة على شاشات الحاسب، وعلى نحو جعل السلطة النقدية تقف عاجزة عن الدفاع عن أسعار الصرف واسعار الفائدة وأسعار الأوراق المالية في البورصات.
وختاماً فإني أطلق صرخة تحذيرية من فخوخ العولمة,, فإن المنافسة المعولمة أصبحت تطحن الناس طحناً، وتدمر التماسك الاجتماعي والبناء الثقافي، والأصول الفكرية، والقيم التربوية، والقواعد الأدبية، والنظريات الاقتصادية، فعملت على تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس، وتدمير الاستقرار الاجتماعي ونشر الفقر والمرض والبطالة والخوف وتلوث البيئة,.
د, زيد بن محمد الرماني

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved