|
| شرفات
إن نظام الاتصال في عالم الحيوان يتوقف على فحواه، والقدرة على التراسل حول أشياء تقع خارج الحيز السكاني والزماني، نجدها فيما يسمونه لغة النحل , فالنحل قادر على القيام بحركات مختلفة مثل الرقص داخل أو قرب الخلية، يدل بها على مكان الرحيق وهي المغزى الوحيد لتلك اللغة, وهذه اللغة شديدة الشبه باللغة البشرية وتتم بطريقة تختلف كليا عن الطريقة الفيزيولوجية التي يتم بها الكلام البشري.
فإذا كانت اللغة هي نظام من الرموز والعلامات يعبر عن الأغراض والأفكار، أو أنها أسمى نظام بين الأنظمة التي يقوم عليها علم الرموز كما يقول العالم السويسري سوسير فالنحل يأتي في مقدمة الكائنات في استخدام نظام لغوي معبر يفهمه النحل ويترجم رموزه, مثلما نفهم نحن فحوى الكلام الموجّه إلينا, والفضل في اكتشاف تلك اللغة يعود إلى العالم الألماني فريش الذي استخدم عبارة لغة النحل وميز بين نوعين من الحركات الرئيسية يستعملها النحل للاتصال والتفاهم، وسماها بالرقص الدائري والرقص الاهتزازي وبين وظيفة كل منهما.
فالنحلة عندما تعود إلى الخلية محمّلة بالرحيق، تقوم برحكات تُعلم بها غيرها من النحل عن مكان اكتشاف الرحيق وكم يبعد عن الخلية، فإذا كان مكان الغذاء قريباً ولايبعد أكثر من خمسين متراً، قامت النحلة بالرقص الدائري حول نفسها يميناً وشمالاً, أما إذا تجاوز بعد الغذاء الخمسين متراً عن الخلية، قامت النحلة بالرقص الاهتزازي، وتحدد المسافة بعدد اللغات التي تقوم بها أثناء الرقص وضمن وقت محدد.
فإذا أكثرت في رقصها من عدد اللغات دلّ ذلك على قرب مكان الرحيق، وإذا قللت من عددها دل ذلك على بعده.
ويذكر فريش أنّ الزمن الذي تستغرقه إحدى تلك الرقصات هو عادة خمس عشرة ثانية, فإذا قامت النحلة بعشر لفات فِهمَ بقية النحل أنّ مكان الرحيق يبعد مائة متر عن الخلية, وإذا قامت بسبع لفات فَهِمَ النحل أنّ المسافة مائتا متر وإذا قامت بأربع لفات فإنّ المسافة هي كيلومتر واحد.
ويتنوع رقص النحل وطريقة القيام به وفق المعنى المراد إيصاله، فيقوم أحياناً برقص هو مزيج من الدائري والاهتزازي.
ويزيد أحياناً من اهتزاز البطن، أو يدور دورات دائرية ونصف دائرية في اتجاه واحد أو معاكس, فإذا اكتشفت إحدى النحلات مواداً سامة في مكان الغذاء أو قربه، سارعت إلى إعلام بقية النحل بنوع من الرقص يسمى الرقص الانذاري فيبتعد النحل عن ذلك المكان, وإذا توسخت الخلية، فإنه حرصاً على نظافة الخلية يقوم النحل بتشميع الجسم الغريب أوالمادة القذرة ويقوم برقص يسميه فريش رقص التنظيف فيسرع النحل إلى المساعدتة في تشميع ذلك الحيوان أو تلك المادة الغريبة.
وإذا ارتفعت الحرارة إلى درجة خطيرة فإن النحل يقوم برقص التهوية أو التبريد ويتجمع على التسلسل تاركاً مسافة بين النحلة والاخرى من أجل تهوية الخلية، ويقوم قسم منه بنقل قطرات الماء من أقرب مصدر مائي إلى الخلية للتخفيف من ارتفاع الحرارة.
وعندما يبحث النحل عن مكان مناسب لإقامة الخلية فإنه يرسل عدداً منه للاستطلاع, وعند عودة النحلات المستطلعات تنقل نتيجة استطلاعها إلى بقية النحل عن طريق الرقص السريع الحماسي إذا كان المكان جيداً، ويكون الرقص هادئاً وبطيئاً إذا كان المكان ليس جيداً,,, فالسرعة والحماس في الرقص يكون وفق جودة المكان.
ولاتقتصر لغة النحل على الرقص فحسب بل يستخدم رائحة خاصة يفرزها نحل الخلية الواحدة وذلك بمثابة كلمة السر بينها.
وهناك النحلات الحارسات اللواتي يمنعن الغرباء من الدخول إلى الخلية بواسطة تلك الرائحة المميزة لنحل الخلية.
ويقوم النحل بتحديد الاتجاه بحركة الرأس، فإذا رفعت رأسها نحو الأعلى فإن المكان المقصود التوجه إليه هو باتجاه الشمس.
وإذا نكست رأسها إلى أسفل يكون الاتجاه المقصود هو عكس اتجاه الشمس, وإذا أمالت برأسها بزاوية ما على يسار الخط الرأسي لقرص الشمس فهذا يعني أنّ المكان على يسار الشمس وإذا أمالت رأسها على يمين الخط فالمكان يمين الشمس.
فلغة النحل هي لغة رمزية حركية مدهشة لأنّها دقيقة ومنظمة.
* عن مجلة الطبيعة .
|
|
|
|
|
