أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 26th August,2000العدد:10194الطبعةالاولـيالسبت 26 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

حوار مع: الدكتور الباحث محمد جمال طحّان
إيانا وشهوة الكلام إيانا والاستعجال بالنشر
أقسم يومي إلى 48 ساعة كي أتمكن من الإنجاز
* كتب حسن بيضة
افرزت حلب على مر العصور أعلاماً في شتى ضروب الفكر والادب.
والدكتور الباحث جمال طحان له حضوره الفكري في الساحة العربية، عبر دراساته الرزينة وابداعاته المتميزة، ومن خلال الندوات التي يشارك فيها، وعبر دراساته المهمة التي نذكر منها: الاستبداد وبدائله في فكر الكواكبي على هامش التجديد مشاغبات فكرية هكذا تكلمت حورية وحول بعض همومه الثقافية، كان لنا معه هذا الحوار:
* قدمت الكثير من الكتب والندوات والمحاضرات عن المفكر العربي عبدالرحمن الكواكبي، ماهي السمات الكبرى لفكر الكواكبي؟
الكواكبي سؤال كبير يصعب على المرء اختصار سماته الفكرية، خشية اختزالها, اذا افترضنا أنني في قاعة امتحان منهجي يفرض علي زمكاناً محدداً في سطور، يسعدني ان اجازف بتكملة الاجابة على مقعد الدرس لعل اقتراف افشاء هواجسي يغفره تلميذ مرتقب يدافع عما دافع عنه جدنا الكواكبي، ولو غدا سلطاناً في زمانه.
وقف الكواكبي في وجه الاستبداد من منطلقات شكلت ثقافته وتمثلت بالعروبة والاسلام، ذينك المنطلقين الاساسيين اللذين لم ير الكواكبي ضيراً من تطعيمهما من خلال شجرة المعرفة الغربية الحديثة، ذلك بالرغم من تمسكه بمبادئ الاسلام الحنيف، واعتزازه بانتمائه العربي, وأريد ان اضيف هنا بأنه توجه، اولاً، الى رجل الشارع البسيط، دافع عنه، وحاول ان يسقيه لبن العلم بالتدريج ليتسلح به ويبدأ بالدفاع عن نفسه في مواجهة اشكال الاستبداد الذي يفرض الجهل والتخلف والحرمان.
السمات الكبرى الاساسية لفكر الكواكبي لا يمكنك ان تعرفها الا بعد معايشته من خلال اعماله الكاملة التي تضم مقالاته في الصحف وكتابيه طبائع الاستبداد وام القرى ,, انها كل متكامل منسجم تتضح من خلالها ارادته بأن يفهم الاسلام على انه مبادئ سامية لا يشوبها التعقيد او التشدد ولا وصاية عليها من مدعي التدين المتعممين او المتعالمين.
* بعد تحقيقك الاعمال الكاملة للكواكبي ودراستها في الكتاب الذي صدر عن مركز دراسة الوحدة العربية، ماهي المشاريع التي تنوي متابعتها في هذا المجال؟
بعد كتاب الاعمال الكاملة للكواكبي الذي درسته وحققته بتكليف من مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت وطبع منذ اربعة اعوام، انجزت تواً كتاباً عنه بعنوان صرخة الاسيان اضاءة كواكبية وأنتظر جهة تتبنى نشره كي انطلق الى مشروع آخر حول الكواكبي، فكرته واضحة لدي ولكنني الان افضل ان ابقي فحوله سراً حتى ينجز.
ولعلي بعد الانتهاء منه ارد بعض الظلم الذي وقع على الكواكبي من خلال فيلم تراب الغرباء .
* ارجو ان تحدثنا عن رسالة الدكتوراه التي احرزتها، ماهي الخطوط العريضة التي اتضحت لك من خلالها؟
الاطروحة بعنوان الثنائية في فكر زكي نجيب محمود وهي، كما هو واضح من العنوان، تدرس تحولات فكر الدكتور زكي الذي نقل الى العربية الوضعية العلمية عبر تاريخ طويل، ثم انكفأ الى التراث يعيد النظر فيه ليرد اليه الاعتبار من جديد, ومن المؤسف ان كثيراً ممن درسوه لم يلتفتوا بعناية الى تحوله في السنوات الاخيرة من حياته.
انه مفكر اشكالي يفرز التراث ويتخذ منه موقفين متعارضين ليكون ما نسميه الآن مسألة التراث والمعاصرة, ولكن فضيلة تراجعه عن بعض مواقفه لم تعفه من الوقوع بما سميته في احدى محاضراتي بهتان الثنائية التي لا تختلف كثيراً عما سماه توفيق الحكيم التعادلية ، مما جعلنا نتوزع في موقفين تجاه السماء والارض,, الحاكم والمحكوم,, الجسد والروح,.
وميزة الدكتور زكي نجيب محمود انه اراد الارتقاء بنا والانتقال من القول الى الفعل,, من التكهن الى العلم,, وباختصار اراد تجديد الفكر العربي عبر تحوله، كما سميته في احد كتبي من الكلامولوجيا الى التكنولوجيا .
* بمن تأثرت من المفكرين العرب؟
الذين تأثرت بهم كثيرون جداً ولا مجال لذكرهم الآن,, ان عددهم يتجاوز سني عمري,.
* ومن الغرب؟
ليس من الغرب فقط، بل من الشرق والغرب والشمال والجنوب، كثيرون ممن تأثرت بهم من غير العرب، وكثيرون تأثرت بهم من غير المسلمين,, قد اختلف مع كثيرين، ولكن الاختلاف لا ينفي التأثر,, والاثر غدا منغرزا في مسامي حتى اني كنت مصاباً ب الايدز الفكري ,, لقد قرأت ارسطو حتى غدوت ارسطياً,, ثم انتقلت الى السينية فالغزالية فالوجودية فالانسانونية,, الخ,, وبالمتابعة والمران والتجربة صرت محصنا ضد جميع انواع العدوى والامراض السارية,, احمل مضادي الحيوي في داخلي وأنا اتهجى كل حرف جديد,, لا احمل العداء لأي مفكر، ولكنني ايضاً لا انقاد, ولعل احدث ما اتأثر به الآن هو سؤالك الاخير.
* ماهي مشاريعك في المستقبل؟
مشاريعي كثيرة جداً ولا اجد الوقت الكافي لمتابعتها ومتابعة قوتي اليومي في ظل حالات النصب التي استشرت لدى بعض اسماك القرش التي تريد ان تتحول الى حيتان, في الاحوال كلها انا راض لأنني اقسم يومي الى 48 ساعة كي اتمكن من انجاز بعض مشاريعي، وقد بدأت توا في مشروع الحركة الفكرية في حلب في القرن العشرين,.
ولدي ما يزيد على عشر مخطوطات بين الدراسة والنقد والقصة والشعر، تنتظر اللمسات الاخيرة والعزم لإصدار القرار بنشرها, وفي حياتي مجموعة انكسارات انعكست على احدى مناطق تفكيري، قد اشرع بتسطيرها لأبين اخطار الموت المتدرج والمتتابع في حيواتنا يوماً اثر يوم، وذلك من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان.
* ماهو رأيك في المشهد الثقافي العربي الراهن؟
المشهد الثقافي العربي ذو شجون, منذ سنوات نشرت في مجلة المنابر مقالة تحت عنوان: المشهد الثقافي العربي تعددية الشكل ووحدة المضمون اثار زوبعة ضدي,, وأخشى ان الامر ما زال كما هو، ان لم نقل انه ازداد تراجعاً وسلبية واتكالية, المضمون انت في غنى عن شرحه لأنه هش الى درجة اخاف منها عليه من ان ينكسر قبل ان يصل اليك, في محاضرة لي باتحاد الكتاب العرب نشر نصها في مجلة المعرفة السورية منذ ما يزيد عن خمس سنوات، فرقت بين المثقّف والمثقِّف بكسر القاف وتشديدها واليوم يسود المثقف وينحسر دور المثقف، لأن الاسلوب التجاري الذي يجند الابواق هو الذي يسود الارواق وتسلط عليه الاضواء.
ومع ذلك اقول: ان بعض الاعمال الفردية على صعيد الثقافة ما تزال بخير,, وما يزال المثقفون بكسر القاف وتشديدها مخلصين لرسالتهم الانسانية، من خلال اخلاصهم لأنفسهم, وتحاول بعض المنابر بصعوبة وبامكانيات ضئيلة رفع المستوى الثقافي فيها, كبر المثقفون وكبرت الثقافة وكبر همها، وبقي ذلك كله في اطار الزمن الافقي بعيداً عن تعميق الوعي والتواصل الحواري مع الجمهور.
لقد امسى المثقفون فئات مهمشة وتابعة ومهمشة في تيارات هجينة مختلفة ومتخالفة، وتحول كثير منهم الى متعلمين وأصحاب مهنة الكتاب المرتزقة، كثيراً ما ينصبون الفاعل او,, ينصبون عليه, خاصة اذا كان يعمل غير متعد,, وباختصار، فقد تردت الثقافة عن قرن مضى، عمل فيه النهضويون العرب على تأسيس رؤية متكاملة لأسس التقدم,.
وبدأنا نحن نعمل على هدم مشروعنا والطعن به وبمشروعيته من غير ان نقدم أي بديل عما قدمه اجدادنا, أتعرف لماذا؟! انا اعرف جملة من الاسباب التي ادت الى ذلك ولكنني اخاف من الكلام, كن جريئاً انت وقل لي ما السبب؟!
* بماذا تنصح الادباء والباحثين الشباب في حلب؟
غادروا المقهى فوراً,, ولا تتداينوا,, ان ما سميته سري للغاية منذ ثلاثة اعوام، صار مقززاً,, ولم يعد المقهى مكاناً للحوار، بل امسى مطباً للاحتيال,, فإيانا وشهوة الكلام، إيانا والاستعجال بالنشر وباعتلاء المنابر,, ان ما يصعد سريعاً سرعان ما يقع,, والنقد الذي يبتسم لنا لم يعد سوى فخ للنميمة والاغتياب.
* ماهي امنيتك في الحياة؟
ان اكفر عن اخطائي، واقدر على تحصين اسرتي، وخدمة من يصلهم صوتي او تصلهم كلمتي، عبر اخلاصي لنفسي لأن الله يحب من العامل اذا عمل ان يتقن عمله وأن اصادق اكبر عدد من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وهم نادرون.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved