أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 29th August,2000العدد:10197الطبعةالاولـيالثلاثاء 30 ,جمادى الأول 1421

عزيزتـي الجزيرة

,, وقالوا صدقنا فقلنا نعم,,
عزيزتي الجزيرة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كنت في رحلة إلى بولندا وركبنا حافلة كبيرة لنشهد معالم وارسو وصحبتنا في رحلة المشاهدة مرشدة لنتعرف منها على هذه المعالم وطالعتنا قلعة ضخمة عتيدة, وقالت المرشدة إن هذه القلعة بناها الروس وتلاحظون انها القلعة الوحيدة في العالم بل في التاريخ التي تتوجه فيها المدافع إلى شعب المدينة لا إلى غزاة المدينة، وذهلنا مما نسمع ثم ما لبثت ان وجدت ان اتجاه المدافع إلى الشعب وليس إلى أعدائه وهو الاتجاه الذي يتخذه الديكتاتور بالنسبة للجيش كله أيضا وانه لولا ان الجيش مغلوب على أمره لقبض على الطاغية في طرفة عين.
هكذا كان جيش يوليوس قيصر ولهذا لم يقتل بيد جيشه وإنما قتل بيد أصدقائه من المدنيين ولعل كلمته الأخيرة التي ظلت تدوي في أسماع الزمان آلاف السنين أكبر شاهد على صحة هذه الواقعة فقد ذكر التاريخ أنه حين رأى بين قاتليه بروتس أقرب أصدقائه إليه حتى ليقول البعض انه ابنه غير الشرعي حين رأى قيصر بروتس يطعنه مع الطاعنين قال جملته الشهيرة: حتى أنت يا بروتس إذن يموت قيصر .
ولو أننا استعرضنا الطغاة عبر التاريخ لوجدنا ان شعوبهم جيعها كانت بريئة من طغيانهم ومن بقائهم في الحكم ولعلنا نستثني من هؤلاء القاتلين لحرية شعوبهم نابليون فإن انتصاراته الباذخة كانت تجعل الشعب الفرنسي يتغاضى عن تفرده بالحكم ولو أن المؤرخين لعهده لم يقبلوا ديكتاتوريته، فأذكر أني قرأت لأحد هؤلاء الكتاب كتاباً عن عهد نابليون، وكان الكاتب من عشاق نابليون وقال: إن نابليون مع عظمته كان ديكتاتورا فظيعا لدرجة ان عدد الصحفيين الذين اعتقلوا في عهده كانوا أربعة عشر صحفياً.
ولا أستطيع أن أمر بهذا الرقم دون أن أذكر مقالة للأستاذ محمد حسنين هيكل سادن العصر الناصري وحبره كتبها في جريدة الأهالي وقال ما معناه ما هذه الضجة التي يثيرها خصوم العهد الناصري على الاعتقالات في عهد عبدالناصر إن كل المعتقلين الذين وجدوا في السجون عند وفاة عبدالناصر كانوا أربعة عشر ألفا فقط، وأترك للقارئ الفرصة أن يضحك ما شاء له الضحك أو يحزن ما طاب له الحزن، ولنعد إلى مقولة إن الشعب هو الذي يبقي على جلاديه حكاما له لنلقي نظرة إلى شعب العراق اليوم هل يمكن ان نشك لحظة ان الشعب راض عن حاكمه الذي دمر حياته وفرض نفسه عليه عتلا سفاحا طاغية أدخل الشعب في حروب وحشية خسر الشعب فيها من الأرواح ما خسر وخسرت فيها دولة العراق من الأموال والكرامة ما خسرت كيف يتصور أحد أن شعب العراق هو الذي يبقي على سفاحه في سدة الحكم الأمر الذي لا شك فيه ان شعب العراق مقهور على أمره ويصدق عليه قول الشاعر القديم


جلوا صارما وتلوا باطلا
وقالوا صدقنا فقلنا نعم

وهل يملك المحكوم أمام السيف المسلط عليه إلا أن يقول نعم فبديلها الموت وليس غيره.
وكم أنا معجب ببيت آخر من الشعر يصف حال الشعب الذي يحكمه الطغاة ولا يملك ان ينسب بيت شفة وإلا التقمه العذاب الوبيل إن لم يذهب الموت بحياته جميعا يقول الشاعر:


على الذم بتنا مجمعين وحالنا
من الرعب حال المجمعين على الحمد

أليس هذا هو حال العراق اليوم وحال كل الشعوب التي حكمهاالجبارون في الأرض على مدى التاريخ.
ولنذكر هتلر وما صنعه بشعبه من عسف أخذ وبيل وأرغمه على دخول حرب مع العالم أجمع لا يسانده فيها إلا ديكتاتور آخر هو موسليني جبار إيطاليا.
إن الهتافات التي تطلقها الشعوب من تمجيد طغاتها مفروضة على الشعوب ولا تستطيع عنها حولا او يواجهها أقل ما يواجهها تمزيق الجسوم والأعراض وانتهاب الأموال هذا إذا لم تنتهب الحياة جميعها.
لقد بلغ من جبروت هتلر أنه جعل تحية الفرد إلى الفرد في ألمانيا هتافا بحياة هتلر وكان وحشا مع رجاله ويكفي تاريخه خزيا أنه أرغم روميل القائد العظيم على أن ينتحر لمظنة واهية انه اشترك في مؤامرة ضد هتلر، وانتحر روميل فعلا على رغم أنفه ويشاء الله العلي القدير ان يموت هتلر منتحراً ايضا ويترك ألمانيا منهارة مقسمة إلى شرقية وغربية وتظل على هذا الحال السنوات الطوال قاست فيها ألمانيا الشيوعية مختلف ألوان القهر وإزهاق الحريات والأرواح في وقت معاً.
ونترك ألمانيا لنلقي نظرة على ما فعله الشعب الإيطالي بموسوليني حين دمرت الهزيمة جيشه فنجده يحاول الهروب ولكن الشعب الذي يقول بعضه إنه الذي يصنع طغاته هذا الشعب هو الذي يمسك بموسوليني وصهره شياتو الذي كان هو الآخر ديكتاتورا صغيراً يستمد عنفوانه من والد زوجته موسوليني قبض عليهما الشعب وعلقوهما كما تعلق الأنعام من جاموس وبقر وخراف وسلخ الشعب جلديهما.
فهل الشعب هو الذي يصنع جلاديه ام هو الذي يبغض أي عاتية يحكمه وينزع عنه حريته وقيمه وحياة كل من يحاول ان يتنفس تنفسا فيه شبهة من حرية.
وما دام الله سبحانه وتعالى يقول: وخاب كل جبار عنيد فالذي لا شك فيه ان الجبار العنيد اشد خيبة عند الشبع ومن ورائه في الآخرة جهنم يسقى فيها من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه وسبحان الحق الذي لا يرضى إلا بالحق وتقدست أسماؤه.
مالك درار
المدينة المنورة

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved