أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 31th August,2000العدد:10199الطبعةالاولـيالخميس 1 ,جمادى الثانية 1421

مقـالات

يوسف عليه السلام,, شيء عنه من : حياته 2 - 2
صالح بن سعد اللحيدان
قال سبحانه وتعالى : واستبقا الباب ,, وألفيا سيدها لدى الباب .
قال ابن ليحدان: استبقا جريا سعياً, يوسف عليه السلام يريد الهرب منها وامرأة العزيز تريد رده إليها والعلة في جرأتها عيه أنها تراه رقيق سيدها فهي مولاته وكأنه لعبة بيدها، ومن زيادة مكرها وسوئها: أنها تتزين له وتتلطف وتغمز فكانت تظن سكوته إعجابا بها وما هو إلا الحياء والصبر وصدق التحمل لان مراودتها له لابد أن يسبقه غمز وإشارات كعادة الماكرات اللاتي ركبهن الشيطان واغواهن، وما هو إلا ندامة الأبد وحسرة الحياة وغصص العيش ولو سلت العاهرة نفسها وتصابرت، ويقوى كيدها ومكرها إذا انجبت وخيل لها الشيطان ونفسها وهواها أنه : ولدها فهنا تيأس أبداً وينفخ إبليس في ظنها اليقين انها طاهرة وهذا: ولدها، وقد حمى الله جلت قدرته يوسف عليه السلام منها كما انها لم تعاود ذلك إذ تابت، والسيد هو : الزوج لعظم قدره ومنزلته قال تعالى : قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم ومن بالغ كيد المرأة هنا أنها بادرت بقذف التهمة إليه وذكرت (الأهل) زيادة في الدهاء فحكى الله تعالى عن يوسف قوله هي راودتني عن نفسي فليس له وليس أمامه إلا رد التهمة ونشدان البراءة بقول حكيم مختصر فليس أمامه إلا هذا فبيدها القوة والسلطة وهو : ضعيف / صغير.
لكن يأبى الله تعالى وقد أراد لأهل مصر التوحيد الخالص الصواب أبى إلا أن يظهر الحق فما حيلة من ليس له إلا الله؟ لا حيلة له إلا نصر الله علام الغيوب ولهذا قال تعالى وشهد شاهد من: أهلها) قال ابن كثير كان صغيرا في المهد قال ابن عباس (1) وروي عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك، واختاره ابن جرير وروى فيه حديثاً مرفوعاً عن ابن عباس ووقفه غيره (2) .
وقيل: كان رجلاً قريباً إلى قطفير بعلها (3) .
وقيل : قريبا إليها (4) .
وعمله قال إنه كان : رجلاً ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والسدي ومحمد بن اسحاق وزيد بن أسلم.
قالت ما جاء في الأولى موقوفا أصح حسب مقتضى السند.
قال ابن كثير مبينا شرح قوله تعالى إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين أي : لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه, وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين أي : لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك، وكذلك كان ولهذا قال تعالى :فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم .
قلت : إن كيدهن يأتي ابتداء، ويأتي إذ يأتي لسبب ما منه خلو المرأة بالأجنبي عنها أيا كان حتى الخادم والسائق والمزارع والطبيب غير الأمين لغير ضرورة ومع عدم وجود محرم.
ثم يبين ابن كثير حقيقة عقل وحكمة العزيز يقول ثم اضرب بعلها عن هذا صفحاً فقال يوسف أعرض عن هذا أي لا تذكره لأحد لان كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربها وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون ان الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها, هو الله وحده لا شريك له في ذلك فقال , واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين .
قلت وهذا جزء من توحيد الربوبية موجود عند أهل الجاهلية في الأرض بقي من آثار الرسل عليهم السلام إلى اممهم ومع مرور الدهر تركوا توحيد الألوهية فلم يكن ينفعهم توحيد الربوبية شيئاً فبعث الله سبحانه وتعالى يوسف عليه السلام لأهل مصر بكمال التوحيد ليسير أمرهم كله: ديناً ودنيا على منهاج صحيح سليم من عبادة الله تعالى وترك عبادة ما دونه من : قبر ورأي ومال وحياة ونار ونجوم وشمس وقمر.
ثم يبين تعالى ذلك ان هناك نساء في مصر سمعن بقصة امراة العزيز مع يوسف عليه السلام قال سبحانه وقال نسوة في المدينة امراة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين، فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن واعتدت لهن متكئاً,, .
يقول ابن كثير يذكر الله تعالى ما كان من قبل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا لأنه مولى من الموالي، وليس مثله أهلا لهذا, ولهذا قلن إنا لنراها في ضلال مبين أي : في وضعها الشيء في غير محله فلما سمعت بمكرهن أي : بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشقها فتاها فأظهرن ذماً وهي معذورة في نفس الأمر فلهذا احبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين ان هذا الفتى ليس كما حسبن ولا من قبيل ما لديهن فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه وأتت كل واحدة منهن سكيناً.
فلما رأينه أكبرنه أي : أعظمنه وأجللنه وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح وقلن حش لله ماهذا بشر إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ثم مدحته بالعفة التامة فقالت ولقد راودته عن نفسه فاستعصم أي امتنع قلت : كل من لم يؤمن إيمانا كاملاً صادقاً فيه مع ربه تعالى فإنه يقع في الاعجاب الذي يدفع إلى السوء والمنكر حينما يعجب بشخص ما وليس بمستكثر على تلك النساء ولا على امرأة العزيز لأنهن: كافرات ليس بمستكثر ما حصل منهن إلا أن النساء أهون منها في حالها مع : يوسف عليه السلام ولهذا فإن من لم يعتصم بالله ويخافه ويراقبه حال : الخلوة والفكرة فإنه لا جرم يقع في السوء.
يقول سبحانه وتعالى مبينا خطر الكفر وضرر الشرك وكبيرة الزيغ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما امره ليسجنن وليكونا من الصاغرين هذا أمر امرأة العزيز تحكي حالها : معهن على سبيل الشكوى والبيان, يقول ابن كثير وكان بقية النساء حرضته على السمع والطاعة لسيدته، فابى أشد الإباء ونأى ,, ودعاء فقال في دعائه رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين يعني إذا وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف إلا ما قويتني وعصمتني وحفظتني واحطتني بحولك وقوتك ولهذا قال تعالى فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ويبين جل وعلا حقيقة ما حصل ليوسف في السجن من : الأمانة وقوة الولاء لله وحرصه على العبادة وحسن الخلق مما جعل نزلاء السجن يتعلقون به جداً ويرجعون إليه حتى الكبراء منهم، قال سبحانه ودخل معه السجن فتيان قال احدهما إني أراني أعصر خمراً، وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه,, نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين وعبر لهما صادق التعبير فكان كما عبر عليه السلام.
لكنه إستغل السؤال ودعاهما إلى التوحيد يقول ابن كثير ثم دعاهم إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عز وجل، وصغر أمر الأوثان وصغرها وضعف أمرها فقال يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
قال ابن كثير وقد روى ابن مسعود ومجاهد وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم انهما قالا: لم نر شيئا فقال لهما قضي الأمر الذي فيه تستفتيان (6) .
قال سبحانه وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين .
يقول ابن كثير يخبر الله تعالى ان يوسف عليه الصلاة قال للذي ظنه ناجياً منهما وهو الساقي اذكرني عند ربك يعني أذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب، وقوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه أي فأنسى الناجي منهما الشيطان ان يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام، قاله مجاهد ومحمد بن اسحاق وغير واحد، وهو الصواب وهو منصوص أهل الكتاب (7) .
قال سبحانه : فلبث في السجن بضع سنين قال الفراء : ويقال: بضعة عشر وبعضة وعشرون إلى التسعين، ولا يقال بضع ومائة وبضع وألف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر فمنع ان يقال : بضعة وعشرون إلى تسعين،وفي الصحيح الإيمان بضع وستون شعبة (8) قال ابن لحيدان، والصواب ما ذهب إليه الفراء، وهو السماع الصحيح.
وأورد ابن حبان في صحيحه ذكر سبب لبث يوسف عليه السلام في السجن (9) قال ابن كثير ولا يصح.
قال ابن لحيدان ما رواه ابن حبان لم يصح سنده فلا يؤخذ به.
قال تعالى وقال الملك إني ارى سبع بقرات سمان,, يوسف (43-49).
قال ابن كثير هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك ان ملك مصر وهو الريان ابن الوليد بن شروان بن آراشه بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، رأى هذه الرؤياء.
فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل قالوا أضغاث أحلام أي أخلاط أحلام ليل (9) لعلها لا تعبير لها، ومع ذلك فلا خبرة لنا بذلك، ولهذا قالوا وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بان يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا، وذلك عن تقدير الله عز وجل ,, له الحكمة في ذلك,, فلما سمع رؤيا الملك ورأى عجز الناس عن : تعبيرها تذكر أمر يوسف وما كان أوصاه به من التذكار ولهذا قال تعالى وقال الذي نجا منهما وادكر أي : تذكر بعد أمة أي : بعد مدة من الزمان، وهو : بضع سنين.
فقال للمك ولقومه أنا أنبؤكم بتأويله: فأرسلون أي: فأرسلوني إلى يوسف فجاءه فقال يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان ,, يوسف (56).
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج: سريعاً بل أجابهم إلى ما سألوا وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب (ثم يأتي من ذلك عام فيه يغاث الناس) يعني يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية ( وفيه يعصرون) يعني: ما كانوا يعصرونه من : الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم).
قال تعالى وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول، قال إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم يورد ابن كثير من جملة ما يورد يقول لما أحاط الملك علماً بكمال علم يوسف عليه السلام وتمام عقله ورأيه السديد وفهمه، أمر باحضاره إلى حضرته ليكون من جملة خاصته، فلما جاء الرسول بذلك أحب ان لا ينحرج حتى يتبين لكل احد أنه حبس ظلماً وعدواناً، وأنه بريء الساحة مما نسبوه إليه بهتاناً قال ارجع إلى ربك يعني : الملك فاسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قيل معناه : إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي أي : فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعني الشديد عن مراودتهن إياي,,؟ وحثن لي على الأمر الذي ليس برشيد,, ولا سديد، فلما سألهن عن ذلك اعترفن بما وقع من الامر، وما كان منه من الامر الحميد قلن حش لله ما علمنا عليه من سوء .
فعند ذلك قالت إمرات العزيز وهي زليخا الآن حصحص الحق أي : ظهر وتبين ووضح، والحق أحق أن يتبع أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين .
وقوله : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين قيل من : كلام يوسف وقيل إنه : من كلام زليخا.
قلت ولعله الأقرب لأن الضمير يعود لأقرب مذكور ولان الكلام مترابط.
وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحتمنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين، ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون
قال ابن ليحدان إذا أراد الله بعبد له خيراً وأراد ان يكون على يديه خير لأمة من الأمم صنعه على عينه ما بين غربة وشدة ووحدة وفقر وخوف وتخوف وسوء يقع له بين حين وحين حتى يشد عقله بالتجارب ويدرك أبعاد الأمور ويزداد صبراً وقوة وسعة بطان ودهاء ويقينا وتقوى وصدق لجوء دائم إليه سبحانه وتعالى، وهذا ما حصل ليوسف وموسى وسواهما.
قال ابن كثير طلب أن يوليه النظر فما يتعلق بالاهراء لما يتوقع عند حصول الخلل فيها بعد مضي سبع سني الخصب لينظر فيه بما يرضي الله في خلقه.
قال تعالى :وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون إلى يرجعون (62).
يقول ابن كثير يخبر تعالى عن قدوم اخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون طعاما وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد، وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينا ودنيا فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة.
قال تعالى : ولما جهزهم بجهازهم أي : أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم وكان قد سألهم عن حالتهم، وكم هم فقال ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين أي : قد أحسنت نزلكم وقراكم فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاؤوا به يتعوضون به عن الميرة في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون
قال سبحانه فلما رجعوا إلى أبيهم إلى : لا يعلمون (68).
قال ابن كثير يذكر الله تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم وقولهم له منع منا الكيل أي : بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا فإذا أرسلته لم يمنع منا ومراد الآيات واضحة كما في ص266 قال تعالى : ولما دخلوا على يوسف أوى إليه أخاه قال أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون إلى قوله تعالى إنا إذا لظالمون يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم (بنيامين) على شقيقه يوسف وإيوائه إليه،واخباره له سراً عنهم بأنه أخوه وأمره بكتم ذلك عنهم وسؤاله عما كان منهم من الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم وتركهم إياه عنده دونهم فأمر فتيانه بوضع سقايته وهي التي كان يشرب بها وكيل بها للناس الطعام عن غرة في متاع (بنيامين) ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك ووعدهم جعالة على رده حمل بعير وضمنه المنادي لهم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ,, قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ,, قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين , وهذه كانت شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه, وبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه ليكون ذلك أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة ثم قال تعالى كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك أي : لولا اعترافهم بأن جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر (11) وذلك لأن يوسف كان أعلم منهم وأتم رأيا وأقوى عزماً وحزماً وانما فعل ما فعل عن امر الله له في ذلك , لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك: من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم إليه.
فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل: بنيامين قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون :يوسف ، قيل كان قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره.
قال تعالى فلما إستيأسوا منه خلصوا نجياً قال كبيرهم ألم تعلموا ان أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف ,, إلى قوله سبحانه إلا القوم الكافرون قال ابن كثير قال ابن اسحاق وغيره لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتباً على صنيعهم في يوسف قال لهم ما قال، وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة بعدها ثم قال عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً يعني : يوسف وبنيامين وروبيل، إنه هوالعليم أي : بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة الحكيم فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة.
قال تعالى : فلما دخلوا عليه قالوا يا ايها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون، قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين, اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين .
يعني : أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم وسلف من أمرهم فيه ما فرطتم ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذي يلي جسده فيضعونه على عيني أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعدما كان ذهب، وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوة وأكبر المعجزات، ثم أمرهم ان يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر قال عبدالرزاق أنبأنا إسرائيل عن أبي سنان عن عبدالله بن أبي الهذيل سمعت ابن عباس يقول ولما فصلت العير قال : لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح يوسف فقال :إني لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون .
قال تعالى : فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال إدخلوا مصر إن شاء الله آمنين إلى قوله تعالى والحقني بالصالحين .
قال ابن لحيدان أي : قل أمنتم العوز والفقر بسبب الخير والخصب في : مصر وما فيها من عدل وامن بسبب التوحيد الذي هو دين إبراهيم عليه السلام الحنيفية السمحة هذه قصة يوسف عليه السلام اختصرتها ببيان غير مخل فإن فيها من : الحكم والعبر والفوائد كما أدعو قارئي العزيز ان يطالع هذا عند :
ابن جرير الطبري.
والقرطبي.
وابن كثير.
وابن سعدي.
والشنقيطي صاحب : الأضواء.
ليجد :كمال التوحيد والثقة بالله والصبر وحسن الخلق والعدل والعفو ودوام الدعاء وعمق النظر وسداد الرأي وسؤال الثبات فالحي لا تؤمن عليه الفتنة.
المراجع والبيان
(1) اقرب إلى : الصحة.
(2) كونه موقوفاً ,, أميل إليه.
(3) لم : أجده.
(4) كذلك.
(5) القصص ص251-254.
(6) لم أقف على صحة ما ذكره ابن كثير مرفوعاً والآية من سورة يوسف (41).
(7) وهذا ما يدل عليه سياق : الآيات.
(8) ص258.
(9) ص258.
(10) هناك عظيم فرق بين : الرؤيا والحلم وما ذهب إليه فرويد واتباعه والمعجبون به إنما إلى الاحلام فقط لأنهم يعجزون عن تعبير الرؤيا والأحلام يفسرونها وفق اجتهاد علمي نفسي خاطئ.
(11) ابن كثير ص 266-268.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved