أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 1st September,2000العدد:10200الطبعةالاولـيالجمعة 3 ,جمادى الثانية 1421

شرفات

رحلة الإنقاذ للأقمار الصناعية الضالة في الفضاء
إذا كان العالم قد تابع، بالكثير من القلق، مشاكل رحلة المركبة الفضائية الروسية مير التي تعطلت خلالها بعض الأجهزة الأساسية أكثر من مرة، خصوصا أجهزة الحاسوب والتزوّد بالطاقة ذاتياً، حتى كادت تغادر المسار المحدّد لها وتضل طريقها في الفضاء الخارجي,, لولا الجهود الاستثنائية التي أنقذتها من مشاكلها وأعادتها الى العمل بكفاءة محدودة، حتى أُحيلت على التقاعد في العام الماضي، وتركت معلّقة المهمّات تنتظر مصيرها المجهول.
ومشكلة المركبة مير لم تكن هي الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتعثر مهمتها، وتكاد تخفق في انجاز أعمالها، أو تترك في الفضاء مجهولة المصير، فقد سبقتها الى الفشل، الجزئي أو الكامل، العشرات من المركبات والأقمار التي أنجز بعضها مهماته منذ بداية ارتياد الانسان للفضاء في خمسينات القرن المنصرم,, بعضها تحطّم بعد لحظات من اقلاعه كما حدث لديسكفري المشؤومة، وبعضها انطلق غير مأهول بالبشر، وغادر مساره المرسوم له وراح يتسكع في الفضاء حتى أصبح لدى مراكز الفضاء الأرضية ملف حافل يحمل عنوان (الأقمار الصناعية الضالة),, وهو ملف يضعه العلماء دائما أمام أنظارهم، وفي متناول أيديهم، على غير ما يظنّه البعض بأنه ملف مهمل أسقط من الحسابات، ذلك ان قضية تلك الأقمار الضالة تحمل في طيّاتها مشاكل فنية وأخطارا لا تكاد تحصى.
والأسئلة الملحة التي تطرحها المراكز العلمية المخصّصة، ومعها البشرية كلّها على مجرّتنا، تتسع دوائرها يوما بعد آخر,, وهي تنطلق من: هل يمكن لمركبة فضائية أو قمر صناعي أن يضلا طريقهما وينطلقا متسكعين في الفضاء على غير هدى؟,, وما الذي يحدث إذا خرج قمر صناعي عن مساره وراح يجوب الفضاء على غير ما هو مرسوم له؟,, وما العمل لمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة؟.
للإجابة على هذه الأسئلة وما يتفرّع منها يعترف علماء الفضاء جهارا بأنه من الممكن ان يضلّ القمر الصناعي طريقه ويخرج عن مساره، وهو ما يجعله عديم الفائدة نهائياً, فالقمر الصناعي لا يمكن ان يكون مفيدا إلّا ضمن مسار محدّد له بدقّة قبل الإطلاق,, بل إنه في مثل هذه الحالة، يشكل في تحركه العشوائي ضمن مسارات مغايرة، خطرا ماثلا متزايدا,, هذا إذا تجاوزنا ذهاب كل تكاليفه هباء وتوقف كل المشاريع المنوطة به والطموحات المترتبة عليه.
وينبغي ان نذكر بهذا الصدد أن العلماء في مراكز البحث الفضائي لم يتوقفوا يائسين أمام هذه الحوادث الطارئة التي جرت عشرات المرّات، فقد انطلقت جهودهم المصمّمة للعمل إما لإصلاح أعطال تلك الأقمار في الفضاء أو للسعي لاعادتها الى الأرض, وقد بدأت تلك العمليات فعلا أواخر عام 1984 حيث باشر العلماء بوضع الخطط وتنفيذها لإعادة الأقمار الصناعية والسفن الفضائية غير المنصاعة لتعليمات المراكز الأرضية الى قواعدها، وكان ذلك إيذانا بفتح باب التعاون والإنقاذ بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا حاليا في الفضاء، وتقديم المساعدات والخبرات إحداهما للأخرى,, كما ساهمت وكالة الفضاء الأوروبية مؤخرا في هذا المجال.
إحدى هذه العمليات البارزة والمشهودة في ملف حوادث الإنقاذ كانت عملية اصطياد قمرين صناعيين لم يذهبا الى مساريهما كما حدّد لهما، بل انطلقا علىهواهما في الفضاء، مما استوجب إعادتهما الى الأرض.
كان القمر الأول إندونيسياً اسمه بالابا 4ب ، والثاني أمريكياً اسمه فستار 9 والاثنان ملك لشركة فيسترن يونيون ومنذ بداية إطلاقهما في شهر شباط (فبراير) من عام 1990 لم يعملا كما يجب، وسرعان ما دخلا في مدار خاطئ، وبالتالي انعدمت فائدتهما,, علما بأن كلفة كل منهما تفوق ال45 مليون دولار .
ولكن كيف تمت عملية استعادة القمرين؟,, لقد انطلقت المركبة الفضائية سبيس شاتل ديسكفري 2 بتاريخ 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1990 من قاعدة كيب كينيدي في فلوريدا بطاقم مؤلف من خمسة روّاد، أربعة رجال وامرأة هم: جوزيف آلن، دافيد فوكر، آنا فيشر، ديل غاردنر، فردريك هول، بسرعة 28000 كلم/ ساعة وكان ذلك إيذانا ببدء الصيد واقتناص القمر الصناعي التائه.
كانت المركبة ديسكفري أسرع من القمر الصناعي بالابا ,, وسرعان ما دخلت في مدارها حول الأرض, وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر) وخلال دورتها السادسة والستين حول الأرض وصلت بالقرب من بالابا فوق كاليفورنيا, وعندما أصبحت على بعد أمتار من القمر الإندونيسي التائه خرج الرائد جوزيف آلن من الكابينة جالسا على مقعده الخاص المزوّد ب 24 محركاً نفاثا، واقترب من بالابا ودار حوله، ثم التصق به بواسطة رمح خاص، ودار القمر بالابا حول محوره عدّة مرات بمعدل دورة واحدة كل دقيقة، وكان يجب انتظاره حتى يهدأ, وقد تمكن آلن من تهدئته بتشغيل عدة محركات على مقعده.
وفي تلك اللحظة ابتدأ عمل الرائدة آنا فيشر بتشغيل يد الانسان الآلي الروبوت التي استطاعت بواسطتها إمساك الرمح لتمكّن اليد الصناعية من سحب القمر الصناعي الضال بمساعدة زميلها آلن تجاه مستودع المركبة ديسكفري المهيأ أصلا لوضع القمر بالابا داخله, وهنا برزت بعض المشاكل التقنية غير المتوقعة,, لقد كانت فتحة المستودع ضيّقة لا يمكن لهوائي القمر بالابا المرور منها بهذه الطريقة، مما أوجب استبدال أيدي الروبوت بأيدي الإنسان.
دخل الرائد الفضائي ديل غاردنر الى المستودع لاستقبال القمر بالابا وانتزع آلن الرمح, وبالرغم من أن طول الرائد آلن هو 168 سم فقط ووزنه 69 كلغم، إلا انه استطاع الإمساك بالقمر الصناعي ورفعه فوق رأسه رغم أنه يزن 534 كلغم، بل ودار به دورة كاملة حول الكرة الأرضية خلال 20 دقيقة، ثم بدأ بدفعه ببطء باتجاه الفتحة, وقد صرّح فيما بعد أنه بالرغم من وجوده والقمر في حالة انعدام الوزن فإن الأمر لم يكن سهلا، ذلك أن وضع الايدي فوق الرأس لمدّة طويلة يقلّص العضلات ويشنّجها.
أُدخل الصيد في المستودع، ووصلت التهاني من مركز القيادة الأرضي في هيوستن بعد عدة ثوان فقط، حيث كان العلماء والعاملون يتابعون العملية بكل دقّة ولهفة, كما أن الرئيس الامريكي أرسل تهانيه الى المركبة.
وبعد يومين فقط ابتدأت مطاردة القمر الصناعي الضال الثاني فستار 9 , وبما أن طاقم المركبة قد أصبح متمرّسا فقد تمكن، بسهولة وبسرعة، من الإمساك بالقمر بطريقة ذكية فاجأت قيادة المركز الأرضي,
وبإنجاز العمل على أتم وجه أصبح بإمكان ديسكفري العودة الى الأرض,, وفعلا عادت تلك المركبة بتاريح 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1990 الى كيب كينيدي, يومها صرّح رئيس طاقم الرحلة بأن اتمام العملية لا يعني النهاية، بل على العكس,, إنها بداية عهد جديد في الفضاء، فهناك الكثير مما يتوجب عمله.
وفي كل مرّة يتم فيها انقاذ إحدى السفن البحرية، يعلو صوت مدير شركة لويدز المشهورة للتأمين,, ولكن في هذه المرة علا صوته أكثر من كل مرة بالرغم من أن السفن كانت فضائية وليست بحرية,, حتى أنه أهدى الرائدين آلن و غاردنر ميداليات استحقاق خاصة لم يتم اهداء مثلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سوى مرة واحدة, ولم تكن تلك الحفاوة غريبة، فالقمران الصناعيان المذكوران كانا مؤمنين في تلك الشركة، وكانت الأضرار قد دفعت، وبلغت مدفوعات الشركة من عام 1987 وحتى عام 1990 حوالي 400 مليون دولار، بما فيها تأمين هذين القمرين، مما حدا بإدارة شركة التأمين آنذاك الى التفكير جدّيا بالإقلاع عن مثل هذا النوع من التأمين، لكنهم وبفضل ديسكفري، أصبحوا مقتنعين بأن عمليات اصطياد الأقمار الضالة لا تعني توظيفا ضائعا لا يمكن تعويضه.
لقد كلفت عملية الصيد تلك حوالي 5,5 ملايين دولار فقط، دفعتها شركة لويدز , وبما ان الشركة كانت قد دفعت تعويض التأمين لأصحابه فإن القمرين الصناعيين أصبحا منذ ذلك الوقت ملكا للشركة، وكان هذا إيذانا بافتتاح سوق جديدة,, سوق الأقمار الصناعية المستعملة.
كما أن هناك الكثير من الأسباب الداعية للفرحة,, فالفضاء مزدحم، يدور به الآن أكثر من خمسة آلاف قمر صناعي، وبالتالي فإن حجم الأعمال المستقبلية سيكون كبيرا، علما بأنه حتى الآن لا يمكن إعادة كل قمر ضائع لأن أكثر تلك الأقمار تدور على علو 36000 كلم ومدى ديسكفري هو 8000 كلم فقط.
ونتيجة لنجاح ديسكفري فقد وافقت السلطات الأمريكية عام 1992 على إقامة محطة فضائية عملاقة وقد تزامن ذلك مع الذكرى الخمسمائة لاكتشاف كولومبس لأمريكا وهذا، كما يؤكد العلماء، خطوة جادة نحو امكانية استغلال واستثمار الفضاء من خلال مشاريع اقتصادية مربحة,, ذلك ان حالة انعدام الوزن، والوسط الفضائي غير الملوث، هما مثاليان لانتاج الكثير من الأدوية والمركبات الكيميائية، وإجراء التجارب المختلفة التي يستحيل اجراؤها على الأرض,, عدا أن تلك المحطة ستكون مركز مراقبة مثالي، فحولها لا يوجد جوّ يمكنه أن يعيق الرؤية,, كما يمكن أن تستخدم كنواة لمحطات كثيرة تستخدم في شتى مجالات العلم او حروب الفضاء بالرغم من وقف الحرب الباردة بين القوتين الكبيرتين في العالم, لكن مما لا شك فيه ان عمليات الانقاذ ستصبح مجالا أرحب للتعاون بين الدول,, وهو ما أثبتته أصلا بعثة التحام أبولو وسيوز عام 1975، وكذلك التعاون العلمي الامريكي - الروسي الذي جرى مؤخرا في المحطة الفضائية مير ,, وما أعقب ذلك من تجارب مشتركة في الفضاء.
* مترجمة عن مجلة عالم الفضاء .

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved