أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 4th September,2000العدد:10203الطبعةالاولـيالأثنين 6 ,جمادى الثانية 1421

الثقافية

جغرافية الأرض في شعر المتنبي
أ,د, عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي
يُعرف العلماء المناخ بأنه حالة الجو في فترات طويلة, وأهم عناصر المناخ هي: درجة الحرارة، والضغط، والرياح، والرطوبة الجوية، كما أن هناك عوامل أخرى لها تأثيرها في تحديد ماهية المناخ، مثل موقع المكان بالنسبة لدوائر العرض وتوزيع اليابسة والماء والتيارات البحرية، وارتفاع المكان عن سطح الأرض، واتجاه الرياح.
وتعد الحرارة من أهم عناصر المناخ بسبب تأثيرها المباشر في عناصر المناخ, ويوجد مصدران للحرارة على سطح الأرض، هما: الإشعاع الشمسي، والإشعاع الأرضي, فالإشعاع الشمسي مصدره الشمس، وتقدر كميته التي تصل إلى سطح الأرض بحوالي 66% من الإشعاع المتجه صوب الأرض، والباقي يتشتت في الفضاء بسبب وجود السحب وذرات الغبار العالقة في الهواء, أما الإشعاع الأرضي فهو عبارة عن الحرارة التي تشعها الأرض إلى الجو مما كانت قد امتصته من أشعة الشمس، إضافة إلى ماينبعث من الأرض من إشعاع عن طريق البراكين والصهير الموجود قريباً من سطح الأرض، والفوارات الأرضية الحارة، ولكن كمية الحرارة المنبثقة من هذه المصادر لاتذكر إذا ماقورنت بالإشعاع الشمسي.
وقد تطرق شاعر العربية الفذ أبو الطيب المتنبي إلى بعض هذه الظواهر بصورة مباشرة وغير مباشرة.
قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


والباعثُ الجيشَ قد غالت عجاجتهُ
ضَوءَ النَّهارِ فصَارَ الظُّهرُ كالطَّفَلِ

يقول العكبري في شرح هذا البيت: غاله يغوله: إذا انتقصه، وأصله الإهلاك, ومنه: الغَول, والطَّفَل: وقت غروب الشمس, والظهر: وقت الظهيرة، وهو عند قيام الشمس للزوال, والمعنى: هو الذي (سيف الدولة) يبعث الجيش الشديد بأسه، الكثير عدده، الذي تذهب عجاجته بضوء الشمس، وتطمِس إشراقها، حتى تصير في وقت الظهيرة، على مثل حالها عند الغروب, وهذا إشارة إلى كثرة جيشه وقال المتنبي في نفس القصيدة السابقة:


الجَوُّ أضيَقُ مالاقاهُ ساطِعُها
وَمُقلَةُ الشَّمسِ فِيهِ أحيَرُ المُقَلِ

يقول العكبري عن هذا البيت: الجوّ: الفضاء, والمقل: جمع مقلة, والمعنى: يقول: مابَعُد من الهواء أضيق بساطع هذا الغبار مما قرب، لأنه فيه تجتمع جملته، وتتراقى كثرته، وماقرب فإنما يرده الشيء بعد الشيء، فينجلى منه ولايجتمع، وعين الشمس أحير العيون بقربها من مستقره، ودونها من مجتمعه, والمعنى: الجو على سعة أرجائه أضيق شيء لقيه ساطع هذه العجاجة.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


والنقعُ يأخذُ حرَّاناَ وبقعتها
والشمس تسفر أحياناً وتلتثمُ

يقول العكبري عن هذا البيت: حران: موضع يعد من الجزيرة, والبقعة، قال أبو الفتح: هي المكان الواسع من الأرض، ورواه بضم الباء أبو الفتح وجماعة، ورواه أبو العلاء المعري بفتح الباء، وقال: هي مكان أفيح كالبطحاء, قال: ولايجوز أن تضم الباء في هذا الموضع لأن النقع وهو الغبار إذا أخذ حران، فقد أخذ بقعتها ، فلايحتاج إلى ذكره, والمعنى: يقول حران على بعد من سروج (موضع بالقرب من الفرات، ذكرها في البيت السابق لهذا البيت) والغبار قد وصل إليها لعظم الحرب، وكثرة الجيش.
لقد تطرق الشاعر في أبياته الثلاثة السابقة إلى تأثير الغبار على أشعة الشمس, فمن بيت شاعرنا الأول يمكننا القول بأن جسيمات أو ذرات الغبار المعلقة في الهواء قد منعت جزءاً من أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض وشتتها حتى صارت الحرارة ولون الشمس في وقت الظهيرة مثل لونها وحراراتها في وقت الغروب، أما في بيته الثاني فقد بين أن الغبار أو العجاج قد ملأ الجو وحجب ضوء الشمس وردها وبين الشاعر في بيته الثالث أن الغبار يحجب أشعة الشمس، وإذا انجلى سطع نورها، ولذلك قال: والشمس تسفر أحياناً وتلتثم.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها كافوراً:


لبست لها كدر العجاج كأنما
ترى غير صاف أن ترى الجو صافيا

يقول العكبري في شرح هذا البيت: الجو: مابين السماء والأرض، وهو الفضاء الذي بينهما, والمعنى: يقول: لبست للايام والحروب والمساعي عجاجاً مظلماً، فلست ترى صفاء إذا رأيت الجو صافياً من العجاج، فأنت أبداً تثير العجاج في الحرب فكأنك إذا رأيت الجو صافياً من العجاج رأيته غير صاف، لكراهيتك لصفائه.
وقال الشاعر المتنبي في قصيدة يمدح بها المغيث بن علي العجلي:


عمرُ العدو إذا لاقاه في رهج
أقل من عمر مايحوى إذا وهبا

يقول العكبري عن هذا البيت: الرهج: الغبار, وأرهج الغبار: أثاره, والرهوجة: ضرب من السير, والمعنى: يريد: إذا لقي العدو في غبار الحرب قصر عمره حتى يكون أقل من بقاء المال عنده إذا بذل في العطاء.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها علي بن منصور الحاجب:


إن تلقه لاتق إلا قسطلاً
أو جحفلاً أو طاعناً أو ضارباً

يقول العكبري عن هذا البيت: القسطل (بالسين والصاد): الغبار, والقسطال: لغة فيه, والجحفل: الجيش العظيم, والمعنى: أنه لاينفك عن هذه الأشياء، وهذه الأحوال.
ورد في لسان العرب لابن منظور: القسطل والقسطال، والقسطول، والقسطلان، كله: الغبار الساطع, والقصطل, بالصاد أيضاً, والرهج: الغبار والرهج: السحاب الرقيق كأنه غبار, والعجاج: الغبار، وقيل: هو من الغبار ما ثورته الريح، واحدته عجاجة.
لقد تطرق الشاعر في أبياته الثلاثة السابقة إلى الغبار وأشار إلى ثلاثة أسماء له، ونتبين من أبيات الشاعر أن الغبار يمكن أن يتكون بسبب الرياح، أو بسبب السير الثقيل على تربة الأرض,,.
من المعلوم أن درجات الحرارة بين الليل والنهار تختلف من فصل لآخر، ومن مكان لآخر على سطح الأرض، فالحرارة تكون عالية عند خط الاستواء، ومنخفضة إلى درجة التجمد أو مادونها عند القطبين، ومتدرجة صعوداً منهما باتجاه خط الاستواء, وتؤدي البحار دوراً في تباين درجات الحرارة بين الليل والنهار، وبين فصول السنة المختلفة, وقد سبق أن أشرنا إلى أن ضوء الشمس هو المصدر الرئيسي للطاقة الحرارية على الأرض, فمع شروق الشمس يومياً ترتفع درجة الغلاف الهوائي للأرض، وحرارة الأجسام السائلة والصلبة الموجودة على سطحها، ويبلغ ارتفاع درجة الحرارة ذروته بعد الظهر، ومع غروب الشمس تنخفض درجة الحرارة ، ويفقد سطح الأرض والغلاف الجوي القريب من الأرض نسبة كبيرة من الحرارة التي اكتسبها أثناء النهار, اما التربة التي تغطى سطح الأرض فهي تسخن بسرعة عالية أثناء النهار، وتبرد ببطء أثناء الليل, ولهذا السبب نلاحظ أن درجة حرارة سطح الأرض تبقى دائماً أعلى من درجة حرارة الهواء القريب من سطحها في جميع فصول السنة, ويحدث للطبقات العليا من التربة تغيرات حرارية كبيرة حيث تصل حرارة سطح التربة في بعض المناطق الصحراوية 10م قبل ساعات الفجر، وإلى 70م بعد الظهر.
قال المتنبي في قصيدة قالها يذكر بها حماه التي كانت تغشاه بمصر:


ذرانى والفلاة بلا دليل
ووجهي والهجير بلا لثام

يقول العكبري في شرح هذاالبيت: الفلاة: الأرض البعيدة عن الماء, والهجير: شدة الحر, واللثام مايستر به الوجه, والمعنى: يقول: اتركاني مع الفلاة، فإني أسلكها بغير دليل للاهتداء فيها، وذراني مع الهجير أسير فيه بغير لثام على وجهي، لأني قد اعتدت ذلك.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها محمد بن عبدالله القاضي الأنطاكي:


مخيم الجمع بالبيداء يصهره
حر الهواجر في صم من الفتن

يقول العكبري عن هذا البيت: البيداء: الأرض البعيدة, والصهر: الإذابة, ويصهره يذيبه, وصهرت الشمس دماغه: أذابته,والهواجر: جمع هاجرة, والمعنى: يقول : أنا مخيم على هذه الحال، لا أركن إلى الدعة في عسكر عظيم تضيق به الصحراء، يذيبهم حر الهواجر، في فتن صم شديدة، ويجوز أن يكون المعنى في فتن لايهتدي إليها، كالحية الصماء التي تعجز الراقي.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها كافوراً:


لقيت المرورى والشناخيب دونه
وجبت هجيراً يترك الماء صاديا

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المرورى: جمع مروراة، وهي الفلاة الواسعة, والشناخيب: جمع شنخوب، وهي القطعة العالية من الجبل, والهجير، شدة الحر, والصادي: العطشان, وقال الجوهري: الشنخوبة والشنخوب، واحد شناخيب الجبل، وهي رؤوسه والمعنى: يقول: إنه لقي من التعب في الطريق، وأنه قاسى شدة عظيمة من حر الهواجر التي تنشف الماء، والماء لايكون صادياً، ولكنه ذكره مبالغة، وإذا عطش الماء فحسبك به، ويجوز أن يكون بحذف المضاف، أي تترك مستقر الماء صادياً، لأنه لما كثر عليه الحر، شرب الماء ونقصه، فكان كالعطشان الذي تشرب الماء.
ورد في لسان العرب لابن منظور: الهجير، والهجيرة، والهجر، والهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، وقيل في كل ذلك: إنه شدة الحر؛ الجوهري: هو نصف النهار عند اشتداد الحر.
لقد أشار الشاعر في أبياته الثلاثة السابقة إلى ارتفاع درجة الحرارة والوقت المعين لذلك في النهار، وأن ارتفاع درجة الحرارة وشدته تؤدي إلى نضوب الماء وتبخره وإلى اشتداد العطش عند سالك الصحاري في ذلك الوقت.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها كافوراً:


يكلفني التهجير في كل مهمه
عليقي مراعيه وزادتي ربده

يقول العكبري في شرح هذا البيت: التهجير: السير في الهاجرة, والمهمه: الفلاة قطعة واسعة من الأرض, والرُّبد: النعام الذي خالط سوادها بياض, والمعنى : يقول: يكلفني السير في كل هاجرة، وفي كل فلاة بعيدة لا لفرسي عليق إلا نبتها، ولا لي بها إلا النعام أصيدها فآكلها.
لقد ربط شاعرنا في بيته هذا بين الصحراء، وشدة الحر في وقت الظهيرة وطائر النعام، والنعام طائر معروف متأقلم تأقلماً عالياً للعيش في الصحاري شديدة حرارة النهار، وندرة الماء والغطاء النباتي فيها.
وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يمدح بها كافور الاخشيدي:


لا ليت يوم السير يخبر حره
فتسأله والليل يخبر برده

ويقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: أنه يريد شدة مالقي في طريقه إليه من حر النهار وبرد الليل، وهذا يكون في أواخر أيام الصيف، وأول الخريف، لأن النهار يكون كرباً، والليل بارداً.
وقال الشاعر في قصيدة يصف بها فرساً تأخر الكلأ عنه:


هو الأبردين والهجير الماحق
للفارس الراكض منه الواثق

يقول العكبري عن هذا البيت: الأبردان: الغداة والعشىّ, والهجير: شدة الحر, ماحق: الذي يمحق كل شيء, والمعنى: يقول: هو صبور (الفرس) على شدة الحر والبرد, الفارس الراكض الواثق بجودة ركوبه منه، خائف، أي من أجل نشاطه وصعوبته.
لقد أشار الشاعر في بيتيه السابقين إلى التباين بين درجات الحرارة في أوقات الشدة، ففي بيته الأول بين شدة الحرارة في النهار وانخفاضها وشدة البرودة في الليل,
وفي البيت الآخر بين أن هناك اختلافاً في درجات الحرارة شدة الحرارة بين وقت الصباح الباكر، وقبل غروب الشمس، وشدة الحرارة في وسط النهار (الهجير).
عندما يسير الإنسان صيفاً في الصحراء، فإنه يشاهد أمامه، وعلى مسافات بعيدة شيئاً يشبه بركة ماء، وعندما يصل إلى المكان لايجد أمامه إلا الرمال, ويطلق على هذه الظاهرة السراب وتتكون ظاهرة السراب بواسطة هواء ساخن يكون قرب سطح الأرض، وهنا فإن هذا الهواء يكسر أشعة الضوء الساقطة باتجاه عين الناظر، وعندما يسير الإنسان يبدو له أن جزءاً من السماء يلامس سطح الأرض الذي أمامه، فأشعة الضوء القادمة من الشمس (السماء) ضربت أو اصطدمت بطبقات الهواء الحارة فقط فوق سطح الأرض، ومن ثم تنكسر على طول امتداد البصر.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved