أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 9th September,2000العدد:10208الطبعةالاولـيالسبت 11 ,جمادى الثانية 1421

مقـالات

5 - حدث الناس بما يعقلون:
ب الألف المهموزة بعد حرف ساكن:
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
أسلفت كلام ابن قتيبة والصولي رحمهما الله حول هذه المسألة، ووقفت بعض الوقفات، ونبدأ الآن الوقفة السادسة، فقد أسلفت أن الواو والياأَ ليستا صورة للألف، ولكنهما ينوبان عنها صرفاً، ولكن هذا لا يعني الإنابة رسماً بلا مانع من صورة الألف، وبلا مسوغ لصورة الواو والياإ، فلننظر إلى الرأي الثاني الذي ذكروه من الرسم على هذا النحو: رأيت نسآء بعلامة المد على الألف ، وهن نساؤ صدقٍ، ومررت بنسائى صدق.
قال أبو عبدالرحمن: نرى أولاً وضع علامة المد على الألف,, والألف نفسها حرف مد هاوٍ لا تحتاج إلى علامة مد، وإنما العلامة للألف المهموزة الممدودة 1 إذا لم تُرسم ألف المد مثل سُآل,, أصلها سأا، فأسقطت ألف المد بنيابة العلامة عنها فوق الألف، ولم تكن العلامة نائبة عن الحرف في وسط السطر كما في الرسم المشوَّه,, ونابت علامة المدِّ عن حرف المد كما تنوب الشدة وعلامة التنوين عن تضعيف الحرف وإظهار النون,, وقد أسلفت أن الرسم هكذا رأيت نسآء ,, بعلامة المد وإفراد الهمزة يحتمل أن يكون حدث بعد الصولي نسخاً أو تطبيعاً عن سوإ تطبيق، وأن صريح كلامه يقتضي أن يكون الرسم هكذا رأيت نساأً ,, ونرى ثانياً رسم الهمزة على الواو في الرفع هكذا:هن نساؤ ، وهذا إسقاط للألف وإظهار للواو وإلغاأٌ لحركة الإعراب بلا مانع ولا مسوغ لحذف الألف، وبلا مسوغ لإنابة الواو,, ونتيجة ذلك تشويه صورة الحرف تحكُّماً,, والرسم الصحيح: هن نساأٌ، وهن نساأُ صدقٍ,, فالأمر هاهنا طبعي، فالألف المهموزة ها هنا على صورتها وحركة الإعراب تُأدِّي مهمتها حسب الحاجة,, ونرى ثالثاً رسم الهمزة على نبرة للهمزة وياإ ثانية هكذا نسائي,, وهذا حصل في الطباعة أو النسخ كما أسلفت عن الضم، ومقتضى كلامه أن يكون الرسم هكذا: نسائ,,
والرسمان معاً يلبسان بالمضاف إلى ياإ المتكلم,, وعند الإضافة إلى ياإ المتكلم لا نرسم وفق النطق هكذا نساإي ، لأنه اجتمع دليل تصحيح ودليلا ترجيح,, فأما التصحيح فهو كسر الهمزة ذاتها، فجاز لمسوَّغ أن ترسم على النبرة المجانسة إعراباً لحركتها الكسر,, والمسوغ هاهنا اجتماع علتين معاً لا علة واحدة، وهما كراهية توالي ألفين، وكراهية فصل حروف الكلمة,, وبدون الإضافة إلى ياإ المتكلم نرسم هكذا: مررت بنساإٍ، ومررت بنساإِ صدق، فتحصل كل المحاسن التي ذكرتها عن نساأٌ حال الضم، أو الضم والتنوين.
الوقفة السابعة: أن عدم تعيين ما يتعلق به الفعل حال تغيير السياق يوقع في اللبس، ذلك أن سياق الصولي في الكلام عن ذات الألف وذات الهمزة إثباتاً وإسقاطاً وإنابة، ثم غيَّر السياق عن رسم ذينك إلى رسم الكلمة بعامة، فقال: فإذا كانت الهمزة آخر الحروف والحرف ممدود كتب بألف واحدة ,, والمفهم في مثل هذا أن يقال: كتبت الكلمة بألف واحدة، لأنه ليس عندنا في رسم ألاف المهموزة غير ألف وهمزة، فيكون قوله:ألف واحدة فضولاً مالم يرد ألفاً ثانية تأتي في الكلمة غير ألف الألف المهموزة، وحينئذ يقول:كتبت الكلمة ,, وهذا يعني إسقاط ألف الألف المهموزة، لأن الألف الواحدة المثبتة حينئذ ألف المد لا غير، إذ أمثلته عن ألف مهموزة مسبوقة بألف مد,, وعلى الرغم من أن الصولي يعبر بالحرف عن الكلمة إلا أنه ينبغي ها هنا التنصيص بالكلمة، لأنه في معرض التقعيد للحرف الحقيقي، فاستعمال الكلمة بالمعنى المجازي وهو الحرف ملبس في مثل هذا الوضع من التقعيد.
الوقفة الثامنة: مقتضى كلام الصولي تنصيصاً أن تكتب الهمزة وسط السطر مفصولة عن ألفها حال الضم والكسر والفتح إذا كان المباشر قبلها ألف مد بلا فرق، وإنما فرَّق في التعليل، فلننظر إلى تعليلة واحداً واحداً,, في الرفع: هذا عطاء,, وعلل بالرسم وسط السطر وحذف الألف بأن الواو تستثقل طرفاً!!.
قال أبو عبدالرحمن: هذا التعليل مبني على أن صورة الألف الواو، وأن الأصل هكذا: هذا عطاؤ,, وقد أسلفت أن هذا وهمُ في الوقفة الخامسة,, وفي هذا التعليل سذاجة، وذلك قوله: إن الواو تُستثقل طرفاً ، فإنما يصح هذا التعليل لو كانت الواو تنطق عندهم، والواقع أنها تكتب عندهم رسماً ولا تنطق، والاستثقال للنطق لا للرسم، فلا معنى لهذا التعليل، وإذن فالرسم الأصل: هذا عطاأٌ ,, وإذا اختار مَن اختار رسم الهمزة مفردة وسط السطر فيعود التعليل في الضم والجر إلى ما عُلِّل به في الفتح، وهو كراهة اجتماع شبهين,, أي ألفين.
وما قلته عن تعليله للضم أقوله عن تعليله للفتح.
الوقفة التاسعة: أن اجتماع ألفين غير مكروه وحده، لأنه ليس بأعظم كراهية من تشويه صورة الالف المهموزة، وإنما تعتضد هذه الكراهية إذا شُفعت بمكروه آخر، فيكون ذانك مسوغين لتغيير صورة الحرف بعد وجود دليل التصحيح.
الوقفة العاشرة: زعم الصولي رحمه الله أن في ماأً المنصوبة المنونة في مثل شربت ماأً ثلاث ألفات!!.
قال أبو عبدالرحمن يُسلَّم بألفين: الأولى ألف مد الميم، والألف المهموزة,, وأما الألف الثالثة التي سماها ألف الإعراب، ولا تكون إلا عند الوقف: فلا وجود لها رسماً، لأن تنوينها وصلاً، والعلم بأن العرب تمد المنون عند الوقف يُغني عن رسم ألف ثالثة,, ولو فرض أن الرسم للوقف ضروري لأغني مده مكان الهمزة هكذا: ماآ,, إلا أن الكاتب لا يدري هل يقف القارِأُ أو يصل، ومن المتعذر أن يرسم علامة التنوين والوقف معاً، فنبقى على الأصل من التنوين وصلاً مع تأصُّلِ القاعدة الواحدة في الوقف على كل منصوب منون,, وألف الإعراب هذه يسمونها ألف التنوين، وهي اصطلاح قديم أغنى عنه علامة المد ~ .
الوقفة الحادية عشرة: طُبع كتاب الصولي بألف واحدة للماإ ورسم الهمزة على السطر عند قوله: فإذا اجتمعت في الحرف الفان كتبوه بألف واحدة ,, ومع الناشر بعض الحق في ذلك، لأن عبارة الصولي مبتورة، ومراده رسم الفين هكذا ماأً ،,, ووجه البتر أنه جعل شربت ماأ مثالاً لما اجتمع فيه ألفان فلزم رسم ألف واحدة، ثم قال عن المثال نفسه: ألا ترى ها هنا ثلاث ألفات ثم استأنف القاعدة بقوله: وكل ممدود منصوب فالصواب أن يكتب بألفين ,, يريد كل ألف مهموزة منصوبة بعد مد,, إذن تكون العبارة وافية سليمة مطابقة لسياقه لو كانت هكذا:فإذا اجتمعت في الحرف ألفان وذلك عندما تكون الألف المهموزة بعد ألف مد كتبوه اي الحرف المكني به عن الكلمة بألف واحدة، فإن كان فيه ثلاث ألفات مثل شربت ماأً كتبوه بألفين,, ألا ترى,, إلخ .
الوقفة الثانية عشرة: كلام ابن كيسان الذي حكاه النحاس رحمهما الله ملبس باستعماله الهمزة على أنها حرف في قوله: الهمز حرف من الحلق ، فلما قرر حكمه على أنها حرف استعملها على أنها علامة، فقال ولا صورة لها في الخط .
قال أبو عبدالرحمن: هذا هو الإلباس الذي حذَّرتُ منه عن الخلط بين الهمزة حرفاً، وبين الهمزة علامة، وجعلها واحداً عند التقعيد كما فعل ابن كيسان رحمه الله,, إن ابن كيسان يقَعِّد للهمزة حرفاً، ثم يذكر أنه لا صورة لها في الخط,, وهو هنا يريدها علامة، لأنه ذكر استعارة حرفي الواو والياإ له,.
وفي هذا خلل من ثلاث جهات:
أولاهن: أنه قرر الحكم الواحد لشيأين مختلفين,, الحكم الواحد أنه لا صورة لها في الخط، والشيآن الهمزة حرفاً، والهمزة علامة.
وثانيتهن: إن كان حكمه على الهمزة والألف معاً أي الألف المهموزة فالصواب خلاف ما قرر، بل نقول للألف المهموزة صورة، وهي ألف فوقها همزة في الضم والفتح، وتحتها همزة في الكسر.
وإن كان مراده الألف بلا همزة فلها صورةُ العمود الرأسية المجردة.
وإن كان مراده الهمزة بلا ألف فلها صورة وهي رأس العين.
ولا يمكن أن يكون مراده الهمزة وحدها ثم الهمزة والألف معاً، ولا أن يكون مراده الألف وحدها، ثم الألف والهمزة,, بل أراد الهمزة العلامة فقط، لأنه قال:ولا صورة لها ، ولم يقل: لهما ,, ولأنه ذكر النائب عن الألف وهو الواو والياأُ، فتعين أن مراده الهمزة العلامة، فكان الخلل عنده في مبدإ الهُويَّة، لأنه جعل الألف المهموزة موضوعاً للحكم، ثم لما أراد حمل الحكم على الموضوع نقص من هوية الموضوع، فجعله للهمزة العلامة بلا ألف 2 !!.
وثالثتهن: الصواب أن يقول ابن كيسان عن الهمزة العلامة: ولا صورة لها مستقلة عن الألف في تركيب الكلام لغير التعليم في الرسم الإملائي ، فيخرج بذلك وجود صورتها في مثل سأل ، لأنها غير مستقلة، بل مقيدة بأنها على الألف، ويخرج مثل قولك في التعليم: صورة الهمزة رأس عين هكذا ء ، لأنها لم ترسم مستقلة في تركيب الكلام إلا لمجرد التعليم للرسم، وللتعريف بالحروف والعلامات 3 .
الوقفة الثالثة عشرة: قد يتحذلق متحذلق فيقول: مراد ابن كيسان بما لا صورة له الألف الحرف لا الهمزة العلامة!!.
قال أبو عبدالرحمن: هذا محال من كلامه، لأنه سيستعير لها في سياق كلامه ألفاً، فما معنى استعارة ألف لألف لو كان أراد الألف؟!.
الوقفة الرابعة عشرة: ثمة احتمال أوضح وأصرح لمعنى كلام ابن كيسان لم أجعله المقدم لما فيه من جهل لا يليق بإمامته، وهو أنه يريد بالهمزة ما نسميه بالألف المهموزة، ولم يجعل الهمز نوعاً من أنواع الألف، بل جعله قسيماً لها؛ لتكون حروف الهجاإ تسعة وعشرين لا ثمانية وعشرين وتكون الألف غير المهموزة ثاني ما ينطق في لا التي عبروا عنها بلام ألف!!.
قال أبو عبدالرحمن: أسلفت تحقيق القول في ذلك، وأنه يلزم أن تكون حروف الهجاإ اثنين وثلاثين حرفاً أصلياً بإضافة لُو لام واو، و لِي لام ياإ، وأن الأصل الألف المهموزة، وأنها تسهل، وتكون مداً بإشباع حركة الفتح.
الوقفة الخامسة عشرة: أن الألف لا تستعار للهمزة، لأنها حرف مستقل، وإنما تستعار الهمزة علامة لحرف الألف عندما يُراد نوعُ حرف، وهو الألف المحققة بالهمز.
الوقفة السادسة عشرة: تخفيف الألف، والإبدال بينها وبين الواو والياإ لا يعني أن الهمزة حرف غير هذه الأحرف الثلاثة، لأن الهمزة في لغة العرب كما أسلفته نبر يطرأ على الحرف باتكاإٍ عليه إلا أنه أخص من النبر، لأنه نبر يتعلق بالألف فقط فتكون حرفاً محققاً لا مسهلاً ولا هاوياً,, ولا يعني أن الهمز يكون واواً وياأً كما يكون ألفاً، لأن الاتكاأَ على الواو أو الياإ لا يحقق همزاً، وإنما يحقق نبراً غير الهمز، فعلم بذلك أن الهمز نوع نبر خاص بالألف.
الوقفة السابعة عشرة: الهمز في مثل شُأُون لو كتبت على الرسم المعتاد شؤون أو شئون لا يعني أن الحرف واو منبورة جاأ نبرها همزاً!!,.
هذا محال,, وإنما يعني أن الحرف ألف منبورة بالهمزة نبراً مضموماً، والواو الثانية حرف مد للألف المهموزة، لأن مد المضموم بالواو.
الوقفة الثامنة عشرة: قال ابن كيسان عن الهمز التي جعلها حرفاً غير الألف والواو والياإ :فإن كان ما قبلها ساكناً لم يكتب لها في الخط صورة، وذلك مثل قولك المرء,, إلخ .
قال أبو عبدالرحمن: رسمها رأس عين، فكيف حكم بأنه لا صورة لها!؟,, إن ما لا صورة له هو ما لا شكل له يظهر في الرسم ويُقرَأُ,, ولكن المحقق أن النبر غير نبر الألف لا صورة له في علامات الأسلاف، وإنما صورته في الشعر الأجنبي بعلامات تقوم مقام بعض اصطلاحات العروض في الشعر العربي,, ومن النبر ما يخص حرفاً من حروف الهجاإ، وهو الهمز للألف وله صورة في علامات السلف,, كان قبل ذلك بنقطة ملونة، ثم كان برأس العين بوضع العبقري الفذ المبتكر في علوم عديدة مفخرة الأزد الخليل بن أحمد رحمه الله.
الوقفة التاسعة عشرة: لا يُتصور الهمز إلا مع ألف مهموزة,, وهذه الحقيقة لا تعني أنه لاصورة للهمزة علامة، أو لا صورة لها حرفاً، فافهموا ذلك عافاكم الله وإلى لقاإ إن شاأ الله.
***
* الحواشي:
1 والعلامة هكذا ~ وللحروف الأخرى واو ساكنة إذا كان الممدود مضموماً، وياأٌ ساكنة إذا كان الممدود مكسوراً.
2 قال أبو عبدالرحمن: هذا النقاش العلمي المحقق يُظهر فائدة وضرورة الهوية والمحمول والموضوع,.
وكل ذلك من مباحث المنطق ونظرية المعرفة، وقد أطلق بعضهم الذم للمنطق والفلسفة بلا تحقيق ولا تدقيق,.
3 القيد الذي يُدخل أو يُخرج من مباحث الحد والتعريف المنطقية، وهي من مباحث المنطق الضرورية لتحديد التصور بين المرسِل والمتلقي,, وكبار العلماإ يكون بعض عباراتهم مبهماً أو مبتوراً، لانشغالهم بالنتائج، ولسبق الفكر للسان فيوجزون، وللاتكال على فهم السامع بمقتضى سياقهم، فلابد من قارإٍ لماح، فقد بلينا وأتخمنا بأكثر من قارإٍ سطحي، وهو أيضاً، إمّعة لأكثر من قارإٍ سطحي.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved