أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 14th September,2000العدد:10213الطبعةالاولـيالخميس 16 ,جمادى الثانية 1421

الثقافية

بين آلية المتعة وآلية الإمتاع
د, نجاة المريني *
واعلم انك لا تشفي الغلة ولا تنتهي الى ثبج اليقين حتى تتجاوز حد العلم بالشيء مجملا الى العلم به مفصلا، وحتى تكون كمن تتبع الماء حتى عرف منبعه , عبدالقاهر الجرجاني دلائل الاعجاز ص 200.
عندما ينشر الشاعر ديوانه او عندما يحرص أصدقاؤه ومعاصروه على نشره فان هذا الشعر لم يعد ملكا لأحد، ولا وقفا على أحد، وانما هو ملك للقارئ والباحث والمتلقي أي الجمهور، فلا اعتقد ان على القارئ وهو يقرأ الديوان ويتمتع بقصائده ويلتذ بصوره، ويستمتع بصوره وتعابيره أن يخضع في تلك القراءة لرقابة الآخر أيا كان فردا أو جماعة، وان يضع نصب عينيه حواجز بلدية او قيودا مجتمعية تمنعه من أن تمتد رؤيته أو تتطلع لذاذاته إلى ما في الديوان من أشعار في أغراض وقضايا متعددة.
الشعر تعبير عن الذات في لحظات وعيها ولحظات لا وعيها في حب الحياة، وحب اللذات، وفي التفاعل مع القضايا الوطنية أو الاجتماعية أو السياسية او غيرها.
وكما نتفاعل ونحن نقرأ شعر الشاعر في الوطنية، نتفاعل معه وهو يتغزل أو يصف مجلس انس او غير ذلك من الموضوعات التي يتناولها بحرية وتفتح، وجرأة واقتناع بعد معاناة ومخاض عسيرين.
لم يكن الشاعر خلال مراحل التاريخ ينظم قصائده وهو خائف من المتلقي، بل كثيرا ما كان الشعراء العرب القدامى والمعاصرون يتناولون في أشعارهم موضوعات قد لا يلذ الحديث عنها في المجتمع، ولكنهم كانوا يلتذون وهم ينشرونها في الأوساط الأدبية المختلفة، غير مبالين بحواجز وعوائق تحد من التعبير عن ذواتهم في حالتي الاقبال على الحياة او الانصراف عنها، أو تنبههم الى ما يجب ان يشعروا به وما لا يجب ان يشعروا به في فترات محددة.
يقول الشاعر نزار قباني عن صورته لدى الجمهور المتلقي: أشعر ان صورتي لدى الناس لا تزال غائمة ومضطربة، ومتداخلة الألوان,, ومع ذلك فنزار قباني من اكبر الشعراء العرب ومن اكثرهم انتاجا وعطاء.
وكما ان الشاعر في لحظات ابداعه لا يتقيد بالآخر ولا ينظر الى ما يمكن ان يشكله شعره من خروج عن المألوف فان المتلقي وهو يتمتع بهذا الشعر لا يخضع للتوجيه قراءة وفهما وتعبيرا، اذ لا يعقل ان يتمتع المتلقي وهو يقرأ ديوانا شعريا بذوق الآخرين، وان تكون لذته بتلك القراءة تبعا لذوق الآخرين، فيضعهم نصب عينيه وهو يقرأ شعرا، بل يقرأ حسب ذوقهم ليفهم الشعر ويستسيغه.
وعندما يتناول الشاعر قضية وطنية أو اجتماعية في شعره، ويدافع عنها فانه دون شك سيتعرض للانتقاد ما بين مؤيد ومعارض، الايمان بالقضية وحده اكبر مدافع عن الشاعر، والملتقي قبل او لم يقبل رأي الشاعر ونظريته، له من الحرية في التعبير عن رأيه والدفاع عنه للشاعر من الحرية في الايمان بقضيته.
لا يخطر بالبال اطلاقا ان يحاسب القارئ المتلقي على قراءة معينة، راقه ان يقف عندها، وان يحلل مراميها، ولا يعقل اطلاقا ان يطالب المتلقي بقراءة موجهة، عليه فيها ان يرضي لا أدري من الآخر لأسباب غير مقنعة، بل لأسباب ضبابية، فذلك ما لم تأت به اية نظرية أو أية شريعة.
ان فائدة القراءة تكمن في كشف رؤى المتحدث عنه مبدعا كان او غير مبدع، وفي نقاشها ودراستها دراسة معقولة، اذ لم تكن القراءة ذات يوم للمجاملة والاشادة، أو الوقوع في محاكمة يعسر الامساك بخيوط الدفاع فيها، ان نقاش أي أديب أو شاعر أو الاختلاف معه والحديث عن ذلك لا يقلل ابدا من قيمة ابداعه، بل انه اكثر من ذلك يدعو الى التعرف الى ابداعه أكثر، والى دراسته دراسة متعمقة قد تصقلها المعرفة ويغذيها النقاش على عكس المتخيل في الأذهان فلا نهاية للكمال ولا حد للمطلق.
ان من يرفض التمتع بقراءة الشعر المنشور أو يدعو الى اغفال قراءته يسيء الى النص الابداعي أكثر مما يحافظ عليه، ولو كان الشاعر فعلا يرفض ان تقرأ قصائده او تنشر لدى الجمهور لما سعى الى نشرها ولا الى جمعها في ديوان باعتبارها ابداعا، فحرية المبدع وشعوره بتلك الحرية هو الذي دعاه الى نشر ابداعه، بتقديمه للمتلقي في شكل رواية او قصة أو قصيدة شعر، مكسرا بذلك ما يفرض عليه في الواقع من قيود متجاوزا كل الحدود التي تحول بينه وبين التعبير عن ذاته، أما اذا كان غير راض عن ابداعه كيفما كان، فلا مجال لنشره ولا التعريف به، ولا دراسته ونقاشه.
ومن ثم قد يطرح السؤال، هل من حق القارئ/ المتلقي ان يبدي رأيا أو وجهة نظر في عمل أدبي منشور دون خوف او مجاملة، أم ان عليه ان يتقيد بقراءة معينة يستريح اليها الناس ويلذ لها المستمع في غيابه؟ أي غياب القارئ المتلقي .
قديما قال الجرجاني في دلائل الاعجاز ص 221: اعلم انه اذا كان بينا في الشيء انه لا يحتمل الا الوجه الذي هو عليه حتى لا يشكل، وحتى لا يحتاج في العلم بأن ذلك حقه، وانه الصواب الى فكر وروية، فلا مزية، وانما تكون المزية، ويجب الفصل اذا احتمل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجها آخر .
*كلية الآداب الرباط المغرب

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved