أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 17th September,2000العدد:10216الطبعةالاولـيالأحد 19 ,جمادى الثانية 1421

مقـالات

(عودة),, للكلام على الحل (الثلجي),,؟
حماد بن حامد السالمي
* قالت آخر التقارير الصحافية بأن دولة الإمارات العربية المتحدة مهددة بالتصحر وبالهجرة من المناطق الريفية إلى المدن الكبيرة، ودولة الإمارات كما نعلم، هي جزء صغير من منطقة كبيرة في الجزيرة العربية يتهددها الجفاف والتصحر منذ ثلاثة أعوام، وتتربص بها مشاكل الهجرة من المستوطنات الصغيرة إلى المستوطنات السكنية الكبيرة، والمملكة العربية السعودية تشغل أكبر وأوسع مساحة من أرض الجزيرة العربية، وبذلك,, فإن مظاهر الجفاف والتصحر فيها اظهر من غيرها، وآثارها على البيئة والحياة والإنسان لا يمكن الاستهانة بها، او التقليل من مخاطرها القادمة، وهي آثار سوف تكون سيئة ومدمرة لا سمح الله إن لم نعمل من الآن بجد ومثابرة واستشعار حقيقي للخطر القادم قبل حلوله، نسأل الله سبحانه وتعالى غيثه العميم، الذي فيه الرحمة والرأفة بالعباد والبلاد ونتضرع إليه وحده في كل الأحوال.
* إن هذه القضية التي أضحت تشغل تفكير العامة والخاصة هي من الأهمية بمكان والتفكير في ايجاد حلول لها ليس ترفا، والتوكل على غير الله في مسألة كهذه، هو التواكل الذي لا ينفع معه الندم، والبحث في السبل الموصلة الى التخفيف من آثار الجفاف التي بدأت تظهر هنا وهناك، أمر مطلوب وملح، كما ان المعالجة العلمية والعملية لهذه القضية ابتداء من تشريح أسبابها وبيان علتها ووصف علاجها امر في غاية الأهمية,, فهل نحن فعلا بدأنا نستشعر الخطر,,؟ هل نملك الادراك الكافي بما هو قادم,,؟ ماذا فعلنا لتفادي الخطر,,؟
* أسئلة كثيرة تغرس نفسها في لج التفكير في مسألة تهم الحياة والوجود,, الحياة بكل ما يحمله هذا اللفظ من معنى يرتبط بالإنسان والحيوان والنبات,, بالبيئة,, بالأرض التي نعيش عليها في هذه البقعة من العالم، وهي ارض صحراوية قاحلة لا تعرف الأنهار، ولا حتى مواسم منتظمة للأمطار، وفي مثل هذه التركيبة الجغرافية الصعبة، سعى الإنسان الى البحث عن الماء، وجهد وجاهد في امتتاحه من أعماق الأرض البعيدة حتى جوبه بالنضوب في جهات كثيرة، ولولا اتجاه الدولة في سنوات خلت إلى البحر، في شرقي البلاد وغربيها، ومد المدن والسكان بمياه الشرب المحلاة، لولا ذلك,, لكنا اليوم نعيش في كارثة حقيقية لا يعلم مداها إلا الله وحده,, هذا فيما يخص المدن الكبيرة الملاصقة او القريبة من الخليج العربي والبحر الأحمر، فما حال المدن الكثيرة الصغيرة التي تنتظم حولها الأودية والشعاب وتنتشر على طول الصحاري وعرضها؟.
* إن لهذه المشكلة في المملكة عدة اوجه واكثر من سبب، فمن الأوجه ما تعانيه المدن الكبيرة اليوم من ضغط متزايد، يتمثل في نزف مائي الى خارجها الى حيث الطلب على الماء من المستوطنات البعيدة والقرى والهجر والمدن الصغيرة، الأمر الذي خلق نقصا في مياه الشرب في المدن الكبيرة نفسها وصل الى درجة الأزمة، وزاد من ضراوة المشكلة، أما المياه التي يفترض انها موجهة الى الزراعة وتربية الحيوان، فهي الأخرى لم تعد في مجملها صالحة للزراعة ولا لتربية الحيوان بسبب ما لحقت به من تلوث هرموني وكيميائي واضح، فالصورة تتضح اكثر إذا قلنا: بأنه لو افترضنا ووجد لدينا مياه جوفية يمكن استغلالها من آبار عادية او ارتوازية، فالواقع اليوم يقول بأن هذه المياه أصبحت في وضع غير صالح،فهي إما ملوثة أو مالحة ونحن الذين لوثناها وملحناها بأيدينا لا بأيدي الشركات المصنعة لعلف الدجاج والكبريت والكيماويات,,! حتى لا نترك ثغرة يدخل منها فلاسفة التنظير الذين لا يعرفون من التبرير إلا ما كان وفق نظرية المؤامرة,, وفي جريدة المدينة عدد يوم السبت الموافق للحادي عشر من شهر جمادى الآخرة الفارط جاء تقرير مخبري يفيد بأن مياه الآبار في المملكة ملوثة ولا تصلح للشرب!,.
* نحن إذاً أمام مشكلة حقيقية تنذر بخطر داهم,,؟ ماذا فعلنا حتى اليوم؟ وإذا لم نفعل شيئا حتى اليوم,, ماذا نحن فاعلون غدا؟.
* لاشك ان الجفاف الذي يعصف بكثير من الاقاليم المدارية وخاصة ما جاء منها الى الشمالي من خط الاستواء، من ضمن بلدانها، بلادنا هذه,, يأتي في مقدمة أسباب المشكلة لكن هناك أسباب اخرى من فعل الإنسان نفسه، منها النزف الجائر، والاستخدام غير الرشيد، والتمدن الطارئ، وزيادة عدد السكان,,الى غير ذلك لكن أهم هذه الأسباب كلها هو جهلنا بوسائل تحسين التربة وافراطنا في استخدام الازبال المصنعة والمركبات الكيماوية والمبيدات الحشرية حتى افسدنا التربة، وبالتالي,, تلوثت المياه الجوفية فراحت الآبار تحتج على تصرفنا هذا برغوة صابون تطفو على سطح مياهها!,, فالقرويون الذين يذهبون الى المدن لجلب مياه شرب لهم ولحيواناتهم من المدن، وآبارهم تفيض بالماء,, هؤلاء معهم كل الحق، لأن هذا الماء لا يُشرب ولا يصلح للاستعمال,, وبالتالي فهم يسقون منه مزروعات غير مقتنعين ولا راضين عنها!,.
* ها نحن أمام مشكلة حقيقية,, ماذا نفعل؟,.
* هناك حلول كثيرة,, البعض منها نال حظه من البحث منذ بعض الوقت لكن من الأفضل العمل على مراحل حتى نصل الى أمن مائي حقيقي مع وصولنا الى الاربعين مليون نسمة بعد عشرين عاما، وأرى ان المرحلة الاولى التي يجب العمل بها هي وقف تسميم التربة الذي اضر بها ولوث المياه الجوفية، وأخرج لنا نتاجا زراعيا له ألوان كثيرة,, ولكن ليس له طعم ولا رائحة ولا فائدة إلا ما ندر فشذ,, يجب ,, الحؤول دون وصول زبل الدجاج الكيميائي الهرموني الى متناول المزارعين، ودراسة آثار الكبريت ومواد الرش الأخرى على التربة فلا ينبغي ان نغض الطرف عن خطأ فادح يرتكب ضد التربة والماء والبيئة والبشر، من اجل عيون المستثمرين في مزارع الدجاج المصنع وما يجنونه من ارباح ومكاسب من وراء بيع أزبال هرمونية كيميائية مصنعة على حساب الأمة، هذه الخطوة,, يأتي بعدها، البحث في ترشيد الري، والاستخدام البشري للمياه، والأخذ بأحدث الوسائل العلمية في ري المزروعات، والاستفادة من مياه الصرف المعالجة المضمونة صحيا.
* أما المرحلة الثانية التي تلي سابقتها فهي بناء مئات السدود الصغيرة على الأودية الزراعية القريبة من المستوطنات السكنية,, السدود الصغيرة وليس الكبيرة، لأن السدود الكبيرة عديمة الجدوى في بلاد ليس لها مواسم مطرية ثابتة وبالتالي فإن المخزون الكبير وراء سد كبير، يندر ان يحدث إلا في بلاد مطيرة، ولنا في الأولين السابقين الذين سبقونا في تشييد هذه السدود وبعضها مازال قائما أسوة حسنة.
* والمرحلة الثالثة، هي تطوير محطات التحلية وتفعيلها بما يوازي الحاجة للماء في العشرين سنة القادمة، لأنها هي الخيار الأوحد أمامنا اليوم ولا غيرها، وإذا استطعنا العودة بالمياه الجوفية في الآبار القريبة والعميقة الى الوضع الطبيعي الصالح للشرب والاستخدام نكون قد حصلنا على بعض التوازن في الكفاية بين المدن التي تشرب من البحر والأخرى البعيدة التي سوف تستغنى عنه بمياه الآبار السطحية والجوفية.
* أما المرحلة الرابعة وينبغي ان تكون مرحلة مصاحبة لما سبق من مراحل فهي التفكير جديا في الحل الثلجي الذي تقوم فكرته على جر جبال جليدية ثلجية من القطب الجنوبي للكرة الارضية الى سواحل المملكة ومن ثم تسييلها للسقيا والشرب وفق نظم علمية متطورة، قليلة الكلفة إذا ما قورنت بكلفة الماء المحلي,, وهذا الحل، كان مطروحا بصورة علمية منذ أكثر من عشرين عاما عندما أخذ الأمير محمد الفيصل وكان وكيلا لوزارة الزراعة تسويق هذه الفكرة كمشروع حيوي في بلاد صحراوية قليلة الأمطار، شحيحة المخزون المائي، وفي الفترة نفسها تبارت أقلام كثيرة وبرز أكثر من طرح وتبنى الاستاذ حامد مطاوع من خلال جريدة الندوة وكان يرأس تحريرها فكرة فتح قناة بحرية بين البحر الأحمر والخليج العربي عبر البلاد السعودية، تربط شرقها بغربها بحرا، ولمثل هذا المشروع كما هو معلوم آثار ايجابية بيئية ومائية ومطرية واقتصادية وسكانية واذكر اني تحمست وطرحت وقتها فكرة مد لسان بحري من الشعيبة الى مكة المكرمة بطول ستين كيلا,.
* أفكار كثيرة طرحت وتطرح، ولكن الوقت حان للعودة الى مشروع الحل الثلجي ,, وهو حل من بين حلول,, لكنه يبدو اليوم أكثرها وجاهة، لا ليأتي بديلا عن غيره ولكن لتوفير المزيد من الضمانات الممكنة، لثبات أمني مائي في المستقبل الذي يبدأ من هذه اللحظة، فليس في موضوع الماء مستقبل قريب وآخر بعيد، فالماء هو أساس الحياة كما قال رب العالمين في محكم تنزيله: وجعلنا من الماء كل شيء حي ,.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved