أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 17th September,2000العدد:10216الطبعةالاولـيالأحد 19 ,جمادى الثانية 1421

عزيزتـي الجزيرة

تعاون المواطن ضرورة
مآسي حوادث المرور تتفوق على ويلات الحروب
تنتاب العالم في كل حين حمى الحرب، فتعركه وتضنيه وتعصره وتكويه، وذلك التنافس بين المخلوقات طبيعة من طبائع الحياة، وكثيرا ما يستمر هذا التنافس فينقلب حربا شعواء وصراعا رهيبا، فالحرب سنة من سنن الكون وطبيعة من طبائع الكائنات، نراها في كل المخلوقات، حتى بين أنواع النبات والحيوان.
ولذلك كان تاريخ البشر مزيجا من سطور بيض للسلم، وأخرى حمر للحرب، منها حروب البغي والعدوان، ومنها حروب الدفاع والكرامة، وكثيرا ما كانت هذه السطور الحمر صوابا لأخطاء الحياة، أو نيرانا ينضج بها الوجود حينا بعد حين.
واذا كان سجل الحرب مليئا بأنواع البطولة، مفعما بالتضحيات العريضة والمآسي المذهلة التي قد تسمو بأصحابها الى سماء الأبطال المضحين، أو تسف بهم الى حضيض الشياطين فلاشك ان صفحات حوادث المرور في هذا السجل الضخم من أبشع صورها وأقبح سطورها,, وان الخيال ليعجز عن ان يتصور حقيقة ما يحدث الآن من كوارث دامية وأشلاء مبعثرة في كل آن ولحظة، وقد غطيت الأرضون بالأشلاء وصبغت بالدماء حتى اصبح دور العلم والتحضر يقدم للانسانية أقسى ما يستطيع من شر تألم له الناس وعجزوا عن مقاومته، لأن أعراضه لا حصر لها: فهي التدهور كله والخيبة جميعها، بل الموت الأدبي الاجتماعي بكل صوره وشتى معانيه، لأن كل مواطن يدرك هذه الأخطار والحوادث المروعة ليل نهار,.
وها نحن الآن نشكو مر الشكوى ونعاني آلام ذلك الخطر كل لحظة، فبعد ان اعرضّت الحياة وكثر العمران في المملكة وعمت المدنية أرجاءها، فامتلأت الطرقات والشوارع بالصفوف من المشاة وبهن السيول من السيارات، ومعلوم انه كلما كثفت الحضارة غصت الطرقات وشرقت الشوارع بهذه الأمواج المتلاحقة من السيارات، وبهذا غدا ركوب السيارات عذابا وخطرا، داخل المدن وخارجها وفي الخطوط الطويلة السير، بل صار عراكا وحربا ضارية يئن منها المرضى والكهول والنساء والشباب والأطفال، وكان لذلك عواقبه الوخيمة ونتائجه الأليمة، فكم من رجل أعمال تأخر عن عمله أو قاطعه بموته فخسر الوطن قدرا من الانتاج له قيمته، وكم من طالب تأخر عن مدرسته وفجع به أبواه، وكم من شاب زلقت رجله بسيارته فخر صريعا تحت العجلات، وكثيرا ما تتسابق السيارات فتكون الحوادث الدامية وتقع الضحايا البريئة من الخلق، وكثيرا ما تختل العدد والآلات، كما قد يعبث السائقون او يستهترون بالسرعة الجنونية فتكثر الحوادث وتتعاقب الكوارث وتسيل الدماء وتزهق الأرواح فكم ثكلت أم فلذة كبدها، ولا تزال تلوح بين أعيننا صور هذه الفواجع المبكية ويعلق بأذهاننا مناظر تلك الصدمات الدامية التي ذهب ضحيتها شباب رائعون، وشيب نافعون، ولاشك ان من واجبات المسؤولين من رجال الأمن والمرور والنجدة ان تتلافى الشرور قبل وقوعها، وان تسد مساقط الخطر وثغرات السوء قبل ان يستفحل خطبها، وألا تنتظر حتى تستحثها الحادثات، او تصرخ في آذانها النكبات، فترى بعينها الدماء السائلة والأشلاء المبعثرة نعم لقد اصبحت حوادث الاصطدام كثيرة مروعة وأصبح جوب الطرق وعبور الشوارع في العواصم أمرا محفوفا بالأخطار والأهوال,, فاذا ما وقفت على عدوة طريق رئيسي او مفترق طرق,, فسيروعك ذلك العدد العديد من هذه السيارات تغدو وتروح عاجلة، وتعدو متضادة متقابلة وبسرعة مفرطة، لا يكاد يفرقها قيد أنملة وأرواح الركاب فيها والجمهور من أمامها رهن بيقظة السائقين وحسن تقديرهم، ومن هنا فقد أعدت حكومتنا الموقرة للأمر مقتضاه ومهدت لتيار حضارتنا مجراه، فأعدت العدة وجندت مسؤوليها ورجال مرورها وأمنها برجال امتلأت صدورهم حنانا وأفعمت قلوبهم شفقة ورحمة، تدركها كل الادراك، وتقدرها قدرها حين تسمع في رائعة النهار او في غلس الأسحار ناقوس هؤلاء الجنود من رجال المرور يدوي في الطرقات عنوان غوث وبشير نجدة اولئك أهل الشفقة وأطباء العجلة وغوث اللحظة، يجدهم المرء في هدأته كما يجدهم في سفرته أقرب اليه من أخته وأخيه وأمه وابيه، ان هؤلاء لم يألوا جهدا ولم يدخروا وسعا في أداء واجباتهم الملقاة على عواتقهم.
ورغم الجهود التي يبذلونها لدرء هذه الأخطار، ورغم ان هذه الحوادث تعد مشكلة اجتماعية طال وسيطول عليها الأمد وقد بحت فيها أصوات الشاكين دون ان تجد آذانا سميعة من اكثر المواطنين وأولياء الأمور، وأقولها بمرارة ان رجال الأمن والمرور، كثيرا ما يتبدد مجهودهم ويتبخر أثره من نفوس المواطنين، لأنهم كثيرا ما يهدرون التعليمات المرورية ولا يهتدون بهديها، ولأن كثيرا من الشباب الخلطاء بقرناء السوء يرتكبون المخالفات الطائشة من قطع اشارة أو سرعة متهورة أو عكس اتجاه أو أعظم من ذلك، فيوقف مدة معينة أو تحجز سيارته، وقبل استكمال محضر الحالة يتدخل ولي الأمر بطلب الافراج عنه، رغم علمه بخطأ ابنه وفي هذه الحال ينطبق على الاثنين قول الشاعر:


متى يبلغ البنيان يوما تمامه
اذا كنت تبني وغيرك يهدم؟

لذا فانه يحتم على المواطنين عامة ان يعينوا المرور على مهمته، ولا يكونوا حجر عثرة في طريقهم فان المهمة شاقة، والنتائج جد خطيرة، فليس في مصلحة الآباء تدليل أبنائهم وتفريطهم في محاسبتهم على أوقاتهم في خروجهم من بيوتهم وأسفارهم، وعلى هذا الشكل يجب ان تتوزع المسؤولية بين رجال المرور وبين المواطنين، ولذلك كان اخفاق أحد الجانبين عبئا وضررا، فالأمل في الاصلاح ضعيف ان جد رجال الأمن وتراخى المواطنون، والنجاح في تخفيف هذه الويلات ان نهض جانب وتراخى الجانب الآخر عسير فالعبء ثقيل، والغاية ثمينة غالية.
لذا فان على المواطنين ان يصلحوا أنفسهم ومن هو تحت مسؤوليتهم من أبناء وسائقين ويعملوا على ما يوافق مكانتهم بين الأمم، وان يسنوا السنن الصالحة لأنفسهم وغيرهم وألا يقفوا بمعزل عن مصائب وكوارث بلادهم، بل يشاركوا جهد اليد واللسان والقلب وليعينوا رجال أمن بلادهم بدلا من أن يكونوا حجر عثرة في طريقهم فيتشفعوا ويلجأوا الى الوساطات لاطلاق سراح الموقوفين المخالفين، وليتذكر دائما هذه الحكمة: من أمن العقوبة أساء الأدب بالتعاون والتآخي وعدم التنصل من المسؤولية، بل يجب ان يشعر كل فرد انه سائل ومسؤول ودائن ومدين، ومن بعض وسائل العلاج لتخفيف ويلات هذه الفواجع الدامية بعد تجاوب المواطنين الاكثار من اللافتات والعلامات عند كل منعرج او منحدر، وبخاصة المصابيح الكهربية في الليل، فهي خير ما يهدي السائقين وينظم حركة السير والمرور فيها وفي الظلام الدامس اذ تتلألأ على بعده وكذلك من واجب المسؤولين ان تسن القوانين والنظم التي تحد من السرعة داخل المدن وخارجها التي تضرب على ايدي الحمقى والمتهورين ومحبي السرعة من الشباب الطائشين، وان تشدد في منح اجازات القيادة فلا تسمح بها الا بعد مران طويل واختبار عسير، كما يجب ان يعد عدد كبير من رجال الشرطة تخصهم بالطرقات وتعرفهم واجبهم فيها، وذلك عند مفترق الطرق وأفواه الشوارع ووسط الميادين، فالحالة الراهنة جد خطيرة وأرواح الناس هي الخسارة حين يستهان بذلك او يتوانى فيه كان الله في عون الجميع.
عبدالله تركي البكر
خبير التعليم بحائل

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved