أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 27th September,2000العدد:10226الطبعةالاولـيالاربعاء 29 ,جمادى الثانية 1421

منوعـات

يارا
نموذج حمد الجاسر
عبدالله بن بخيت
كان أعظم مطعم ثقافي في المملكة لأنه كان المطعم الثقافي الوحيد في المملكة، كنا نجلس في المطعم أكثر مما نجلس في قاعات المحاضرات,, ضحكات نكات مناقشات تغلف غضبا سياسيا من بقايا حركات الستينات، هذه كلية الآداب بجامعة الملك سعود في أواخر السعبينات من القرن الماضي، مجموعة كبيرة من الطلبة والمدرسين كان الطلبة المجتهدون يضجون من هذه الجلسات لأن ضجيج المناقشات كان يربك المسكنة التي ألفوها أيام الدراسة الثانوية, حسن ظاظا وشكري عياد وشوقي السكري والأخير اخذ يدربنا في هذه الجلسات على الطريقة المثالية التي يجب ان نكتب فيها كل ما نريد دون ان يطالنا غضب حراسة الكآبة، تقريبا تركنا المحاضرات، فكانت الدراسة الجامعية بالنسبة لنا هي بوفيه خضر ومطعم الكلية والساحة التي تقع في منتصف الكلية، ولم نكن نعلم حينها أننا كنا نمثل نموذجا عالميا من الدراسة الجامعية، كل شيء توقعته في تلك الجلسات إلا ان آتي في يوم من الأيام وأشاهد حمد الجاسر يجلس بين الطلبة والاساتذة كان في حالة اصغاء حيث يضع شماغه خلف اذنيه ولكي اتأكد سألت احد الزملاء: ألا تعتقد ان هذا هو حمد الجاسر؟
كان حمد الجاسر بالنسبة لنا اسطورة يمثل نموذجا للمثقف الأصيل او بالأصح فقد أسس في داخلنا نموذجا للمثقف الأصيل، الذي تتراوح شخصيته بين النبل الذي يتمتع به ابن الصحراء وبين الأصالة العلمية.
لا أتذكر كيف كان الحوار الذي دار بيننا وبينه ولكن الشيء الذي لا انساه أبدا أنه لم يضع نفسه محور الجلسة رغم انه ضيفها وكان يجب ان يكون، بل بالعكس فقد تكيف بسرعة مع الجلسة يراوح مثل الدكتور شوقي السكري وحسن ظاظا وشكري عياد يراوح بين كونه عالما واستاذا وبين كونه طالبا في كلية الآداب فيتنقل بسرعة قياسية بين المرحلتين، فمن الواضح ان الأمر بالنسبة له سيان ففي لحظة يتحول طالبا وفي لحظة اخرى يعود عالما وكان هذا هو سلوك اساتذتنا أقصد اساتذة المطعم وليس اساتذة قاعات المحاضرات المشغولين بإخواننا المجتهدين .
بعد اثنتين وعشرين سنة لا اتذكر الحوار العلمي او طبيعة الموضوع الذي تداولناه مع حمد الجاسر ولكني مازلت أتذكر كثيرا من التعليقات.
بعد ذلك تكررت زيارات حمد الجاسر للكلية ولا اعرف هل استهواه مطعم كلية الآداب ام انه لم ينه ما جاء اصلا له؟ وقد ترددت اشاعة بعد ذلك ان الجاسر سيلقي محاضرات في الكلية فاستعد كثير من الطلبة للتسجيل في المادة التي سوف يدرسها واتذكر ان احد الزملاء قال: لا يهمني المادة التي سوف يدرسها حمد الجاسر انا اريد فقط ان احضر معه محاضرة؟ فالجاسر لم يكن بالنسبة لنا عالما او مؤسس اول مطبوعة في منطقة نجد بل كان استاذ جيل في مفاهيمه وفي سلوكه الثقافي المنفتح، وعندما نقارنه حتى بالأجيال التي جاءت بعده نراه دائما سابقاً عليهم لم اعرف ان حمد الجاسر تصدى لأي تيار تحديثي في المملكة ولم اعرف ان حمد الجاسر وقف في وجه حركة شبابية ثقافية، كان من أكبر المقاومين للميولات الطبقية والطائفية في المجتمع، كان رحمه الله نموذجا للمثقف العربي الأصيل الذي اخذ من تيارات الستينات العروبية زخمها واخذ من عروبته الشخصية بساطتها ومن العلم وقاره، كان رمزا للشباب التقدمي وسيبقى كذلك إلى الابد.
لمراسلة الكاتب: yara4me@yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved