أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 28th September,2000العدد:10227الطبعةالاولـيالخميس 1 ,رجب 1421

مقـالات

ضحى الغد
معشوقة طالما صرعت عشاقها!
عبدالكريم بن صالح الطويان
عجبت من الإنسان (القنوع) لقد قضى حاجاته كلها، وأتم رغباته جميعها، ولم يبق له تطلع إلى مزيد، ولا طمع إلى رغبة، ولا أمل بالتكاثر، ولا شوق إلى المنافسة، لقد أراح قلبه، وطمأن نفسه، فانصرف جميعه إلى الجوهر، معرضاً عن الشكل، مدبراً عن المتاع إلى المآب!
وعجبت من الإنسان (الطماع) الذي يحمل قلبا طماحاً إلى المزيد من متاع الدنيا وزينتها ورونقها وزخرفها، إنه في لجج الدنيا وغمراتها يصبح ويمسي على حاجاتها وشغلها، يريد أن يستوفي متاعها وقنيتها ويستحصل المزيد، ويستكمل الناقص، ويُحسن الكامل، فلا ترى أبداً لسفينته مرسى، ولا لبحر أمانيه شاطئاً أبداً!
ولا يتعظ الإنسان بغيره أبداً ، ولا يستفيد من التاريخ مطلقاً، ولا يعتبر بالعبر، ولا بدروس الواقع، ولا بما يشهد عليه يوميا من مشاهد وأحداث ووقائع تؤكد كلها على أن الحياة غرور، وأنها فانية وأن الغني والفقير، والمقل والمكثر، والسيد والمسود، والكبير والصغير جميعهم يرحلون بقطعة بيضاء من القماش تستر جسداً غادرته الروح فغدا جثماناً يُوشك أن يُودع في بطن الأرض، وقد خلف وراءه كل تراثه، وليس له سوى الباقيات الصالحات أملاً!
أيهما أصوب نظرة، وأصح تجربة وأهدى طريقا، وأقوم قيلا، أهو المسرف في حب دنياه المشغول بها، الغارق في لججها الطامية؟! أم هو الزاهد بها زهادة القادر الآخذ منها كفاية الزاد، ومتاع الطريق، وبُلغة المسير، العارف بحقيقتها، الواعي بتاريخها، المدرك لوهم غرورها؟!
إن الزاهد يرحل منها وقد ازور عنها، قبل أن تزور عنه، أعرض عنها قبل أن تُعرض عنه، وتركها أولاً قبل أن تبادر بتركه، فانتصر عليها بتفضيل الأخرى عليها قبل أن تنتصر عليه بنشوزها المتوقع!
أما الطامع فيها ، الحريص عليها، العاشق الولهان بحبها فهو في غمرتها ساه، غارق بحبها، مفتون بجمالها وخضرتها وكيدها وسحرها، يعب من حبها فلا يروى، ويأخذ من متاعها فلا يشبع، ويظل حاثاً المسير إلى احتوائها وامتلاكها واجتماع الشمل بها، فإذا به فجأة يشهد لحظة الطلاق والفراق والتفاف الساق بالساق! فيعرف أنه قد سرى بليل، وغُر بسراب، وخُدع بآل، وسعى خلف من لا يُؤمن السعي خلفه، وركب في مركب طالما عثر بركابه، وانقطع بأصحابه، وخذل أحبابه!
إن الزاهد هو الحليم، وهو العاقل، وهو الحكيم الذي أوتي الحكمة، ومُنح الرشاد، ووفق إلى الفلاح، وخيار الصلاح! والعاشق الولهان بدنياه، هو صريع معشوقته، قتيل محبوبته، التي طالما صرعت عشاقها، وفتكت بقلوب محبيها على مدى تاريخها الطويل كله!

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved