أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 28th September,2000العدد:10227الطبعةالاولـيالخميس 1 ,رجب 1421

مقـالات

كُل وآمِن,.
د, فهد حمد المغلوث
في ظل هذه المخاوف الصحية المتزايدة من الأمراض بشكل عام وفي ظل الهاجس المقلق بشأن كل ما نتناوله من غذاء ومدى فائدته وجدواه وضرره على صحتنا، وفي ظل ما نسمعه عن ضحايا بسبب التسمم الغذائي وغيرها,, الخ,.
في ظل هذا كله في هذه الأيام، الا تستحق صحتك ان تخاف عليها وتعتني بها وتسأل بدل المرة مئة عن كل شيء يدخل فمك مهما كان مصدره ومهما كانت الدعاية المسلطة عليه ومهما كان حديث الناس عنه؟.
وهذا بكل تأكيد يدعونا أو يقودنا للحديث عن الغذاء عامة والمطاعم والوجبات بشكل خاص ومدى ما تقدمه لنا خاصة في ظل تنامي عدد المطاعم في مجتمعنا بشكل ملفت للنظر بغض النظر عن نوعية الوجبات المقدمة.
يقولون قديما ان الانسان يأكل بعينيه، بمعنى ان الأكل حينما يقدم بشكل جميل ومتناسق، فان هذا يشجعك على الاقبال عليه حتى لو كانت قيمته الغذائية معدومة أو قليلة, وبيني وبينكم الانسان حينما يكون جائعا جدا وهلكان جوع فان أقل وجبة عنده تكون بمثابة أغلى وجبة تراها عيناه لأنه لا يهمه الطعم حينئذ بل ان يسد جوعه انجاز التعبير وقول العامة أحيانا بأن لقمة أو أكل الشارع حلوة فان هذا فيه يحمل أشياء نفسية أكثر منها أشياء أخرى، وأقصد بذلك الشعور بالتغيير عن الأكل المألوف أو المعتاد عليه، وتغيير المكان والمشاركة مع آخرين ووجود أجواء أخرى لم تعهدها من قبل حتى لو كنت تعرف ان هذا المكان أو المطعم غير نظيف، وحتى لو كنت تعرف ان هذا الطعام ينقصه ملح أو ان هذا الأرز أقرب للعجين، كل هذا لا يهم طالما انك مفتوح الشهية وجائع ومعك أشخاص آخرون فهذا هو المعني حسب اعتقادي.
ولكن ما بالك ان توفق بأكل لذيذ ومقدم لك بشكل حلو ويفتح النفس والأهم من ذلك تضمن نظافته، ونظافة الاجراءات والطرق التي أوصلته لك بدءاً من المطبخ الى أن يصل الى مائدتك؟ أليس هذا شيئا جميلا ويتمناه كل انسان منا؟
لقد كانت لي فرصة زيارة تموين السعودية منذ فترة بسيطة في الرياض بدعوة كريمة من أحد المسؤولين، ولقد ذهلت بهذا المستوى الرائع من الكفاءة في العمل وحسن الجودة والنظافة في كل شيء، والأهم من ذلك وهذا ليس غريبا تلك الدقة المتناهية في توصيل الطلبات والروح الحلوة في تقديمها رغم ما يتعرض هذا الالتزام من توصيل الطلبات على الطائرات من معوقات واحراجات كثيرة جدا.
وهذا في الواقع ليس بمستغرب من شركة عالمية بهذا الحجم تقدم أكثر من 13 مليون وجبة في السنة وتخدم أكثر من 80 ألف رحلة سنويا ناهيك عن الجوائز العالمية الحائزة عليها والتعامل مع 45 شركة طيران عالمية لتزويدها بالوجبات على متن خطوطها, وقد يتبادر لذهن القارىء الآن ان هذا موضوع دعائي وهذا جائز ولكنني أرمي من وراء هذه المقدمة الدخول الى قضية اجتماعية مهمة جدا وهي قضية الخدمات وكيفية تقديمها أو أسلوب توصيلها، والخدمة الغذائية في نظري جزء أساس من الخدمات الاجتماعية، بل ان اسلوب تقديمها ينبغي أن يكون مختلفا ليشعر الانسان بقيمته خاصة وانه يدفع مبلغا ليس بالبسيط وهذا أقل حق من حقوقه.
فحينما دخلت تموين السعودية الذي يقع على مساحة كبيرة جدا شعرت انني في عالم آخر، عالم كل ما فيه ومن فيه منهمك في عمله ويعامل هذه الوجبة على انها تحفة فنية رائعة يجب أن تخرج من يده في صورة متكاملة والكمال لله .
رأيت كيف تبدأ الخطوات لعمل الوجبة المقدمة للمسافر والخطوات التي تمر بها والاسلوب الرائع الذي تغلف به كي تحافظ على شكلها الجذاب وقيمتها الغذائية وبرودتها أو حرارتها حتى تصل للمسافر على متن الطائرة، كل هذا شاهدته بعد أن ارتديت قميصا بلاستيكيا معقما من البداية وقبل الولوج لأولى خطوات المطبخ الذي ما أن دلفته حتى سال لعابي وأنا أشاهد تلك الحلويات تزين في مراحلها النهائية بألوان وأشكال تجبرك على الوقوف عندها وتتأمل في جمالها، ولكن هذا لم يمنعني من التذوق قليلا على الأقل أكون خرجت بشيء وكل هذا شيء والقهوة العربية التي تقدم لك بمصاحبة التمر المغلف بأسلوب عصري وجميل والذي تشعر أحيانا انك لو تسافر دوما على الدرجة الأولى لأن تقديمه يكاد يكون قاصرا عليها كنوع من التميز عن الدرجة السياحية وبيني وبينكم الناس مقامات، وعلى قدر ما تدفع على قدر ما تأخذ أليس كذلك؟ .
المهم ان ما شاهدت أثلج صدري بالفعل لأني لاحظت مستوى النظافة بنفسي ولم أجد لا فتة تقول ممنوع دخول الزبائن للمطبخ كما هو الحال مع المطاعم الأخرى المنتشرة هنا وهناك يعني خوفا من العين على نظافة المطبخ! يا عيني.
أما الشيء الذي أود ارشادكم أياه فهو في نوعية الخدمات الغذائية الأخرى التي تقدمها تموين السعودية لزبائنها وهذه بالفعل تحسب لها, فهل تعرفون ان للفئات الخاصة من المعوقين خدمات خاصة، نعم هناك وجبة الكفيف الخاصة وهناك الوجبة الخاصة بالطفل التوحدي بمعنى انك كانسان كفيف اوكولي أمر لطفل توحدي ينبغي ان تستفيد من هذه الخدمة المقدمة لطفلك طيلة فترة السفر بل حتى ان كنت تريد وجبة معينة بامكانك الحصول عليها كما لو كنت تحت نظام غذائي معين صارم فمن حقك الحصول على تلك الوجبة، ما عليك فقط لكي تحصل على كل تلك الوجبات الغذائية الخاصة ان تطلبها أثناء حجزك لتذكرة السفر كي تكون في استقبالك أثناء السفر وتستمتع بها.
اذن فهناك العديد من الخدمات المقدمة لنا، ولكن المشكلة ليس في وجودها أو توفرها بل كيف تعرف عنها وكيف تصل اليها وكيف نستفيد منها فالمسألة اذن مسألة وعي اجتماعي في المقام الأول.
ودعوني أقول شيئا آخر، ان هذه الأجواء التي شاهدتها في تموين السعودية ارتبطت لدي بمفهوم جمالي من نوع آخر، مفهوم جمالي نحن بحاجة اليه كي نشعر بالسعادة ولو لفترة بسيطة من حياتنا.
تخيل نفسك وأنت في رحلة سفر طويلة بالطائرة، تخيل نفسك وأنت تجلس على كرسي الطائرة وبجانبك أغلى الناس اليك ويدك بيديه طيلة فترة السفر.
تخيل نفسك وهو بجانب النافذة وأنت بجانبه وكل من كما يشارك الآخر مشاعره وبينت له انطباعاتك بهذه اللحظات الرائعة الحلوة.
تخيل نفسك وانتما في هذه الأجواء الممتعة واذا بالمضيف يستأذنكما ليسألكما عن نوعية الوجبة التي تريدانها وتخيل نفسك تطلب وجبة معينة في حين يطلب الطرف الآخر وجبة أخرى، بل تخيل نفسك وأنت في هذه الأجواء الرومانسية تسمي بالله، ثم تفتح الشوكة من كيسها البلاستيكي المغلق وتبدأ في الأكل ثم لا تلبث أن تجد الطرف الآخر يلتفت اليك ويطلب منك ان تتذوق بعضاً مما لديه في مائدته وكذلك الحال معك انت، فكيف هو شعورك لحظتها وما هو رد فعلك حينئذ, بل ما هو شعورك بعد ان تشرب فنجان قهوة أو شاي ثم تشعر بحاجتك للنوم فلا تجد نفسك الا وأنت تضع رأسك على كتف من هو بجانبك ولا تشعر بنفسك الا بمن هو جانبك يرتب عليك برفق ليخبرك بوصول الطائرة ويطلب منك ان تستعد لمغادرة الطائرة، أليس تلك المشاعر رائعة؟ انها بالفعل كذلك.
وان كان هناك من شكر فلتلك الأجواء الرائعة التي عشناها مع الخدمات التي تقدمها تموين السعودية والتي نتمنى أن تكون في تطور دائم ولك أنت أيها القارىء الكريم على حسن مشاركتك لنا ومرة أخرى كل وآمن فليس عليك خوف بإذن الله.
همسة
حتى الطعام,.
مهما كان شكله,.
مهما كان نوعه,.
لا أتذوقه,.
لا أشعر بطعمه
الا حينما يكون معك
حينما يكون من يديك,.
حينما يكون فيه نَفَسُك,.
***
نعم انها اجواؤك أنت,.
من تُضفي على الأكل مذاقا,.
من تُعطي للمكان دفئا,.
من تجعل للحياة معنى,.
من تجعلني أشعر,.
انني أسعد الناس,.
فهلَّا شاركتني أياها؟
هلَّا أحسستني بها؟

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved