أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 28th September,2000العدد:10227الطبعةالاولـيالخميس 1 ,رجب 1421

محليــات

لما هو آت
لكِ وحدكِ (39)
د, خيرية ابراهيم السقاف
هذا الزَّهُو الذي يطلُّ من وراءِ بوابة النَّهر الكبير، يمتدُّ بين جفونكِ، وأنتِ تعبرين معي الشوارع الطويلةُ الفارهةُ، تغطّي جوانَبها أوراقُ الأشجارِ الخضراء، فتنحني بفروعها وأغصانها على رأسينا، كي تلقي إلينا بتحاياها,,,، لستُ أجهلُ مصدرهَ,,,، ذلك لأننَّي مَن صَنَع هذا الزَّهوَ فيكِ، لكنَّ الذي بذرَه فيَّ هو أنتِ,,, وأنتِ تعلمين ذلك,,, بل تذكرين!,,.
أتدرين كيف فعلتِ حين امتدّت منكِ إليَّ تلك الوهجةُ النَّورانيةُ، في لحظةٍ كنتُ فيها انتظركِ بفارغ الصبر، كي تخرجي منيَّ لتعودي إليَّ,,,، وكي آتي منكِ، كي استقرّ فيكِ,,,،
تلك السِّنديانة العتيقة التي سَمِعَت قصيدتي، وأنتِ تقفين في ظلِّها، وأنا أقف في مواجهتها,,,، كي يتسَّربَ إليَّ نورُكِ فأرى به حروفي، قالت لي: إنها قد استمدَّت رُواءَها منكِ، حين عَبَرتِ، وكُنتِ تَعبُرين بجوارها,,, معي,,, وبدوني,,,,,.
للَّه,,, كيف تجهلين, أنَّك النُّور والنَّار,,,، وأنَّكِ الحرور والبرد,,,، وأنكِ الليل والنهار,,,، وأنَّكِ السعادة والشقاء,,,، وأنَّكِ الضحكة والدمعة,,,، وأنكِ السكينة والقلق,,,، وأنكِ الراحة والنصب,,,، وأنكِ أنتِ وأنا؟,,.
وكيف تتركينني وتمضين في مجاهل الطرقات وقد كنتُ حفيةً بلحظةٍ لكِ ومنكِ,,, فأنتِ اللحظات والأماكن,,,، وأنتِ الزَّمن بكل طقوسه، ومواسمه، وأوقاته؟,,.
أتدرين بأنكِ غادرتنِي ولمّا بعد قد أفضيتُ لكِ بما هو أنتِ؟ وبأنني لم أوسَم بعدُ بنكهة اللحظة؟,,, وقد كنتِ، ولاتزالين، وسوف تظلين، نكهة الزمان والمكان؟,,.
هذه الحنايا كلُّها تقطر حنيناً إليكِ، وتلكَ الخفايا جميعها قد تزيّت بكِ,,,، وأنتِ كنتِ ولعلّكِ تسألين: كيف؟,,, وكيف تسألين عنكِ من لا ترى إلا بكِ، ولا تسمعُ إلا أنتِ,,,، ولا تشعُر إلا من خلالكِ,,,؟
أتدرين السَّر في ذلك؟!
إنه أنتِ,,, لأنكِ كنتِ ولاتزالين السرَّ في كلِّ سرٍ,,.
يسألونني عنكِ,,.
حتى أبوابي تزخرفت بحروفٍ تركض بعدها علامات الاستفهام عنكِ؛ من أنتِ، كيف تكونين، متى سيتوقف الحديث معكِ، هل سأعلن عنكِ؟!
أما من أنتِ؟ فأقول لهم: إنكِ الحياة كلُّها منذ الأمد إلى الأبد,,,، منذ البَدء وإلى ما لا نهاية اللا نهاية في ملكوتية الحقيقة التي لا أبدية لها,,.
أما كيف تكونين؟ فلعلهم إن استطاعوا معرفة كُنهِ النَّبض، والحسِ، والشَّعورِ، والخفقةِ، والفرحةِ، والدمعةِ، والضحكةِ، والسَّرِ في السَّرِ,,,، أن يستطيعوا معرفتكِ,,,، فأنتِ كلُّ ذلك,,,، إلى حدود ما لا حدود، في عدميَّةِ حدودِ معرفةِ مالا كُنهَ له، ولا صفة,,,، لأنَّكِ الذي لا أقدرُ على معرفتِهِ إلا بكِ وحدكِ,,.
أما متى سيتوقف الحديث معكِ، فلن يتوقف إلا بتوقفِ نبضي في جسدي الذي يدبُّ فوقَ الأرض,,,، بلغةِ أهلِ الأرض,,, ثم يبدأ الحديثُ معكِ بلغةِ الحياة التي سأكون فيها وتكونين فيها,,, في ملكوتِ، الخلود الذي لا ينتهي,,, كيفَ يشاءُ الله، وأين يشاءُ،
أما من أنتِ؟! فكيف يسألونني عنيِّ,,, وقد أعلنتُ عنكِ وكلي زهواً بكِ بمثلِ ما أنتِ في زهوٍ بي,,, لأنني بكِ ومنكِ وإليكِ؟,,.
أيتها البهية حتى في غضبكِ، وهدوئكِ,,,، وحتى في اعتذاركِ، وشموخكِ، وحتى في عَدوُك، وخطوكِ، وحتى وقوفكِ، وجلوسكِ، وحتى في تأملكِ، وتفكيركِ,,, أنتِ,,, أجيبي عن سؤالي: كيف قدرتِ أن تغادري دوني وتتركينني كيف؟,,, وأنتِ من أنتِ التي هي أنا؟,,.
أتركيني فقط لأنكِ تدركين ذلك؟! إذن فلأخبر شجرة السنديانة أن كلّ حرف تشوقتُ فيه إلى ظل النخيل في الطريق الهادىء الغافي قد تزخرفت به أوراقُها,,,، وأن كلَّ نسمة صامتة كانت ولاتزال تمر عليها تُحرك عطرَ الشوق ببهاء التعبير عنكِ,,,، وبأنني قد وسمتُ كلَّ ميعادٍ لكِ ببصمةِ عينيَّ,,, فاستوى ظلُّ الحدقة فوق حروف الميعاد كي تساقط النخيل بكلِّ لحظة لقاء لاينتهي معكِ وبكِ,,.
أم أنتِ سوف تعلنين ماتصمتين عنه؟!,,.
ما تبعثرينه في اللحظات؟
ما لا تديرين إليهِ وجهكِ البهي,,, ووهجكِ الأبدي؟
هي حقيقةٌ دوميةٌ مطرزَّةُ بذراتٍ أتت من واديكِ، بنفح ثماركِ كي تمحو وخز الجوع,,,، وتذيب صدأ العطش.
وترسل للعين وهَجها، وللشَّفةِ بسمَتها,,, وللقلب سكينته، وللنفس اطمئنانَها,,, حين تقفين، وتستقرين، وتنظرين، وتتحدثين,,, ولا تصمتين أبداً,,,، وأكون إليكِ في كلِّ اللحظات، وتكونين,,,، فألقي التحية للطريق وللشجر.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved