أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 8th October,2000العدد:10237الطبعةالاولـيالأحد 11 ,رجب 1421

مقـالات

بأي ذنب قتل ذلك الطفل البريء؟!!
د, أحمد بن محمد الضبيب
هل رأيتم الطفل البريء الصغير ذي العشر سنوات، محمد جمال الدرة، في مشهد إعدامه المتعمد؟!!
هل رأيتم عينيه المتفجرتين بالرعب,, وجسمه المنتفض بالفزع,, ودموعه المتساقطة على خديه؟ ويده الصغيرة الخائرة المرتعشة التي تحاول التشبث بثياب أبيه، وهما جميعا في العراء أمام أهداف القناصة اليهود؟
ثم هل رأيتم منظر الأب الحائر المفجوع في موقف هو أصعب موقف في الحياة يمر على أب؟ هل شاهدتم حيرته وارتباكه,, كيف يحاول أن يوزع نفسه,, جسمه وعواطفه بينه وبين فلذة كبده، أيكون درعا لابنه أم يتقاسم الرصاص معه؟ أم يبذل جهدا بالصراخ والمناشدة للوحوش والجلادين كي يبقوا على حياة الطفل البريء,, هل سمعتم صوته المبحوح، وشاهدتم حركته المرتجفة؟ وتابعتم يده التي تتلمس الطفل وتحاول ضمه؟
هل تخيل أحدكم نفسه في هذا الموقف وأدرك كم هو رهيب وعصيب؟!
ثم هل رأيتم كيف اكتمل المشهد الدرامي بالرصاص ينهال على الجسم الصغير ليسقط مضرجا بالدماء، ويأخذ الأب قسطه من الرصاصات ثم يغمى عليه.
هل رأيتم كيف انتصر الجندي الإسرائيلي المظفر على الطفل الأعزل وأبيه المفجوع؟, لابد أن هذا الجندي قد شعر بالفخر والعزة، ولابد أن دولة العدوان قد شعرت يومها بالفرحة والابتهاج، فأقيمت الأفراح لتحقيق هذا النصر المجيد، وربما كوفئ هذا الجندي المغوار الذي انتصر على الطفل الفلسطيني البريء الأعزل، وذبحه على مشهد من العالم أجمع!! فعل ذلك الجندي الإسرائيلي فعلته ليثبت للعالم حب إسرائيل للسلام، وتطبيقها الحرفي لمواد قانون حقوق الإنسان، والتزامها الشديد بكل العهود والمواثيق التي وضعتها المنظمات الدولية لحماية الأطفال في حالات الحرب والسلم!! نعم! أليست هي إسرائيل، حبيبة أمريكا التي تدافع عنها دائما، وتصفها في كل المناسبات بأنها واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط، وسليلة العالم الغربي المتحضر في المنطقة، وحاملة مبادئ الدستور الأمريكي في هذا الجزء من العالم, لتهنأ إذن أكبر دولة في العالم بهذا الإنجاز المتميز الذي قامت به إسرائيل، وعليها أن تمدها بمزيد من الأسلحة والذخائر كي تحقق إنجازات أخرى من هذا النوع الذي يليق بالعظمة الأمريكية.
وأنتم يا من شاهدتم هذا المنظر الرهيب الدامي ما رأيكم فيه؟ وكيف تصفونه؟ وبأي لغة تعبرون عنه؟ محزن؟,, مقرف؟,, مؤسف؟,, بشع؟,, مهين؟,, مريع؟,.
هل تكفي كلمات مثل هذه لتصف هذاالعمل؟ بل هل تكفي جميع كلمات الشجب والاستنكار التي تضمها معاجم اللغات في كل الدنيا لإدانة هذه العربدة الإسرائيلية البشعة؟
هل هانت علينا أنفسنا إلى هذا الحد؟
إذا كانت أحاسيسنا قد تبلدت، ورضيت بكلمات الشجب والاستنكار فعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالا آخر، هل نحن حقا بشر؟ بل أي نوع من المخلوقات نحن؟
إن الحيوانات عندما تذبح صغارها أمامها تثور وتنتقم، فهل أصبحنا أقل غيرة منها؟ قصص النوق المنتقمة من قاتلي صغارها تملأ أرجاء الجزيرة العربية,, بل حتى القطط تثور عند قتل صغارها أمامها فهل نحن أضعف من القطط؟!!
هل مازلنا نتشدق بأن ثمة كرامة عربية,, وهل ما زلنا ندعي بأننا أباة للضيم,,؟ وأننا من سلالة أولئك الشجعان الميامين؟
وإذا لم تنجدنا عروبتنا فأين إسلامنا؟ هل نحن فعلا مسلمون أم أننا لانملك من الإسلام إلا الاسم؟ كيف تستباح حرماتنا، وتدنس مقدساتنا، ويدوس ذلك المجرم الفاجر النجس أرض مسجدنا الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، مظهرا التحدي والهزء بالإسلام والمسلمين دون أن يتحرك أحد سوى أولئك العزل المجاهدين.
إذا لم يكن هنالك دعم عسكري لأولئك المجاهدين فأين الدعم السياسي الفاعل والمؤثر، إن ذلك هو أضعف الإيمان في هذا الوقت.
لقد سقطت بالممارسات الإسرائيلية الأخيرة جميع الدعاوي حول إمكانية التعايش مع العدو الإسرائيلي في هذه المنطقة، وسقطت دعوى ثقافة السلام التي روج لها دعاة التطبيع وعرابو الصلح مع العدو اليهودي, فهذه الثقافة المزعومة تقوم على مبدأ تحقيق الشروط الإسرائيلية بالدرجة الأولى، دون اعتبار للحقوق العربية أو المشاعر الإسلامية, إنها تطالب العرب فقط بالتزام ثقافة السلام لأنها مطلب إسرائيلي, فالمطلوب من الإنسان العربي أن يمتنع عن كراهية اليهود مهما عملوا من الأعمال الوحشية، أما اليهود فلا بأس أن يرضعوا أبناءهم كراهية العرب وأن يصوروهم لهم وحوشا يجب التخلص منها عاجلا أم آجلا, ولذلك فإن الجندي الإسرائيلي عندما يوجه رصاصه إلى صدر الطفل العربي فإن الكراهية المتأصلة فيه هي التي تحركه أكثر من الأوامر العسكرية، بل إن هذا الكيان الصهيوني يحاول أن يبين للعالم الغربي أن كراهيته للعرب مشروعة لأنه حمل وديع يعيش بين وحوش من العرب يمكن أن تلتهمه في أي وقت.
من أجل ثقافة السلام تطالبنا إسرائيل أن نتخلى عن فكرة الحرب نهائيا، وعن الاستعداد الحربي، وعن المقاومة، وعن الاحتجاج على غطرستها، وتريد من إخواننا في فلسطين أن يعيشوا خرافا جوعى مسالمة، تتفضل الدولة الغاصبة عليهم بالعيش في كنفها عبيدا وأجراء مسلوبي الحقوق، مطالبين بالواجبات، يسكنون في الخيام والعشش والصناديق بينما يعيش اليهود المغتصبون في الدارات والمستوطنات الفارهة, فإذا تجرأ فلسطيني وأقام له غرفة أوغرفتين من الإسمنت المسلح أطبقت عليه الجرافات الإسرائيلية كي تسوي به الأرض لأن عمله هذا يهدد الأمن الإسرائيلي.
ثقافة السلام الإسرائيلية تطالبنا أن نتخلى أيضا عن كثير من الآيات الكريمة في كتابنا العزيز، تلك الآيات التي تصف اليهود وسلوكهم البشع مع أنبيائهم, مثل هذه الآيات لا تخدم ثقافة السلام على حد تعبيرهم فيجب ألا تذاع أو تفسر في وسائل الإعلام المختلفة, ولعل كثيرا منا ما يزال يذكر احتجاجات اليهود على الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، عندما كان يفسر هذه الآيات الكريمة في وسائل الإعلام.
في ظل ثقافة السلام المزعومة من حق اليهود أن يكرهوا الآخرين ويحتقرونهم كما بينت ذلك كتبهم المحرفة وتخاريف حاخاماتهم المنحرفة، وعلى الآخرين أن يقروا لبني إسرائيل بأنهم شعب الله المختار.
عجبا لقدرة هؤلاء اليهود على توظيف أساطيرهم وإقناع الناس بها وجعلها أساسا للتعامل مع الآخرين، واختلاق الأكاذيب وترويجها وجعلها في مرتبة الحقائق الثابتة! بينما نخفق نحن في عرض الحقائق الناصعة، وإقناع الناس بالقضايا البديهية الواضحة!!.
ثقافة السلام تطالبنا أن نكذب على أطفالنا، وأن نحبب إسرئيل إليهم، وعندما يرى هؤلاء أترابهم من الأطفال يقتلون بيد الجنود اليهود ويسألوننا عن ذلك فعلينا أن نقول إن هؤلاء الجنود يداعبونكم بشراسة مقبولة؟
تريد منا ثقافة السلام اليهودية أن نضحك ببلاهة عندما نشاهد طفلا يقتل، أو جرافا يهدم منزلا فلسطينيا، أو آلية تقتلع ما تبقى من أشجار الزيتون.
ثقافة السلام التي تروج لها إسرائيل ويتحمس لها أذنابها والمغفلون من الكتاب والإعلاميين العرب، تريدنا أن نرضخ للأمر الواقع، بل تريد منا أبعد من ذلك, إنها تريد منا أن نبارك جهود إسرائيل في الإنماء، وأن نشارك في بناء مجدها والإسهام في ازدهارها عن طريق الشراكة التجارية، وفتح أسواقنا لها وتسهيل دخول بضائعها ومنتجاتها وعمالتها البشرية إلى دولنا.
ثقافة السلام الإسرائيلية تريدنا أن نتخلى عن جميع شعاراتنا الوطنية، وأن نصفها بالتخلف ونصف من يتمسك بها بالغباء والجهل وعدم العيش في العصر الحاضر, ولقد قرأت لبعض الكتاب استهزاء بشعارات الكفاح التي طالما رددها العرب، معتقدين أن هذه الشعارات هي التي أدت بهم إلى النكسات, ونسوا أن أي أمة ناهضة لا تعيش بلا أهداف تجسدها شعاراتها المتغلغلة في نفوس أبنائها، وأن العيب ليس في الشعارات بقدر ما هو متمثل في تفعيل هذه الشعارات على أسس سليمة, يريدوننا أن نستبدل بهذه الشعارات وعودا تافهة غائمة عائمة تطلقها لنا دولة العدو فندور حولها، ونجري وراءها لتحقيقها ثم بعد اللف والدوران، والرقص على الحبال، وإجراء جميع ألعاب التخفي والمناورة بدءا بلعبة الاختفاء وانتهاء بلعبة القط والفأر، نحصل على نتائج تافهة ضئيلة لا تبل الظمأ ولا تغني من جوع.
والغريب أن هؤلاء الذين يهزؤون بشعاراتنا من العرب لا ينتقدون إسرائيل على تبني الشعارات التي تخدم مصلحتها ومن أهمها ذلك الشعار العتيد الذي تزين به مبنى الكنيست الإسرائيلي: من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل هذا الشعار الذي التزمت به وبدأت في تحقيقه، ليس هذا فحسب بل رمزت إليه بوضوح على علمها الرسمي.
ثقافة السلام التي تريدها إسرائيل تدعونا إلى التخلي عن كل ما يمكن أن يثير الحساسية لدى اليهود وإن اقتضى ذلك أن ننسلخ من انتماءاتنا الدينية والعربية والتاريخية وحتى الجغرافية, وفيما يخص الجانب الجغرافي كنا نعرف أنفسنا ويعرفنا العالم أيضا بالعالم العربي، واذا أطلق لفظ العرب انصرف ذلك إلى أمة واحدة تمتد في قارتي آسيا وأفريقيا، وكانت قضيتنا تدعى قضية فلسطين وصراعنا مع اليهود يدعى الصراع العربي الصهيوني , وكانت إسرائيل جسما غريبا في هذه المنطقة المسكونة بالعرب، وفي غفلة منا أطلق اليهود مصطلح الشرق الأوسط ، وتلقفته وسائل الإعلام الغربية وصدرته إلينا وابتلعنا الطعم، وأصبحت دولنا دول منطقة الشرق الأوسط ، وإسرائيل الغريبة إحدى دول هذه المنطقة، أصبحت جزءا من نسيج المنطقة بعد أن كانت دخيلة فيها, وأصبحت قضية فلسطين العربية قضية الشرق الأوسط ، واختصرت بعد إنشاء السلطة الفلسطينية إلى الصراع بين إسرائيل وأفراد من الفلسطينيين ، ثم اختصرت المفاوضات من جلاء عن أرض محتلة بالقوة لا يقر الوجود الإسرائيلي فيها القانون الدولي ولا قرارات الشرعية الدولية ولا اتفاقية جنيف الرابعة، إلى مفاوضات لإعادة الانتشار للقوات الإسرائيلية على الأرض، وكأن اسرائيل تتكرم بإخلاء بعض أراضيها للفلسطينيين وتمن عليهم أن أعطتهم بعض الكيلومترات من أرضهم التي اغتصبتها منهم وليس لها فيها أدنى حق!!.
ثقافة السلام تطالبنا أن نتنكر لأبطالنا التاريخيين، ولست أنسى مرة ذلك اليهودي الوقح الذي كتب يطالب بأن تمحى سيرة صلاح الدين الأيوبي من كتب الطلاب العرب، لأن دراسة هذه السيرة تؤجج في نفوس الطلاب الحمية والغيرة وتذكرهم بالأمجاد القديمة, تريدنا إسرائيل إذن أن نرجم قبر صلاح الدين بالحجارة من أجل أن نكون دعاة صالحين للسلام، ومن يدري فلعلها أيضا تريدنا أن نمجد بيغن وشامير وجولدا مئير واديان، وبقية أبطال إسرائيل الفاتحين المعاصرين ومن سبقهم من الهالكين كهرتزل وأضرابه.
من أجل ثقافة السلام اختفت كثير من أغانينا الحماسية وأناشيدنا الوطنية التي تمجد الجهاد وتحض على الأخذ بالثأر من الغاصبين، لقد كانت أغنية محمد عبدالوهاب:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
كانت هذه الأغنية الجميلة تقض مضاجع اليهود وتلسع جلودهم، فإذا بنا في السنوات الأخيرة نراها تختفي من الإذاعات العربية تحقيقا لثقافة السلام.
ستقولون ماذا نفعل,, أتريدنا أن نحارب؟ وكيف نحارب؟ إننا غير قادرين على الحرب,, كلمتنا مفرقة، وقلوبنا شتى، ومصالحنا مختلفة، والأوضاع الدولية لم تعد تساعد أو تسمح، وقد ارتضينا السلام خيارا استراتيجيا وما زلنا نجرب هذا الخيار.
وأقول لكم: إنني أقدر مواقف القياديين العرب فهم في موقف لا يحسدون عليه، ولكن السلام لا يأتي بالمفاوضات وحسب، وإنما لا بد له من الضغوط التي توجهه ليكون عادلا, وأسألكم هل ما زلنا بعد ما حدث من مراوغات ومجازر وانتهاكات للمقدسات والمحارم وقتل للأطفال والأبرياء في حاجة إلى أن نوفر لإسرائيل الأجواء التي كانت تحلم بها قبل المفاوضات؟, هل ما زلنا بعدما حدث في الأيام الماضية في حاجة إلى الصبر وتكلف الحكمة؟ ألا يمكن أن نجرب ولو لمرة واحدة، فضيلة الجرأة، والخروج عن النمط السائد في تعاملنا مع هذه القضية؟, قد لا نستطيع الحرب ولكن هناك بدائل للضغط بات من المناسب استعمالها في هذا الوقت، ولا أشك أن العالم سوف يساعدنا ويؤيدنا فيها, إنها مواقف لا تكلفنا شيئا، وقد تكلفنا بعض التضحيات ولا بأس بذلك، ولكنها ترفع من معنوياتنا وتجعل عدونا يعيد حساباته معنا, إليكم بعض الأمثلة ولاشك أن لديكم الكثير مما يمكن عمله غيرها:
أوقفوا جميع أنواع التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وأغلقوا السفارات والمكاتب التجارية في العواصم العربية والإسلامية, لقد كافأتم إسرائيل بالتطبيع معها ظنا منكم أنها دولة محبة للسلام فها قد اكتشفتموها على حقيقتها فهل عاد هنالك ضرورة للتطبيع؟
أعيدوا المقاطعة العربية بكل درجاتها مع كل الشركات والمؤسسات التجارية المتعاملة مع إسرائيل, لقد كافأتم إسرائيل حين ظننتم أنها تريد السلام فقد تبين لكم الآن أنها لا تريده فما الداعي إلى رفع المقاطعة؟ اجعلوا هذه الشركات تضغط على إسرائيل وعلى حكوماتها للسير في طريق السلام العادل المبني على التسليم بجميع الحقوق العربية وعلى رأسها القدس.
أوقفوا المفاوضات مع اليهود فورا ولا تعودوا إليها إلا بضمانات واضحة وتسليم مسبق بما لكم من حقوق.
أعيدوا النظر في كل الإجراءات التي أردتم بها تهيئة الأجواء للسلام، وقاوموا دعوة إسرائيل إلى إشاعة ثقافتها للسلام,نريد قرارات فورية حاسمة فاعلة، من رجال يتحملون المسؤولية أمام الله، ثم أمام شعوبهم التي تنكفئ على الحزن وتغلي بالغضب.
عضو مجلس الشورى

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved