أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 11th October,2000العدد:10240الطبعةالاولـيالاربعاء 14 ,رجب 1421

عزيزتـي الجزيرة

هذا النوع من البشر
عزيزتي الجزيرة
من أفدح الأخطاء عند بعض الناس استسلامهم وركونهم للخمول والكسل من دون عذر، متخذين الأناة الزائدة والتمهل الطويل ستراً وغطاءً يحجبون به عجزهم وضعفهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين.
لذا نرى هذه الفئة كثيرة الأماني عريضة الآمال التي لا يتحقق منها شيء.
وتجدها ذات مشاريع مستقبلية هائلة دون أن يكون لها من واقعها وحاضرها أي أساس أو سند تقوم عليه، مجرد أحلام في الهواء,, تتسلى بها نفوسهم وتوحي لغيرهم بأنهم أصحاب تفكير وقدرة، وأنهم سوف يعملون وسوف ينجزون وسوف ينتجون، وسوف يكون لهم في المستقبل القريب الشأن الكبير والصيت العريض.
وكل هذا مجرد خداع للنفس ليس إلا، وكلام لا يسمن ولا يغني من جوع,, ولا يمكن أن يتحقق شيء من كلامهم هذا وهم مستسلمون للراحة الدائمة والبطالة الملومة التي لا عذر فيها غير الخور وموت الارادة.
أما الإنسان الحق,, الصادق مع نفسه، الذي يرغب ويريد عمل شيء ما, فإنه لا يؤجله,, ولا يكثر التسويف في الابتداء به، بل يباشر ما يريد عمله مستعداً له بما يلزمه من مهارة ودربة ومن قدرة وجهد مستعيناً بالله على قضائه وإنجازه، متخذاً الإصرار ديدنه والعزيمة سلّمه والتوكل على الله طريقه، مستعداً لكل ما يتطلبه تحقيق أمله من اخلاص ومثابرة ودأب لا يعرف الكلل أو الملل.
قال الله سبحانه في كتابه الكريم فإذا عزمت فتوكل على الله الآية (1) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل .
وللحكماء والمفكرين والشعراء الكثير من التوجيهات والارشادات التي تحث على المبادرة بالعمل وترك التردد, وتنصح بتجنب الغوص في بحر الأفكار إلى ما لا نهاية,.
فجودة الفكرة الصالحة قابلية تطبيقها عملياً وقبولها المباشرة.
أما كثرة الأفكار على غير طائل، فكرة تطرد فكرة، وأخرى تعترض أخرى، وهكذا,, فهذه بلبلة غير مجدية، ولا تعبر عن ثراء فكري، وهذا ما يضيع الوقت والتركيز والتوجه المفيد، ومثل من لا يعمل، مثله من يعمل ولا يستمر في عمله ولا يكمل ما بدأه، فتجده كل حين في عمل، فهو لم ينجح هناك ولم يفلح هنا، تمر به الأيام والأعوام وهو لم يجن طائلا ولم يحصل على شيء غير النصب والتعب والجهد المهدور.
وكان المفروض الصبر والحرص على العمل الممكن المتاح والذي يرى صاحبه انه مهيأ له وقادر عليه، ومن ثم الارتقاء به ومعه إلى آفاق أرحب ومجالات أوسع، وأجمل بالتطوير والتفكير المبدع الخلاق! الذي يضيف إلى العمل الجدة الدائمة والروعة والرغبة والانتاج المفيد, هذا التفكير البناء السليم الذي يقرن الحب بالحاجة، والألفة بالاستمرار، ومزج المهنة بالفن.
مهما كانت هذه المهنة، طالما أنها شريفة ونظيفة ويساهم المرء من خلالها في سد حاجة مجتمعه ووطنه بهذه المهنة أو هذا التخصص.
ومن ثم سد حاجته عن طلب الغير واستجداء عطفهم وسؤال كرمهم ومنتهم، أعطوه أو منعوه، فهو من دون عمل رهين الحاجة لهم، وهذا ما لا يليق بالإنسان الصحيح السوي الذي يجب أن يسعى مع غيره في طلب المعيشة والرزق الحلال.
هذا وليسمح لي القارئ العزيز في عرض بعض الكلام الجيد الذي أتحفنا به بعض مفكرينا وشعرائنا الحكماء في هذا الجانب من مجالات الحياة الواسعة المتعددة مؤثراً الاختصار والاقتصار على القليل الذي أراه نافعاً في هذا المجال.
كقول عمرو بن يحيى:


الحزم قبل العزم فاحزم وأعزم
وإذا استبان لك الصواب فصمّم (2)

وقول صالح عبدالقدوس:


وما لحق الحاجات مثل مثابر
ولا عاق منها النجح مثل تواني (3)

وقال غيره:


إذا كنت ذا رأي فكن فيه مُقدماً
فإن فساد الرأي أن تترددا

ولابن الرومي وقفة طويلة في هذا الموضوع، وقد أشبعه شرحاً وتحليلاً وتمثيلاً نأخذ منه القليل، من ذلك قوله:


ألم تر أن الجد مذ كان سيد
وان الونى في كل عارفه عبد (4)

وقوله:


إذا ما قصدت الأمر أول قصده
ولم تتلها أخرى فما حصحص القصد
ولا عمد لم يحفزه عمد مؤكد
من المرء إلا أشبه الخطأ العمد

وهو يجزم بهذا ويستدل على صحة رأيه بالأمثال التي يضربها ويدلل بها في هذه الأبيات بقوله:


وعندي أمثال لذاك كثيرة
سيحدو بها في البر والبحر من يحدو
إذا ما عقدت العقد ثم تركته
ولم يثنه عقد، وهى ذلك العقدُ
وما النهل دون العل شافي غلة
وان ساعد الماء العذوبة والبردُ
ولا البرق دون الرعد ضامن مطره
ولكن إذا ما البرق عاضده الرعد

ويستمر في ضرب الأمثال في التأكيد على ضرورة المثابرة وإعادة المحاولة وبذل الجهد والبعد عن التسويف حتى يتحقق الطلب ويصح العمل، حيث قال:


ولا كل محتاج إلى ما ينشده
يسفسف إلا والوهاء له وكد

وهو يقصد المحتاج الذي يؤجل انجاز حاجته، ويكسل عن اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيقها، انه لا يحصل على شيء ولم يكن حاكماً أمره، ويكون الضعف والبلى مصيره، فهل استفاد من أراد العمل وفكر في الانتاج من ارشادات وتوجيهات من يملكون الخبرة والتجربة، الذين لم يبخلوا بفكرهم وابداء مشورتهم، بل قدموا الرأي السديد والفكر الرشيد، الذين قدموا واعطوا خلاصة عقولهم، ونتاج حياتهم وتجاربهم بكل حب وحرص منهم على الافادة.
انهم علماؤنا وحكماؤنا ومفكرونا شموع تاريخنا المضيء المنير بالحكمة والعقل والبصيرة النافذة إلى عمق الأمور.
وهل وعينا وفهمنا ديننا الحنيف وتوجيهاته السامية الراقية الحاثة والباعثة على العمل الصالح والقصد النبيل ان لنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته الطيبين الطاهرين القدوة الحسنة والمثل الرائع في العمل والبناء والاجتهاد.
فهل نمقت الجهل ونحتزم بالعلم ونتغلب على العجز، ونبعد الكسل، ونسير في ركاب العاملين الناجحين؟ هل نبدأ؟ إن الطريق الطويل تقطعه الخطوة الأولى اذا دفعها الحزم والعزم والاصرار لقطعه.
آمل,, أننا فاعلون وبالله التوفيق.
محمد بن ابراهيم بن هزاع الهزاع
************
* الهوامش:
1 آية 159 سورة آل عمران.
2 موسوعة روائع الحكمة، الطبعة الثانية دار العلم للملايين 1999م.
3 المنتحل للثعالبي مكتبة الثقافة الدينية.
4 ديوان ابن الرومي ص 178 منشورات دار مكتبة الهلال الطبعة الثانية المجلد الثاني.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved