أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 21st October,2000العدد:10250الطبعةالاولـيالسبت 24 ,رجب 1421

مقـالات

الخلل الإداري أم احتكار الصلاحيات وراء أزمة جيزان؟
محمد بن ناصر الأسمري
من فضل الله على بلادنا أن المرض الوبائي الذي اجتاح أرض جازان المخلاف السليماني من الحالات الطارئة ونسأل الله ألا يصل حد الكارثة, ويُحمد لطبيب وزارة الصحة الجيزاني سرعة تشخيص المرض في نفس مدينة جيزان؛ ثم تحرك الوزارة للإنقاذ والإسعاف الذي لم يكن في نفس السرعة رغم وجود وزير الصحة في المنطقة وقيادته إدارة التعامل مع الموقف صحيا وإعلاميا رغم الانفعالية على الاعلام, ورغم اعتراف وزيري الزراعة والبلديات بالقصور في خدمات الوزارتين فإن مما يُحمد لوزير الزراعة والمياه بقاءه في ميدان الأزمة مديراً فاعلاً ومتفاعلاً مع وسائل الإعلام بعقلية أكثر وعياً وحضارية في التعامل مع شأن وطني كان هم الوطن وأرقه في كل الاتجاهات, والوباء ليس سهلاً التحكم فيه لأن البيئة قد تراكم فيها كثير من مصادر التلوث بسبب الإهمال وتردي الخدمات وغياب كثير منها, وأصبح نمو الحشرات وتوالد البعوض شيئاً متعايشاً معه على الكره من قبل الناس، حتى أن الملاريا لم تعد تقبل المقاومة، فقد كان إجمالي الإصابات للعامين الماضيين أكثر من 25 ألف مصاب!! وإذا صحت المعلومات التي وصلت من جيزان فإن نسبة الإصابة قد تجاوزت 50% لدى الأطفال, وقد يتبادر للذهن حسب المفترض أن صحة البيئة ليست من مسؤولية وزارة الصحة، وهذا غير صحيح فإن وزارة الصحة هي المسؤولة في جيزان عن مكافحة الملاريا والحميات منذ اكثر من عقدين من الزمان حيث كان هنالك برنامج لمكافحة الملاريا والوبائيات كانت الميزانية له بمئات الملايين من الريالات, ولن أتطرق للمال فما يهمني هو الكوادر البشرية التي كانت مخصصة لأداء أعمال البرنامج فقد كان هنالك 4 خبراء صحة عامة والآن لا يوجد أحد وكان هنالك 12 طبيباً والآن، لا يوجد سوى 3 فقط وكان يوجد 12 مهندساً والآن 5 فقط وكان عدد المراقبين الصحيين 100 والعدد اليوم 58 فقط وكان هنالك 120 سائقاً وحالياً 46 وكان يوجد 1000 عامل موسمي واليوم 518 عاملاً ولا يوجد من السيارات سوى 55 سيارة بدلاً من 110 مع حساب تقادم العمر التشغيلي, وهنا فإن أي تبرير لتخلي وزارة الصحة عن مسؤولية المرض الكارثة لا وجاهة له فقد كانت هي المسؤولة الأولى وللمنطقة برنامج له خبراء وميزانية تناقصت ولا نعلم إن كان ذلك عائداً لنجاح البرنامج في القضاء على الملاريا والحميات أم أن في الأمر توفيراً على حساب المرض وصحة الناس في السواحل والجبال المكونة للمنطقة المنكوبة, ولا يُعلم أن كان قد تم إلغاء المشروع وتم بإجراء إداري تشريعي نقل المسؤوليات من وزارة الصحة إلى غيرها من إدارات الدولة في البلديات أو الزراعة للوقاية والمكافحة والتحصين لغير الإنسان وخطورة الخلل الاداري لا تقل خطورة عن المرض, ولا ينفع أي علاج سوى البتر.
وهنا لا بد من بروز التساؤل المباشر عن دور إدارة الحكم المحلي في المنطقة ومجلس المنطقة الذي يضم الإدارات الحكومية وممثلين عن الأهالي حيث ارتباط الحكم المحلي بالأمير, ويبرز التساؤل عن الصمت الذي ساد حتى بدأ الخلل ثم الحالة الطارئة وربما الكارثة, فالبلديات ترى المستنقعات وتعرف مع الإمارة ومجلس المنطقة طبيعة الأرض في جازان انها جبلية تنهمر منها السيول إلى الخبوت حيث تتكون البحيرات والبرك وأكوام النفايات على جوانب الطرق والشوارع وفي الأودية تزيد خصوبة المنبت للجراثيم.
الزراعة لم تكترث حتى بالإنذار المكتوب إليها من صيدلي من مدينة جيزان رغم اعتراف وزيرها بتسلمه الرسالة وتحادثه مع أمير منطقة جيزان وقد كان من المفترض على الأقل أن تمارس الحجر على ما يصل من مناطق الحدود البرية والبحرية إلى أسواق المدن الحدودية في العارضة والداير والخوبة والموسم والطوال من الحيوانات وكذلك ما وصل من أفريقيا موطن الوباء طالما أن 70% من واردات المملكة تصل عن طريق ميناء جيزان.
هنا فلعل التصدع في الأداء الإداري هو العلامة البارزة التي تبرز للعيان, وهنا مهما يكن من شرح أو مطالب واجتهادات من الكتاب وأهالي جيزان فإن وقوف رجل الدولة وقرار الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ميدانياً على حالة أهله وعشيرته لهو البلسم الشافي من الأمراض العضوية والنفسية التي سببها المرض والصحة ومن يمن الطالع أن أمر ولي العهد رجل الأمن ليكون مسؤولاً مباشرة عن التقرير عن الحالة الصحية الطارئة والمستديمة للأرض والإنسان في الجنوب وهنا فالاطمئنان النفسي كبير والثقة في موقعها ولذا فإن الاجتهاد في رصد بعض الاحتياجات متاح ومباح واعتدنا التصريح به دائماً مع الرجال الأوفياء وخدام الشعب.
الوضع الإداري المتصدع والخلل في جيزان ليس إلا حالة مثال لما يجري في الشأن الإداري وهنا من المثال نرى أمثلة للخلل في الأداء المتصدع:
الصلاحيات والمهام:
حسب التنظيم الإداري المتعارف عليه وحسب نظام المقاطعات فإن فروع الوزارات يجب أن يكون لمديريها صلاحيات وكلاء الوزارة في الشراء المباشر في الأوقات الاعتيادية وربما يتبدل الحال مع الحالات الطارئة ولكن العجب كل العجب ألا يكون لمدير الشؤون الصحية صلاحية تأمين جهاز تحليل الدم الذي ظل عاطلاً حتى تحدثت عنه الصحافة ومنذ متى الله أعلم ، فهل وزير الصحة لم يعط الصلاحيات لمديري الشؤون الصحية؟! ولا أعلم حقيقة معنى ما تردد من مدير الشؤون الصحية إننا قد رفعنا للوزارة!! هل الشأن الصحي ينتظر الإجراءات البيروقراطية؟؟ هل من العقول ألا يكون لمدير الشؤون الصحية صلاحية الشراء المباشر بمئة ألف ريال هل الصلاحيات حكراً على جهاز الوزارة!! إلا يملك مدير الشؤون الصحية صلاحية شراء عشرة أو عشرين مكيفاً!! أكاد أشك في هذا، فإن كان لا صلاحيات له فهذه كارثة إدارية ويكون الخلل في جهاز الوزارة المركزي, أما إن كان لديه الصلاحيات ولم يمارسها ففي الأمر متسع من التساؤل عن الكفاءة الإدارية, وأي من الحالين وجد فهذا نمط إداري من شأنه إحداث التصدع والخلل والمرض.
ثم هل وزيرا البلديات والزراعة لم يمنحا صلاحيات لمديري فروع وزاراتهم حتى لاستئجار معدات؟ هل البلديات لا تستطيع توظيف عمال لرش المبيدات إلا إذا حضر الوزير؟ طبعاً في ظل إدارة الأزمات تأتي المعالجات الوقتية والمسكنات, لقد شاهدنا في التفزيون عشرات السيارات الجديدة التي وقف أمامها وزير الزراعة فهل كان شراؤها من أجل إدارة الأزمة وهل لا بد من وجود الوزير لتمام الإجراء الروتيني مناقصة وفتح مظاريف!!
ان المرض الإداري أشد من المرض العضوي وعلاج التصدع الإداري هو الأهم الآن حتى يلتئم الصدع في النفوس أما أن يُطلب من الناس عدم النوم في العراء وشراء الناموسيات فهذا مثل من دعت الناس إلى أكل الجاتوه حينما قيل انهم بحاجة إلى طعام فأين مشروعات الإسكان في جازان أو التيسير في قروضه بما يناسب المنطقة؟
ان جيزان وكل الساحل التهامي على امتداد البحر الأحمر قد وجد المناخ المتاح في وقوف ولي العهد على جزء من أرض الواقع والمعاناة وإناطته الأمانة بالأمير نايف فيه ما يشفي ولكن النظر إلى الشأن الاداري في جيزان هو من أهم الأولويات ولا ضير في إبعاد من لم يكن جديرا بالمسؤولية وليس بالضرورة بقاء المديرين عقدين من الزمان فالوطن معطاء والدماء تتجدد باستمرار من أجل الحياة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved