أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 29th October,2000العدد:10258الطبعةالاولـيالأحد 2 ,شعبان 1421

وَرّاق الجزيرة

على هامش ندوة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية التي نظمتها دارة الملك عبدالعزيز
بادئ ذي بدء أحب أن أشكر القائمين على دارة الملك عبدالعزيز بما يعقدونه بين آونة وأخرى من لقاءات وندوات لها علاقة بتاريخ وتراث هذه البلاد.
وآخر هذه اللقاءات هي هذه الندوة التي اشترك في تقديم البحوث فيها نخبة ممتازة من الأكاديميين والباحثين من داخل وخارج المملكة.
ونظراً لظروف خاصة بي لم أحضر من جلسات هذه الندوة سوى الجلسة الرابعة المنعقدة في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة من ليلة الاثنين 26/7/1421ه.
وكان يدير هذه الجلسة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري حيث قدم لنا أربعة من المشاركين الذين استمتع الحاضرون بما قدموه من بحوث في هذا الشأن, وكانت بحوثاً قيمة ألقت الضوء على التعرف على بعض الرحالة ودوافعهم التي جاءوا من أجلها، وإلقاء الضوء على القيمة العلمية لما كتبوه ودونوه بوصف ذلك مصدراً من مصادر تاريخ جزيرتنا العربية.
ومن الأمور التي ركز عليها الباحثون أو من كان لهم مداخلات هو تقييم ما كتبه هؤلاء الرحالة الأجانب وتصحيح ماوقع منهم من أخطاء أو مغالطات.
ولعل هذا الهدف من أهداف الندوة له أهميته الخاصة بما سأعرض له في هذا المقال.
في قراءتي للعديد من كتب الرحلات التي دوّنها الرحالة والمستكشفون لشبه الجزيرة العربية كنت أركز على ما قالوه عن الركامات الحجرية التي صادفوها أثناء سيرهم والمتمثلة بالصُّوى والمذيلات والدوائر المنتشرة في طول البلاد وعرضها فألفيت أن ما قاله الرحالة عن هذه الظواهر وكذا الأغراض التي أوجدت من أجلها غير صائب؛ لأن ما قالوه عنها مبني على الحدس والتخمين دون الاستناد إلى حقائق علمية مقنعة, ومما أسفت له أن يسلم البعض بما قاله هؤلاء الرحالة عن هذه الظواهر واتخاذه منهجاً في بحوثهم وآرائهم عندما يتكلمون عن المذيلات والدوائر والركامات الحجرية.
وهذا ما دعاني لأن أناقش آراء هؤلاء الرحالة ومن تأثر بهم في كتابي أعلام الطرق القديمة، بين خيال الباحثين والواقع .
فبعد أن فرغت من حصر أقوال علماء البلدان وعلماء اللغة ، وكذا ما ورد في الشعر العربي عن الصُّوى وأعلام الطرق القديمة على اختلاف أنماطها أفردت عنواناً للكلام عن أقوال علماء الآثار والرحالة الأجانب عن هذه الشواهد الآثارية من صفحة 37 إلى صفحة 61 وقد استهللت كلامي عن الأخطاء التي وقعوا فيها بما يلي:
(لا يشك أي منصف بما أسداه علماء الآثار والرحالة من إضافات قيمة أنارت الطريق أمام الباحثين في تاريخ وآثار جزيرة العرب من ذلك ما سجلوه في رحلاتهم التي جابوا فيها الفيافي والقفار متوقفين عند كل أثر وعند كل نقش على واجهة حجر؛ في وقت كانت هذه الأمور لا تعني شيئاً بالنسبة لسكان البلاد؛ الأمر الذي جعل ما ورد في رحلات هؤلاء الرواد نبراساً يستضيء به ناشدو المعرفة والمتخصصون في وقتنا الحاضر.
وهذا لا يعني أن جميع استنتاجاتهم حول مدلولات ما شاهدوه صحيحة؛ فهم يعترفون بوقوفهم حيارى امام بعض المشاهدات الآثارية المنتشرة في طول البلاد وعرضها وخاصة تلك الدوائر والصُّوى والمذيلات الحجرية التي وقفوا أمامها مبهورين، منهم من أرجعها إلى عصور متقدمة ومنهم من قال: إنها مدافن ومقابر موغلة في القدم، إلى غير ذلك من الأقوال التي منشؤها الحدس والتخمين وسُدَاها عدم الإلمام الكامل بعادات وديانات من تعاقبوا على سكنى هذه الأرض,,) انتهى.
وهذا الأمر من الأخطاء التي وقع فيها الرحالة ثم انطلت على متخصصي الآثار عندنا حيث اتخذوا من هذه الأخطاء أساسا بنى عليها البعض بحوثهم ورسائلهم، وما دوّنوه من كتب.
ورغم ما كتبته حول هذا الموضوع من مقالات أو ضمن ما صدر لي من كتب أو ما قلته في محاضرات أو ندوات تكلمت فيها عن أعلام الطرق على اختلاف أشكالها وأنماطها؛ إلا أنه يبدو لي أن التحول من الأخذ بمقولة هؤلاء الرحالة الأجانب من الصعوبة بمكان.
وتعلق البعض عندنا بهذه المقولة المغلوطة وما أوضحته من تصويب لها جعلني أميل إلى تصديق المثل القائل: مغني الحي لا يطرب .
ولو أن هذه النظرية المغلوطة صححها باحث أجنبي لقوبل بالترحاب لا بالإعراض والاعتراض المبني على أساس بعيد عن المنهج العلمي السليم, ومما أسفت له كثيراً أن هذا الاعتراض صدر من متخصصين أكاديميين في مجال الآثار مثل الدكتور عبدالعزيز بن سعود الغزي والدكتور عبدالله بن محمد الشارخ من جامعة الملك سعود بالرياض، وغيرهم وهذه الاعتراضات وأمثالها هي التي أصَّلَت هذه الأخطاء التي وقع فيها الرحالة حول المنشآت الحجرية؛ الأمر الذي أربك الباحثين أمثال الأستاذ تركي بن ابراهيم القهيدان مدير وحدة الآثار والمتاحف بتعليم القصيم, وهو باحث آثاري نشيط سبق أن كتب بعض مقالات حول الدوائر الحجرية التي عقبت عليها في حينه,, ولعل آخر ما كتب عن هذه الدوائر في منطقة القصيم هذا المقال المنشور في جريدة الجزيرة العدد (10251) الصادر يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر رجب عام 1421ه.
لا أريد أن أطيل الكلام بالتعريف بالدوائر الحجرية فقد تكلمت عنها سابقاً بما فيه الكفاية؛ غير أني أشكر للاستاذ القهيدان متابعته لما سبق أن كتبته عن هذا الموضوع سواء في الجرائد اليومية أو ضمن كتبي التي صدرت، كما أشكره على استجابته لما سبق أن طلبته منه في مقال سابق وهو معرفة حقيقة البرج المقام على حافة الصفراء الواقعة شرق الشماسية, وقد توصل بمتابعته إلى ما سبق أن توقعت من أن هذا البرج قد يكون مستحدثا أو مرمماً، لأنه لا تظهر عليه بصمات من بنوا أعلام الطرق.
وبما توصل إليه يتضح انه مبني من حجارة الدائرة القديمة المجاورة له، وهذا بلا شك اجتهاد شخصي ممن بنوه, وما كل مجتهد بمصيب.
وليتهم أبقوا على دائرتنا القديمة التي لم يبق منها إلا بعض حجارتها الثابتة ويقيني أنهم عندما نقلوا الحجارة من هذه الدائرة لم يجدوا تحتها أي أثر لعظام الموتى كما ظن الرحالة من أنها عبارة عن مدافن للموتى!!!
كما أشكر له اهتمامه ومتابعته مع الجهات المختصة حول الإبقاء والمحافظة على الدائرة القديمة ذات الأذيال العجيبة الواقعة شمال غرب هذا البرج غير بعيد منه نظراً لوقوعها بجوار كسَّارة التهمت ما صغر وكبر من الحجارة التي بقرب هذه الدائرة.
وإن كان لي من وقفة حول ما كتبه الأستاذ القهيدان فهي عند رأيه الذي اختتم به بحثه تحت عنوان رأي الباحث حيث قال:
(الباحث لا يستبعد رأي الأخ الشايع أعلام طرق قوافل خاصة أنها تمتد منتظمة بخط شبه مستقيم، كما أنه لا يستبعد الاحتمالات الأخرى لوجود تلك الدوائر الحجرية: مساكن، أمور لها علاقة بالسحر والشعوذة، أمور تعبدية، مواقع حربية، مدافن جاهلية قبور ، مصائد للوحوش، حدود بين دول أو قبائل,) انتهى.
التعليق:
لا ألوم الأخ القهيدان عندما يحتار في أمر هذه الدوائر الحجرية؛ فقد احتار من قبله الرحالة الأجانب ثم جاء من بعدهم خبراء الآثار عندنا يستنبطون من هذه الحيرة ما يشبه الجزم بأنها مساكن ومدافن تعود لعصور حجرية أو زمن ما قبل التاريخ, وقد كُتِبَت حول هذه المقولة التقارير والمقالات المطولة.
ولعلّي هنا أكرر القول بأن هذه الظواهر الأثرية من مذيلات ودوائر وركامات حجرية ليست من الأمور التي ظنوها وإنما هي علامات وضعت على جواد طرق القوافل القديمة.
وأحب أن أنبه إلى انه يجب عدم الخلط بين هذه الأعلام بدوائرها ومذيلاتها وبين ركام المنازل والآثار القديمة فهذه الأخيرة لها طابعها الخاص ويمكن التعرف عليها بسهولة، ومتى أزيل عنها التراب المتراكم على مرّ السنين ظهرت أساسات المساكن وغيرها، وهذه أمور من اختصاص علماء الآثار, أما تلك التي تتكلم عنها فأمرها بالنسبة لي واضح كل الوضوح.
وفي الوقت الذي أنهيت فيه مسارات بعض الطرق على ضوء هذه الأعلام أجد من يصر على أنها قد تكون مساكن أو مدافن، أو لأغراض أخرى بعيدة الاحتمال.
وأقول بدون مواربة : إن استمرار هذا الإعراض والاعتراض على ما قلته حول تلك الشواهد الآثارية، ومُضِيّ الوقت دون الوصول إلى الحقيقة سيأتي وقت تضحك فيه علينا الأجيال القادمة من الأخذ بقول الرحالة وتخرصاتهم بتحويلهم أعلام الطرق إلى أمور لا تمت إلى الواقع بصلة وبالتالي طمس ما لأسلافنا من جهود في عمارة الطرق وبناء المنار على جوادها؛ الأمر الذي يحقق مقولة بعض المستشرقين عن هؤلاء الأسلاف، ومن ذلك ما قال آدم متز في كتابه الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري أوعصر النهضة الإسلامية صفحة 2/404 حيث قال عن العرب :(لم يعمل العرب أيام سيادتهم على تقدم نظام الطرق البرية في بلاد المشرق لأن العرب أمة ركوب لا تميل إلى تمهيد طرق الجيوش,,,.
إلى أن قال: ولعل طرق ذلك العهد شأنها شأن طرق اليوم لم تكن إلا شبكة من المسالك المطروقة لا يربطها نظام،ولا نسمع عن عناية العرب بتعهد الطرق,,) انتهى.
أقول: لو أن آدم متز ومن كان على منواله في الحط من قدر العرب والمسلمين وجحد ما قاموا به من أعمال تدل على حضارة متقدمة في إنشاء الطرق ووضع الأعلام والمنار على جوادِّها ليهتدي المسافرون على ضوئها إلى موارد المياه والوجهة التي يقصدونها ووقفوا على ما وقفت عليه أثناء تتبعي لمسارات هذه الطرق لما قالوا ما قالوه.
ولعلّي أتساءل وأقول: إلى متى يستمر تضارب الآراء حول هذه الركامات الحجرية المنتشرة بكثافة على أراضي المملكة العربية السعودية؟ فالرحالة ومن سار على منوالهم يقولون: إنها مساكن ومدافن موغلة في القدم, وعبدالله الشايع يقول: إنها أعلام طرق القوافل القديمة ولا شيء غير هذا!!
كنت أنادي منذ سنوات بأن يصحبني بعض متخصصي الآثار وخاصة من لهم رأي مغاير لما أراه في رحلات عبر طرق القوافل التي ما زلت أسعى في تحقيق مساراتها على ضوء هذه الأعلام لعل الحقيقة تتضح لهم, ولكن ما حيلتي وكل الذين كانوا يرافقونني في الرحلات من غير المتخصصين بالآثار، وقد اقتنعوا تمام الاقتناع بأننا نسير مع جواد الطرق القديمة بأعلامها ومنارها ذات الأشكال والأنماط المختلفة.
ولعلّي هنا أجدد الدعوة إليهم شريطة أن يوطنوا أنفسهم على وعثاء السفر والتنقل في الطرق الوعرة وكذا شظف العيش والجوع، وكما يقال (الجود من الماجود).
ولا شك أن الوصول إلى حقيقة ما نتكلم عنه دونه خرط القتاد.
فليوطن نفسه من يريد المشاركة في البحث والتقصي.
ومع زحمة هذه الخواطر التي أثارتها ندوة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية وكذلك ما كتبه الأخ تركي القهيدان في جريدة الجزيرة في اليوم نفسه يجدر بي أن لا أنسى ان هناك عالِم آثار هو الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري الذي ما فتئ يتابع أخبار هذه الرحلات التي أقوم بها، وقد رافقني في رحلة قصيرة عبر مسار الطريق التجاري من حجر اليمامة إلى البصرة وقد شاهد نماذج من هذه الدوائر والمذيلات الحجرية الواقعة على جادة هذا الطريق، وليس من رأى كمن سمع.
ولعل ما شاهده ووقف عليه في هذه الرحلة القصيرة أوحى له لأن يقول في نهاية تقديمه لكتابي الأخير أعلام الطرق القديمة ما يلي:
(,,, وفي الحقيقة فإن هذه الظاهرة تدعو إلى قيام فريق علمي يضم علماء في الآثار، والجولوجيا، والجغرافيا، والبيئة، والأماكن تتبناه الدولة يرعاها الله وتشرف عليه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية للاستفادة من كل منجزات العصر بما في ذلك الأقمار الاصطناعية والكومبيوتر وغيرهما لكي تكتشف الحقيقة ونحدد التاريخ النسبي؛ بل والمطلق وعندها سوف يكون للأستاذ عبدالله بن محمد الشايع فضل إثارة القضية وعندها سوف نتقبل جميعاً ما يصل إليه البحث العلمي الرصين والمحايد,) انتهى كلامه.
وإنني إذ أشكر لأستاذنا الدكتور عبدالرحمن الأنصاري ما بذله من جهد في التشجيع والمؤازرة، وهذا أمر لا يستغرب عليه فهو أول رائد للآثار في بلادنا.
فهل تقوم جهة متخصصة للبت في هذا الموضوع الذي كثر الأخذ والرد فيه؟ ومتى وجدت هذه الجهة فإني على أتم استعداد لمساعدة تلك الجهة التي ستتولى التحقق من هذه الأمور على أساس علمي؛ وذلك بتوفير ما لدي من معلومات وصور وإحداثيات لمئات المواضع المنتشرة على مسارات الطرق في جميع أنحاء المملكة.
ولعلنا بعد إتمام ذلك نتمكن من وضع خريطة لطرق القوافل المسلوكة قديماً وتحديد أماكن أعلامها ومناراتها بدلاً من رسم بعض الخطوط العشوائية المثبتة على خرائطنا المنفذة حالياً.
وإذا تم عمل كهذا فيمكن التعرف على معرفة دلالات ورموز هذه الأعلام بجميع أشكالها وأنماطها.
أما بالنسبة لي فإني ماض بعون الله لإتمام ما بدأته من إكمال تتبع مسارات الطرق التي لم أكملها بعد، وذلك حسب امكاناتي المحدودة ولعله يأتي في مستقبل الأيام من يقدر هذا الجهد الذي أبذله في هذا السبيل.
إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.
عبدالله بن محمد الشايع


أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved