أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 2nd November,2000العدد:10262الطبعةالاولـيالخميس 6 ,شعبان 1421

الثقافية

عمل إبداعي مسرحي لثورة الحجارة يكشف عنه لأول مرة ,,عبدالله سعيد جمعان
كتبالشيخ والجلاد ورحل قبل أن يراهما على المسرح
حمّاد بن حامد السالمي
في كلمته أمام القمة التي انعقدت في القاهرة قبل عدة أيام، وخصصت لمعالجة الوضع المتفجر في القدس والأراضي العربية المحتلة، جسد ولي عهد المملكة ورئيس وفدها إلى القمة، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، المشاعر الإنسانية والقومية التي تختلج في نفوس أبناء المملكة العربية السعودية، حكومة وشعباً، حيال أبناء فلسطين وقضيتهم العادلة، وهي مشاعر تستمد قوتها وثباتها، من أخلاق ومبادىء وقيم إسلامية وعربية عريقة، أرساها الملك عبدالعزيز رحمه الله في عهده، وسار على نهجه أبناؤه وأبناء شعبه من بعده، بل كانت القضية الفلسطينية ومازالت، إحدى أهم العلامات الفارقة، التي لا تميز سياسة المملكة وحدها، ولكن تميز الخطاب الإعلامي والثقافي على وجه الخصوص، وتعطي الأنشطة الاجتماعية في عموم البلاد أكثر من خاصية, وبناء عليه، فإن مواقف المملكة على هذا النحو، ظلت ومازالت في قمة الوضوح، وبعيدة كل البعد عن ألوان الابتزاز والاستغلال، والدعاية الديموغوجية ، والمزايدات التي تطفو على السطح من هنا وهناك، كلما ارتفعت حرارة المواجهة مع العدو الصهيوني.
* الكلام على الخطاب الثقافي السعودي المتحيز لقضية فلسطين والقدس بالضرورة، لا يحتاج إلى تدليل على صحته وصفائه، لأنه ينبع من ضمير إسلامي عربي حي، ولأنه يحمل من الهم مثل ما يحمله خطاب أبناء القضية أنفسهم في فلسطين المحتلة، وفوق ما يحمله الغير، وما يدعيه آخرون عودونا على جعل هذه القضية، شماعة يعلقون عليها كل فشلهم وانحرافهم وزيفهم وزيغهم عن الحق.
* منذ بداية العدوان على فلسطين، وصدور وعدبلفور المشؤوم، وما تلا ذلك من مؤامرات دولية، ومزايدات عربية وإقليمية، قوّت الجانب الإسرائيلي، وفرضته على الخريطة العربية، منذ الأربعينيات الميلادية وحتى اليوم، والخطاب الثقافي السعودي، ينهض بدوره الكامل في خدمة الأمة، فالشعر العربي، والشعر المغنى، والشعر الشعبي، والقصة، والمسرحية، وكافة ألوان ومناحي الثقافة والإبداع، كل ذلك,, برز في الميدان منافحاً عن الحق العربي في القدس وفلسطين، ومساهماً بفاعلية صادقة، في إحياء روح الجهاد والنضال، والتصدي للعدوان الصهيوني بكل ألوانه وأشكاله، ودواوين الشعر العربي السعودي، تزخر بكم كبير من الشعر المحارب إن صح التعبير، والمؤلفات الثقافية السعودية، في جانبها الذي يتناول هذه القضية، كثيرة، وأسماء الأعلام من مثقفي وأدباء المملكة، الذين أبدعوا شعراً أو نثراً كفاحاً عن فلسطين وأهلها، فوق الحصر.
مسرحية في المعركة
ومن الأعمال الإبداعية التي كتبها مثقف سعودي، فلم يكشف عنها حتى اليوم ولم تر النور للنشر والظهور بعد، مسرحية بعنوان الشيخ والجلاد للأديب الراحل القاص عبدالله سعيد جمعان الزهراني رحمه الله، فالمسرحية تقع في فصلين وأربعة مشاهد، منسوخة على ورقفولسكاب في 47 ورقة, وهي مليئة بصور البطولة والفداء، التي لا يجود بها إلا أبناء الأرض المحتلة في فلسطين، ومليئة أيضاً بصور الضد، التي لا يأتيها إلا دولة عسكرية في مثل إسرائيل وعنصريتها في الأرض العربية السليبة، وفيها من البشاعة ما تقشعر له الأبدان، ومن الضيم والذل لإنسان الأرض العربية، ما يغيظ النفوس الشريفة، وتضيق به صدور الأحرار,,!
* المسرحية كتبت في أجواء عامي 1987م و 1988م، ففي العام الأول ، انطلقت الانتفاضة الفلسطينية من غزة، بعد أن قتل سائق شاحنة إسرائيلي ، أربعة فلسطينيين وجرح سبعة, وفي 15 نوفمبر من العام الذي تلاه، أعلن ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أوانذاك، قيام الدولة الفلسطينية في المنفى، من العاصمة الجزائرية.
الشيخ في هذه المسرحية، هو رمز الحق العربي في فلسطين المحتلة، وهو الإنسان والأرض والمقدسات, أما الجلاد، فهو رمز الباطل والقهر والعدوان، المتمثل في الدولة الصهيونية، وأما شخوص المسرحية التي تعتمد على حوار لا يخلو من سخرية وقفشات كوميدية، فهم إلى جانب الشيخ الفلسطيني:شامير رابين قائد استخبارات إسرائيلي موشي آرنز موردخاي جور فلنر صحفي أجنبي بطل صغير أم فلسطينية طفل فلسطيني مجموعة من الفلسطينيين مجموعة من أبطال الحجارة مجموعة من الجنود الإسرائيليين .
* إن الصراع في هذه المسرحية الفريدة، يدور حول محور أساس، هو تشبث الإنسان العربي بحقه في الحياة الكريمة في وطنه وفوق أرضه ، يقابل هذا المطلب المشروع، بتعنت وطغيان من المحتل الغاشم، الذي لا يدخر وسيلة للإضرار والإذلال والنيل من أهل الأرض، بالقتل تارة، وبالاغتصاب والإقصاء والسحق، تارات أخرى، دون رأفة بالنساء والأطفال، أو رحمة بكبار السن.
* الأدوات اللغوية المستخدمة في السرد والحوار، عربية فصيحة جيدة، والأحداث تسير في نسق متزن وصور حيوية، ففيها من عبق التاريخ العربي الإسلامي، وجغرافية الأرض، وتركيبة المجتمع، ما يدعم الحق العربي المشروع، ويبرر صراع الشيخ مع جلاده في هذا العمل الإبداعي، خاصة عندما يلجأ الشيخ في مناسبات كثيرة، إلى النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والشعر العربي الفصيح, كما يتجلى الجانب السياسي المحيط بالقضية، في إبراز مواقف كافة الأطراف، من عربية وإسلامية ودولية ، وتباين هذه المواقف وتأثيراتها في العقدة القصصية، تضع نهاية غير متوقعة البتة، فالبطل يستشهد حرقاً,, بالقاز ,,! ولكنه يموت قرير العين، لأنه يرى جلاديه يقتلون أمامه في ذات الوقت، في انفجار ضخم يعم المكان، بتأثير المتفجرات التي كان الشيخ يخبئها في داخل ساقه الخشبية,,!
* بعد عذابات متتالية لبطل المسرحية، والأطفال والنساء وأهل الأرض العربية مع المحتل المتقوي بالسلاح، تأتي لحظة قطف ثمار الجهاد والنضال والصبر والمقاومة، التي لم تجد أمامها سوى حجارة الأرض السليبة,, يموت البطل,,الشيخ العجوز ، فيموت معه الجلاد في مكان واحد,, وكأن المؤلف ، أراد أن يقول لنا في خاتمة هذا العمل، بأن الآباء يموتون أجساداً في النهاية، ولكن ليس قبل أن يتركوا لأبنائهم ارثهم الناصع، بالإباء وبالفداء، وبالتضحية وطلب الموت، من أجل أن تبقى الأرض حية في عزة وكرامة , هكذا ,,, تأتي النهاية، التي ليست حزينة بأي شكل من الأشكال، فربما أراد المؤلف بموت الشيخ في النهاية على النحو الذي كان، موت العجز والضعف، وإلقاء المسؤولية على الجيل بعده، لتنتصر القوة في الشباب.
* قبل أن يسدل الستار إيذاناً بانتهاء العرض، نحن وجهاً لوجه مع هذا المشهد,:
,,, يسلط الضوء على منظر غترة الشيخ، منصوبة على عكازه في هيئة خارطة فلسطين، ويسمع صوت محمد عبدالوهاب في أنشودة فلسطين:


أخي,, إن جرى في ثراها دمي
وأخفضت فوق حصاها اليدا
ففتش على مهجة حرة
أبت أن يمر عليها العدا
وقبل شهيداً على أرضها
دعا باسمها الله واستشهدا
فلسطين,,, يفدي حماك الشباب
وجل الفدائي,, والمفتدى
فلسطين,, تحميك منا الصدور
فإما الحياة,, وإما الردى

* إذن,,, هذه المسرحية، يمكن اعتبارها أنموذجاً في عداد الأعمال الثقافية التي نهض بها مبدعون سعوديون كثر، وشكلت الخطاب السعودي الثقافي المعاضد لأبناء فلسطين، في حقهم المشروع في أرض فلسطين والقدس، ونضالهم المستمر لصيانة هذا الحق واسترداده.
المؤلف واكتشاف مسرحيته
* كاتب هذه المسرحية، هو أديب وقاص وروائي سعودي راحل، عضو مؤسس وعضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي، من مواليد مكة المكرمة عام 1358 ه،
وتوفي في شهر صفر من عام 1411ه، إبان احتلال القوات العراقية العربية ، لدولة الكويتالعربية ,,,! فيا لها من مفارقة عجيبة,,! ومن آثاره المطبوعة:
1 بنت الوادي مجموعة قصصية عام 1389ه
2 رجل على الرصيف مجموعة قصصية عام 1397ه
3 القصاص رواية عام 1399ه
4 تذكرة عبورمجموعة قصصية عام 1402ه
5 عمل إذاعي بعنوانسلمى عام 1400ه
6 عمل تلفزيوني بعنوان فارس من الجنوب في 13 حلقة، بدأ عرضه في رمضان من عام 1402ه.
7 الشيخ والجلادمسرحية ,, وهو العمل الذي نحن بصدده ومازال مخطوطاً.
* ويعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في ظهور هذا العمل الإبداعي والكشف عنه والتعرف عليه، إلى السيدة الفاضلة جميلة عبدالله عبدالكريم خياط، زوجة الأديب الراحل، التي قامت على حفظ آثار زوجها، والسعي إلى إظهار ونشر ما كان مخطوطاً منها، وهذا وفاء من زوجة أديب مبدع، كانت هي أول جامعية سعودية من بنات الطائف، وقضت سنين طويلة في ميدان التربية والتعليم منذ العام 1382ه، وراحت تساهم بكل جهد ممكن في الأعمال الخيرية والاجتماعية، وما يسهم في النهوض بالمرأة، فكانت من العضوات المؤسسات لجمعية اليقظة النسائية، أول جمعية نسائية بالطائف، ثم عضواً بالندوة العالمية للشباب المسلم، وظلت تقف إلى جانب زوجها الراحل في مسيرته الإبداعية، ثم تفرغت بعد وفاته لرعاية أبنائه والحفاظ على آثاره، ولاشك أن هذا دور عظيم تضطلع به زوجة سعودية،وفاء لزوجها ولأدبه وآثاره الثقافية.
المسرحية,,, متى ترى النور,,؟
* إن مسرحية الشيخ والجلاد ، من الأعمال الإبداعية التي تكتسب أهمية خاصة، كونها تعالج قضية قومية نضالية حية في ضمائر كل العرب والمسلمين، ولأنها جاءت في بدايات انتفاضة الحجارة، تلك الثورة التي ابتدعها أطفال فلسطين دفاعاً عن أنفسهم، فأضحت منهجاً في الكفاح والنضال العربي, وهي تعطي صورة حقيقية عن اهتمام المثقف السعودي بهذه القضية، وتفاعله معها في كافة مراحلها.
* إن طباعة هذا العمل وإخراجه وتمثيله، واجب يحتمه النص الجيد الذي جاء عليه، ومن موجباته الملحة، الوفاء للكاتب المبدع المرحوم عبدالله سعيد جمعان الزهراني، وتكريماً لزوجته المربية التي حافظت عليه ثم كشفت عنه، وأعتقد بأن الرئاسة العامة لرعاية الشباب يهمها ذلك، وأن سمو الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز، الرئيس العام لرعاية الشباب، هو من أوائل الذين يعملون على رعاية مثل هذا العمل الإبداعي، والتشجيع على نشره وإخراجه، ليطلع عليه كافة المهتمين بالأدب السعودي، وأن المؤسسات الثقافية بالطائف، معنية بهذه المهمة، خاصة النادي الأدبي، الذي كان المؤلف عضواً عاملاً فيه، وجمعية الثقافة والفنون، بما لها من آلية فنية، وأحسب أن الصديق الناقد الدكتور عالي بن سرحان القرشي، المشرف على النشاط الثقافي والمسرحي بالجمعية، يقدر مثل هذا الجهد الإبداعي، الذي أثر عن أديب طائفي معروف، رحل قبل أن يرى جهده هذا على خشبة المسرح.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved