أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 9th November,2000العدد:10269الطبعةالاولـيالخميس 13 ,شعبان 1421

مقـالات

ضحى الغد
كفيف يتمنى أن يشم الربيع!
عبدالكريم بن صالح الطويان
سألني خلف وهو رجل في منتصف الحلقة الخامسة من عمره كفيف البصر: هل ترى في السماء سحاباً؟ قلت له: نعم، ثم عقب: هل سمعت بنزول مطر هذه الأيام؟ قلت: لم أسمع! ولكن لماذا تهتم بالمطر كثيراً، هل لديك ماشية؟ لا، ليس لي ناقة ولا جمل، لكنني أحب المطر! قلت له: لكنك كفيف البصر لا ترى مظاهر المطر، ولا آثاره على الارض! ضحك ثم التفت إليّ، ثم حنى ظهره، ومسح بيده على الارض، وهو يقول: ألمس نبات الربيع واتحسسه بيدي هكذا، ثم أشمه! ما اجمل ملمسه! واحسن ريحه!
وافترقنا، ومضى خلف الى منزله الشعبي في عرق من عروق الصريف الرملية، شرق الاسياح وفي اليوم التالي لمقابلة خلف اغاثنا المولى الكريم بوسمية مبكرة سقت القصيم من شرقه الى غربه، واعلنت الشتاء صريحا، وتذكرت خلف وهو يسألني عن السحاب والمطر، وهو يتمنى على الله أن يلمس الربيع ويشمه! وقلت في نفسي: بمثل شفقة هذا يرحمنا الله ويسقينا! واذا كانت هذه هي امنية خلف وهو كفيف البصر، فكيف بنا نحن المبصرين، اننا اكثر افتتانا بنجد اذا غسلها المطر، وسقاها الوسمي، وفاحت رياضها بالربيع!
و نجد هذه الجافية المجفوة، التي يغيب عنها المطر، فتقول لا يزورها ابداً! هي هذه الباهرة الفاتنة اذا سقاها الديم، وجرت على اديمها التلاع والاودية، وكساها الربيع اردية الخضرة والازهار، وغنت في سهولها ورياضها طيور الماء، ولفها جمال آسر لايدرك سره الا اهلها المتيمون بحبها!
وخلف هذا البدوي الاعمى، الذي فاتته نعمة رؤية جمال نجد بعد الطر، لم تفته نعمة ملمس ربيعها الناعم، ولا رائحة ربيعها العطر وقد كفاه من ربيع نجد ان يلمسه ويشمه، وهي قناعة متناهية بحب نجد! وهؤلاء الذين احبوا نجداً، لم يحبوا بعضها دون بعض، بل كل نجد هي وجه ليلى المحبوبة، ووجه ليلى هو صورة نجد بهضابها ورياضها وعيونها وسهولها! وقد عبر عن شعور اولئك، جميعاً شاعرها العاشق القديم:


لا تقل دارها بشرقي نجد
كل نجد للعامرية دار!

وهؤلاء الذين احبوا نجداً في لهيبها ورمضائها وعطشها وقسوتها، هم الذين صبروا على جفائها، فإذا انعم الكريم على نجد جاءت هذه الاصيلة بوفائها وبرها وعطائها وعطرها، وعوضت اهلها الصابرين بعوض طالما تغنى به الشداة، ومدحه الشعراء، وتوجَّد عليه الغائبون!
فكيف بك اذا تعطرت الاجواء بريح الخزامى والشيح والقيصوم، وحفت بك اشجار الغضا والرمث، وامتلأت الغدران بمياه المطر، وازدانت الرمال الحمر حُمرة لا تعرفها الا لنجد، الارض التي ربت الشعراء والفرسان، حماة الحمى، اباة الضيم، رجال المواقف!.
اكتب هذه المشاعر، ورائحة المطر من حولي تفتح من الذاكرة مغاليق خزائن لا تفتحها الا هذه الرائحة، وكأنها شفرة لها رموز وارقام متعددة تتعامل مع هذه الخزائن المقفلة بالذكريات فتفتحها وتنشرها لنا صفحة صفحة وذكرى ذكرى!@ في هذه الخزائن كل عهود الصبا وايام الطفولة، وجيمع اوقات السعادة و الفرح! وتضيع مفاتيح هذه الخزائن اذا فقدنا المطر دهراً، لكنها ما تلبث ان تكشف فحواها وتبعث محتواها، ونعود نحن اليها لنستعيد لمعاً من الماضي الجميل لم ننسه، وألقاً من الحاضر السعيد لم نفتقده! فمرحبا بالمطر,, حبيب جاء على فاقة!

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved